منتديات الحزين فلسطين

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات الحزين فلسطين

مرحبا بكم في منتديات الحزين فلسطين


    القضاة المالكية فالذي كان أولهم ولاية في دولة الظاهر بيبرس

    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    القضاة المالكية فالذي كان أولهم ولاية في دولة الظاهر بيبرس Empty القضاة المالكية فالذي كان أولهم ولاية في دولة الظاهر بيبرس

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 7:10 pm

    القضاة المالكية فالذي كان أولهم ولاية في دولة الظاهر بيبرس

    هو القاضي شرف الدين عمر السبكي المالكي تغمده الله برحمته وجميع المسلمين‏.‏

    قضاة الحنابلة فالذي ولاه الملك الظاهر بيبرس هو قاضي القضاة شمس الدين أبو بكر محمدًا ابن العماد إبراهيم الجماعيلي الحنبلي إلى أن امتحن وصرف في ثاني شعبان سنة سبعين وستمائة ولم يل بعد عزله بالقاهرة أحد من الحنابلة حتى توفي شمس الدين المذكور في يوم الخميس في العشر الأول من المحرم سنة ست وسبعين‏.‏
    ثم ولي قاضي القضاة عز الدين عمر بن عبد الله بن عوض في النصف من جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين فاستمر حتى مات سنة ست وتسعين وستمائة‏.‏
    ثم تولى بعده قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد عبد الغني بن يحيى الحراني إلى أن مات في رابع عشرين شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعمائة‏.‏
    ثم تولى بعده قاضي القضاة سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي في ثالث شهر ربيع الآخر من السنة وعزل بعد سنتين ونصف بقاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي القضاة عز الدين عمر في حادي عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بعدما شغر منصب القضاة ثلاثة أشهر فلم تطل أيامه وعزل بقاضي القضاة موفق الدين عبد الله بن محمد بن عبد الملك المقدسي في نصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فدام في المنصب إلى أن مات في المحرم سنة تسع وستين وسبعمائة‏.‏
    ثم تولى عوضه قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد العسقلاني حتى مات في ليلة الحادي والعشرين من شهر شعبان سنة خمس وتسعين وسبعمائة‏.‏
    ثم تولى بعده ابنه قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم ابن نصر الله حتى مات في ثامن شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة‏.‏
    ثم تولى عوضه أخوه قاضي القضاة موفق الدين أحمد بن نصر الله فدام حتى صرف بقاضي القضاة نور الدين علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله الحكري فلم تطل مدة الحكري وصرف‏.‏
    ثم أعيد موفق الدين فاستمر إلى أن مات في سنة ثلاث وثمانمائة‏.‏
    ثم تولى بعده قاضي القضاة مجد الدين سالم بن أحمد في ثالث عشرين شهر رمضان من سنة ثلاث فاستمر في القضاء إلى أن صرف بقاضي القضاة علاء الدين علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلي في حدود سنة ست عشرة وثمانمائة فاستمر علاء الدين بن فغلي في القضاء إلى أن توفي بالقاهرة في العشرين من صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة‏.‏
    ثم تولى بعده قاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي من التاريخ المذكور إلى أن صرفه الملك الأشرف بقاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن علي البغدادي في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين فدام القاضي عز الدين إلى أن صرف في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة ثلاثين وثمانمائة‏.‏
