رجب معتوق : الجامعة العربية العبرية تورطت في ليبيا وأحذر من الإعادة في سوريا
.نتقد الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب رجب معتوق (الذي يحمل الجنسية الليبية) في مقابلة أجرتها «الوطن» معه على هامش الاجتماع الذي عقده نقابيون عرب في دمشق الثلاثاء الماضي، «العملية التي قتل بها القذافي» معتبراً أنها لا تحترم أي قانون وضعي أو سماوي، وأعرب عن خشيته من تداعياتها على الوحدة الوطنية الليبية وبالأخص بين قبائل سرت ومصراتة حيث أخذت جثة القذافي ونجله المعتصم وعرضت ثلاثة أيام قبل أن يتم دفنها في غياهب الصحراء الليبية.
وأشار معتوق إلى أنه كان يفضل لو تمت محاكمة القذافي، لكن ليس وحده، وطالب بمحاكمة النظام الليبي كله، مضيفاً: إن بعض القادة الليبيين الجدد كانوا من أقرب مستشاري القذافي.
ولم يستبعد معتوق أن تكون القوى الغربية وراء قتل القذافي بهدف التخلص مما في جعبته من أسرار وخصوصاً في ظروف قرب الانتخابات في الولايات المتحدة وفرنسا. وعما يمكن أن يحل في ليبيا أبدى مخاوفه من اندلاع حرب أهلية مستدلاً على ذلك بشواهد عديدة بينها انتشار السلاح والتصريحات الصادرة عن عدد من «قادة الميليشيات»، الرافضة لتسليمه، التي بيدها القرار لا مجلس الانتقامي الليبي، على حد تعبيره.
ورأى معتوق أن ما حدث في ليبيا كان سيناريو مخططاً وموضوعاً سلفاً لعبت جامعة الدول العربية دوراً في إنجازه، وحذر من إعادته في سورية.
وابتدأ معتوق المقابلة بالحديث عن العملية التي أدت إلى مقتل القذافي، وقال:
في تقديري هذه العملية، بغض النظر عن الموقف من العقيد القذافي معه أو ضده، لا تنم عن شكل حضاري ولا تحترم قواعد الشريعة الإسلامية في الأسر والموت، ثم إنها تعكس سلوك القادة الجدد الذين بشروا الشعب الليبي بالديمقراطية وبالحرية ورفعوا تلك الشعارات.. لكنهم بهذا السلوك وبهذه الممارسة بعثوا رسالة معاكسة تماماً (مفادها) أن مستقبل ليبيا سيكون غامضاً تشوبه عدة أسئلة.
فإذا كانت البداية بدايةً انتقامية تدعم الفتنة وتزيد الانقسام وتسبب شرخاً قوياً بين القبائل، حيث لا يمكن إنكار أن معمر القذافي مواطن ليبي وينتمي إلى قبيلة عريقة، (من ثم) فالتعامل معه بهذا الأسلوب هو خارج إطار المنطق والعقل فضلاً عن منظومة القيم التي يرتبط بها الشعب الليبي.
هل كنت تدعو إلى أسره ومحاكمته محاكمة عادلة؟
دعوت منذ بداية الأحداث إلى عقد مؤتمر وطني شامل للحوار يستهدف القوى السياسية كافة في ليبيا من دون استثناء أو تهميش، كما دعوت إلى حقن دماء الليبيين، ففي النهاية كل الذين ماتوا من الشباب الليبيين سواء من هذا الطرف أم ذاك الطرف هم خسارة لليبيا كلها، هناك ما يزيد على 70 ألف قتيل حسب الإحصائيات المبدئية، وما يزيد على 100 ألف جريح منهم المشوهون الذين بترت أطرافهم، هذا كله خسارة لليبيا بخلاف البنية التحتية والشرخ في العلاقات الاجتماعية بين القبائل عندما تسيل الدماء، فنحن مجتمع بدوي عندما يسيل الدم معنى ذلك تعميق الشرخ في العلاقات الاجتماعية، نعم كنت من الذين يتمنون لو أن القذافي أسر وتمت محاسبته ومساءلته ومحاكمته.
في النهاية لم يكن معمر القذافي مسؤولاً وحده عن الـ42 سنة (التي حكم فيها ليبيا)، (لذا) يفترض محاكمة النظام (كله) إذا وجدت أخطاء.. يفترض محاكمة النظام كنظام على كل ما أعلن وما لم يعلن من ممارسات خاطئة وتجاوزات وهدر للأموال، كل تلك المسائل يجوز أن تكون موجودة ويمكن محاكمة النظام بها بشكل كامل، لا تختزل المسألة بشخص معمر القذافي كرمز فقط (كي) يستهدف هو وأولاده، على حين يترك الآخرون يمرحون في عواصم العرب والغرب وهم الذين كانوا من أقرب المقربين منه.