    ثم أعيد قاضي القضاة محب الدين واستمر إلى أن مات في يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة‏.‏
    ثم تولى بعده قاضي القضاة بدر الدين محمد بن محمد بن عبد المنعم البغدادي إلى أن مات في ليلة الخميس سابع جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة‏.‏
    ثم تولى بعده قاضي القضاة عز الدين أحمد بن إبراهيم بن نصر الله العسقلاني في يوم السبت تاسع جمادى الأولى المذكور‏.‏
    قلت‏:‏ وقد خرجنا عن المقصود في ترجمة الملك الظاهر بيبرس بالإطالة فيما ذكرناه غير أن ذلك كله هو أيضا مما يضاف إلى ترجمته ولا بأس بالإطالة مع تحصيل الفائدة ولنعد إلى ذكر السلطان الملك الظاهر بيبرس‏.‏
    ثم أمر الملك الظاهر بأن يعمل بدمشق أيضًا كذلك في سنة أربع وستين فوقع ذلك وولى بها قضاة أربعة‏.‏
    ولما وقع ولايته القضاء من كل مذهب بدمشق اتفق أنه كان لقب ثلاثة قضاة منهم شمس الدين وهم‏:‏ قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن محمد بن خلكان الشافعي وقاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطا الأذرعي الحنفي وقاضي القضاة شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر الحنبلي فقال بعض الشعراء رحمه الله في هذا المعنى‏:‏ المجتث أهل الشام استرابوا من كثرة الحكام إذ هم جميعا شموس وحالهم في ظلام وقال غيره‏:‏ مجزوء الرمل بدمشق آية قد ظهرت للناس عاما كلما ولي شمس قاضيا زادت ظلاما ثم سافر الملك الظاهر من مصر إلى البلاد الشامية في هذه السنة - أعني سنة أربع وستين - فخرج منها في يوم السبت مستهل شعبان وجعل نائبه بديار مصر ولده الملك السعيد وجعل الجيش في خدمته والوزير بهاء الدين بن حنا وسار الملك الظاهر حتى نزل عين جالوت وبعث عسكرا مقدمه الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي ثم عسكرًا آخر مقدمه الأمير سيف الدين قلاوون الألفي للإغارة على بلاد الساحل فأغاروا على عكا وصور وطرابلس وحصن الأكراد وسبوا وغنموا ما لا يحصى‏.‏
    ثم نزل الملك الظاهر بنفسه على صفد في ثامن شهر رمضان ونصب عليها المجانيق ودام الاهتمام بعمل الآلات الحربية إلى مستهل شوال إذ شرع في الزحف والحصار وأخذ النقوب من جميع الجهات إلى أن ملكها بكرة يوم الثلاثاء خامس عشر شوال واستمر الزحف والقتال ونصب السلالم على القلعة وتسلطت عليها النقوب والسلطان يباشر ذلك بنفسه حتى طلب أهل القلعة الأمان على أنفسهم وطلبوا اليمين على ذلك فأجلس السلطان الملك الظاهر الأمير كرمون أغا التتاري في دست السلطنة وحضرت رسلهم فاستحلفوه فحلف لهم كرمون التتاري وهم يظنونه الملك الظاهر فإنه كان يشبه الملك الظاهر‏.‏
    وكان في قلب الملك الظاهر منهم حزازة ثم شرط عليهم ألا يأخذوا معهم من أموالهم شيئا‏.‏
    فلما كان يوم الجمعة ثامن عشر شوال طلعت السناجق على قلعة صفد ووقف الملك الظاهر بنفسه على بابها وأخرج من كان فيها من الخيالة والرجالة والفلاحين ودخل الأمير بدر الدين بيليك الخازندار وتسلمها واطلع على أنهم أخذوا شيئًا كثيرًا من التحف له قيمة فأمر الملك الظاهر بضرب رقابهم فضربت على ذل هناك‏.‏
    وكتبت البشائر بهذا النصر إلى مصر والأقطار وزينت الديار المصرية لذلك ثم أمر الملك الظاهر بعمارة قلعة صفد وتحصينها ونقل الذخائر إليها والأسلحة وأزال دولة الكفر منها ولله الحمد وأقطع بلدها لمن رتبه لحفظها من الأجناد وجعل مقدمهم الأمير علاء الدين البكي وجعل في نيابة السلطنة بالمدينة الأمير عز الدين العلائي وولاية القلعة للأمير مجد الدين الطوري‏.‏
    ثم رحل الملك الظاهر إلى دمشق في تاسع عشر شوال‏.‏
    ولما كان الملك الظاهر نازلًا بصفد وصل إليه رسول صاحب صهيون بهدية جليلة ورسالة مضمونها الاعتذار من تأخيره عن الحضور فقبل الملك الظاهر الهدية والعذر‏.‏
    ثم وصلت رسل صاحب سيس أيضا بهدية فلم يقبلها ولا سمع رسالتهم‏.‏
    ثم وصلت البريدية من متولي قوص ببلاد الصعيد بخبر أنه استولى على جزيرة سواكن وأن صاحبها هرب وأرسل يطلب من الملك الظاهر الدخول في الطاعة وإبقاء سواكن عليه فرسم ثم رحل الملك الظاهر من دمشق يوم السبت ثالث في القعدة وأمر العساكر بالتقدم إلى بلاد سيس للإغارة عليها وقدم عليهم الملك المنصور صاحب حماة وتدبير الأمور راجع إلى الأمير آق سنقر الفارقاني فساروا حتى وصلوا إلى الدرب الذي يدخلون منه إليها وكان صاحبها قد بنى عليها أبرجة فيها المقاتلة فلما رأوا العسكر تركوها ومضوا فأخذها المسلمون وهدموها ودخلوا بلاد سيس فنهبوا وأسروا وقتلوا وكان فيمن أسر ابن صاحب سيس وابن أخته وجماعة من أكابرهم‏.‏
    ودخلوا المدينة يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة وأخذوا منها ما لا يحصى كثرة وعادوا نحو دمشق‏.‏
    فلما قاربوها خرج الملك الظاهر لتلقيهم في ثاني ذي الحجة واجتاز بقارة في سادسه فأمر بنهبها وقتل من فيها من الفرنج فإنهم كانوا يخيفون السبيل ويستأسرون المسلمين فأراح الله منهم وجعلت كنيستها جامعًا ورتب بقارة خطيبًا وقاضيًا ونقل إليها الرعية من المسلمين ثم التقى العساكر وخلع عليهم وعاد معهم فدخل دمشق والغنائم والأسرى بين يديه في يوم الاثنين خامس عشر شهر ذي الحجة فأقام بها مدة‏.‏
    ثم خرج منها طالبا الكرك في مستهل المحرم سنة خمس وستين وستمائة وأمر الملك الظاهر بعد خروجه من دمشق بعمارة جسر بالغور على نهر الشريعة وكان المتولي لعمارته جمال الدين محمد بن نهار وبدر الدين محمد بن رحال وهما من أعيان الأمراء ولما تكامل عمارته اضطرب بعض أركانه فقلق الملك الظاهر لذلك وأعاد الناس لإصلاحه فتعذر ذلك لزيادة الماء فاتفق وقوف الماء عن جريانه حتى أمكن إصلاحه فلما تم إصلاحه عاد الماء إلى حاله قيل إنه كان وقع في النهر قطعة كبيرة مما يجاوره من الأماكن العالية فسدته من غير قصد‏.‏
    وهذا من عجيب الاتفاق‏.‏
    ثم عاد الملك الظاهر إلى ديار مصر وعند عوده إليها وصل إليه رسل صاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر ومعهم فيل وحمار وحش أبيض وأسود وخيول وصيني وتحف وطلب معاضدة الملك الظاهر له وشرط له أن يخطب له ببلاده‏.‏
    ثم خرج السلطان في يوم السبت في ثاني جمادى الآخرة إلى بركة الجب عازمًا على قصد الشام على حين غفلة وجعل نائب السلطنة على مصر الأمير بيليك الخازندار ورحل في سابع الشهر فوردت عليه رسل صاحب يافا في الطريق فاعتقلهم وأمر العسكر بلبس آلة الحرب ليلا وسار فأصبح يافا وأحاط بها من كل جانب فهرب من كان فيها من الفرنج إلى قلعتها فملك السلطان المدينة وطلب أهل القلعة الأمان فأمنهم وعوضهم عما نهب لهم أربعين ألف درهم فركبوا في المراكب إلى عكا وكان أخذ قلعة يافا في الثاني والعشرين من الشهر المذكور وأمر بهدمها‏.‏
    فلما فرغ السلطان من هدمها رحل عنها يوم الأربعاء ثاني عشر شهر رجب طالبا للشقيف فنزل عليه يوم الثلاثاء وحاصرها حتى تسلمها يوم الأحد تاسع عشرين رجب وكان الملك الظاهر أيضا ملك الباشورة بالسيف في السادس والعشرين منه‏.‏