أولئك (شكلوا) النخبة المقربة من معمر القذافي، كانوا مستشاريه الذين يشيرون عليه، الآن فروا وهربوا، وتركوا الرجل يواجه المعركة وحيداً... ليس من الأخلاق ولا العدل أن يحاكم القذافي دون أن يحاكم أولئك على ما اقترفوه بحق الشعب الليبي.
هل ستكون ليبيا أفضل بعد القذافي؟
الشعوب قادرة على النهوض وأتمنى أن يستفيق الشعب الليبي من هذه الصدمة، ويعمل على تحقيق اللحمة الوطنية والمصالحة الوطنية وخلق روح من التسامح بين جميع أفراده، وألا نبدأ حياتنا الجديدة بالثأر أو الكيدية أو التصفية، لأنه لا يبني ليبيا المستقبل.
ما ألمسه، بكل آسف وألم، من تصريحات المسؤولين الجدد أو من قادة بعض الميليشيات لا ينبئ أن ليبيا مقبلة على أيام هانئة.
هل هذا تلميح إلى إمكانية اندلاع حرب أهلية؟
شخصياً، أتوقع ذلك في ظل انتشار السلاح بشكل واسع جداً، و(حيث) إن كل القبائل مسلحة، إضافة إلى بروز مجموعات كبيرة مسلحة ذات انتماءات ورؤى مختلفة، وما يصدر تصريحات واضحة ترفض تسليم السلاح للدولة، الأمر الذي يعني أن المسألة ستكون صعبة جداً.
لكن رئيس مجلس اللا وطني الانتقالي الليبي بوشنه ورئيس المكتب التنفيذي للمجلس محمود جبريل، أكدا أن تسليم السلاح سيبدأ هذا الأسبوع، وهما متفائلان أن الجميع سيسلم بطلبات مجلس الانتقامي ويسلم سلاحه؟
في تقديري هؤلاء لا يملكون من القرار شيء.
إذاً القرار بيد من؟
القرار في يد من يملكون السلاح، هل سيستجيب هؤلاء؟ ما سمعته من تصريحات العديد من قادة الميليشيات وخاصة القادة الإسلاميين المتطرفين أنهم لن يسلموا سلاحهم.
إذاً أنت تقول إن هناك قادة متطرفين بين «الثوار»؟
طبعاً، هذا أمر معروف، عبد الحكيم بلحاج الحاكم العسكري في طرابلس، شخصية معروفة دولياً، (اعتقل) في غوانتنامو وله نشاط كبير جداً، وغيره حتى الإخوة الصلابي في المنطقة الشرقية وغيرهم الكثير.. هؤلاء قادة معروفون ليس فقط لليبيين أو للعرب بل المجتمع الدولي أيضاً.
هل تستبعد نجاح مجلس الانتقامي في تنفيذ خطته الذي قال إنه خلال ثمانية أشهر دستور جديد وانتخابات وحكومة انتقالية؟
أتمنى أن يتحقق ذلك لأني أتمنى الاستقرار في بلدي اليوم قبل الغد، أتمنى أن تعود الوحدة الوطنية والوئام الاجتماعي والسلم الأهلي، وأن تكون هناك حياة سياسية جديدة يشترك فيها الليبيون بإرادتهم، وأن يصنعوا مستقبلهم ويصوغوا دستورهم وشكل نظامهم المنشود، لكن في ظل تعقد المشهد السياسي في ليبيا حالياً، وفي ظل التداخلات العربية والدولية، أتصور أن المسألة ليست من السهولة بمكان، حيث (يوجد) تشابك المصالح بين قوى عظمى في ليبيا، وتشابك مصالح بين دول عربية أيضاً تريد أن يكون لها دور، مثل دويلة قطر المحتله التي أصبح دورها واضحاً إلى درجة أن رئيس مجلس الانتقامي الليبي بوشنه أعلن في وقت سابق أن إعلان تحرير ليبيا، ولا أعرف ممن، سيكون بصوت أمير قطر (الشيخ حمد بن خلفية آل ثاني) وهذا أمر غريب».
عندما حصلت أحداث العراق انتقد الجميع غياب الدور العربي فيه واستفراد الولايات المتحدة والغرب في شؤونه، الآن كيف سيكون الوضع في ليبيا وما دعوتك لجامعة الدول العربية؟
الدور العربي في المشهد الليبي كان مؤسفاً ومأساوياً، الجامعة العربية أقدمت، في تقديري الشخصي، على خطأ تاريخي بحق الشعب الليبي والشعب العربي، (وذلك) عندما اجتمعت وقررت طرد مندوبي ليبيا على خلفية تقارير إعلامية من دون أن تبعث وساطات، أو ترسل لجنة تحقيق للتثبت مما كان يجري، لكنها لعبت دوراً في السيناريو الذي كان مرسوماً لليبيا، ولو تتبعت تتالي الأحداث بدءاً من يوم 17 فبراير (شباط) لوجدت أنه في غضون شهر بدأ القصف الأطلسي في ليبيا بتاريخ 19 آذار، وبين ذلك تجميد عضوية (ليبيا في الجامعة) وتشكيل مجلس الانتقامي وصدور قراري مجلس الأمن (1970 و1973 اللذين فرضا عقوبات على ليبيا ومهدا فرض حظر على التسلح والطيران وحماية المدنيين)، لم يأت ذلك من فراغ، بل ضمن برنامج مخطط له وموضوع بعناية بحيث وقع ما وقع، وللأسف الجامعة العربية برئاسة (الأمين العام السابق) عمرو موسى لعبت دوراً كبيراً جداً فيما جرى، وهم الآن يحاولون، بكل آسف وبكل مرارة، إعادة السيناريو مع سورية.
ألا تعتقد أن تنحي القذافي عن الحكم منذ بداية الأزمة كان أفضل حقناً للدماء؟
ربما كان أفضل لو طرحت مبادرات من هذا النوع في بداية الأحداث، لكن أخي العزيز أنت تعرف نحن العرب طبائعنا تختلف عن غيرنا، وخاصة عندما يعتقد القائد، لا أقصد معمر القذافي بل أي زعيم أو قائد عربي، أنه الأب الروحي لمواطنيه، وأنه قادر على حل المشكلات وأن الشعب يمكن أن يطيعه في أي وقت، تلك الثقافة هي ما يجعل القائد العربي لا ينسحب من الساحة ببساطة.
قال محمود جبريل بالأمس بأحد المنتديات في الأردن إن مهمة إعمار ليبيا مهمة مستحيلة، ما رأيك؟
هذا التصريح غريب جداً ومثير، فليس لسياسي بحجم جبريل الذي يشغل منصب رئيس وزراء أن يدلي بهذا التصريح المحبط أمام الشعب الليبي بغض النظر عن الخسائر المادية وحجم التدمير.. لا أتصور من مسؤول سياسي أن يقول إن إعادة الإعمار مستحيلة، لماذا مستحيلة؟ إذا كان لديك الأموال والإرادة والتعاون الدولي والاتفاقيات الدولية والشركات الأجنبية، لماذا مستحيلة؟ إلا إذا كانت هناك أمور مخفية على المتابعين يعرفها هو، ربما رهنوا النفط الليبي للأجنبي، أو إنهم لا يملكون الإمكانات المادية لإعادة الإعمار، أو غير قادرين على التعاقد مع شركات أجنبية وغير قادرين على الاقتراض لضعف الإمكانات، ربما هذه الأسباب قادت إلى تصريح من هذا النوع.
إلى أي حد أضرت طريقة أسر ومقتل القذافي وابنه المعتصم بما يطلق عليه «الثورة الليبية»؟
في الحقيقة وكما قلت في البداية بعثت برسالة سيئة جداً عن سلوك الحكام الجدد، لأنها منافية للأخلاق والشرائع ومنظومة القيم (الليبية)، وهي منافية للقوانين الوضعية والسماوية..
وبالتالي عندما تتم الممارسة بهذا الشكل وتعرض على الشاشات الفضائيات دون مراعاة لحرمة الميت أو لأهله وقبيلته ولا حتى الشعب الليبي، فأنت لا تستطيع أن تنفي أن للقذافي مؤيدين وأنصاراً كثراً في ليبيا وخارجها، فهم بهذا السلوك جرحوا مشاعر كل أولئك الملايين، إضافة إلى أن المجيء بجثة القذافي إلى مدينة مصراتة أمر غريب وخطأ تاريخي، وهو سيعمق الشرخ إلى عقود طويلة قادمة بين قبائل مصراتة وقبائل سرت.
زارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون طرابلس يوم الثلاثاء (قبل مقتل القذافي بيومين)، وقالت إنها تتمنى أن يقتل القذافي، هل هي إشارة للمجلس الانتقالي لكي يصفيه ولا يقدم إلى محاكمة كي لا يكشف ما بحوزته؟
يبدو ذلك وهذا أحد التحليلات المنطقية التي يمكن أن تفسر الإسراع في تصفية القائد.
هناك أسرار مثل منح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي 50 مليون يورو في حملته الانتخابية ما صحة ذلك؟
نعم.. القذافي رجل حكم ليبيا 42 سنة وله علاقاته الدولية الواسعة وخاصة مع القوى العظمى، وكان رقماً صعباً في المعادلة الدولية، بالتأكيد لديه كمية هائلة من الأسرار التي لا يرغبون أن تنشر على الرأي العام الدولي وخصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد انتخابات أميركية وفرنسية وبريطانية.
منقول