    ثم رحل الملك الظاهر عنها بعد أن رتب بها عسكرًا في عاشر شعبان وبعث أكثر أثقاله إلى دمشق وسار إلى طرابلس فشن عليها الغارة وأخرب قراها وقطع أشجارها وغور أنهارها‏.‏
    ثم رحل إلى حصن الأكراد ونزل بالمرج الذي تحته فحضر إليه رسول من فيه بإقامة وضيافة فردها عليه وطلب منهم دية رجل من أجناده كانوا قتلوه مائة ألف دينار فأرضوه‏.‏
    فرحل إلى حمص ثم إلى حماة ثم إلى أفامية ثم سار ونزل منزلة أخرى‏.‏
    ثم رحل ليلا وأمر العسكر بلبس آلة الحرب ونزل أنطاكية في غرة شهر رمضان فخرج إليه جماعة من أهلها يطلبون الأمان وشرطوا شروطا لم يجب إليها وزحف عليها فملكها يوم السبت رابع الشهر ورتب على أبوابها جماعة من الأمراء لئلا يخرج أحد من الحرافشة بشيء من النهب ومن يوجد معه شيء يؤخذ منه فجمع من ذلك ما أمكن جمعه وفرقه على الأمراء والأجناد بحسب مراتبهم‏.‏
    وحصر من قتل بأنطاكية فكانوا فوق الأربعين ألفًا وأطلق جماعة من المسلمين‏.‏
    كانوا فيها أسراء من الحلبيين وكتب البشائر بذلك إلى مصر وإلى سائر الأقطار‏.‏
    وأنطاكية‏:‏ ملينة عظيمة مشهورة مسافة سورها اثنا عشر ميلًا وعدد أبراجها مائة وستة وثلاثون برجا وعدد شرفاتها أربع وعشرون ألفًا‏.‏
    ولم يفتحها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمه الله - فيما فتح‏.‏
    قلت‏:‏ كم ترك الأول للآخر‏.‏
    ولما ملك الملك الظاهر أنطاكية وصل إليه قصاد من أهل القصير يطلبون تسليمها إليه فسير السلطان الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني بالعساكر إليها فوصلها ووجد أكثر أهلها قد برح منها فتسلمها في ثالث عشر شهر رمضان وكان قد تسلم دركوش بواسطة فخر الدين الجناحي في تاسع شهر رمضان وعاد إلى دمشق فدخلها في سابع عشرين شهر رمضان وعيد السلطان بقلعة دمشق‏.‏
    ثم عاد إلى القاهرة فدخلها آخر نهار الأربعاء حادي عشر في الحجة‏.‏
    وبعد وصوله بمدة جلس في الإيوان بقلعة الجبل يوم الخميس تاسع صفر وأحضر القضاة والشهود والأعيان وأمر بتحليف الأمراء ومقدمي الحلقة لولده الملك السعيد بركة خان فحلفوا ثم ركب الملك السعيد يوم الاثنين العشرين من الشهر بأبهة السلطنة في القلعة ومشى والده أمامه وكتب تقليد له وقرئ على الناس بحضور الملك الظاهر وسائر أرباب الدولة‏.‏
    ثم في يوم السبت ثاني عشر جمادى الآخرة خرج الملك الظاهر من القاهرة متوجهًا إلى الشام ومعه الأمراء بأسرهم جرائد واستناب بالديار المصرية في خدمة ولده الأمير بدر الدين بيليك الخازندار‏.‏
    ومن هذا التاريخ علم الملك السعيد على التواقيع وغيرها‏.‏
    ولما صار الملك الظاهر بدمشق وصلت إليه كتب التتار ورسلهم والرسل‏:‏ محب الدين دولة خان وسيف الدين سعيد ترجمان وآخر ومعهم جماعة من أصحاب سيس فأنزلهم السلطان بالقلعة وأحضرهم من الغد وأدوا الرسالة ومضمونها‏:‏ أن الملك أبغا بن هولاكو لما خرج من الشرق ملك جميع البلاد ومن خالفه قتل وأنت - يعني للملك الظاهر لو صعدت إلى السماء أو هبطت إلى الأرض ما تخلص منا فالمصلحة أن تجعل بيننا صلحًا وأنت مملوك أبعت في سيواس فكيف تشاقق ملوك الأرض وأولاد ملوكها فأجابه في وقته بأنه في طلب جميع ما استولوا عليه من العراق والجزيرة والروم والشام وسفرهم إليه بسرعة‏.‏
    ثم في آخر شهر رجب خرج الملك الظاهر من دمشق ونزل خربة اللصوص فأقام بها أيامًا ثم ركب ليلة الاثنين ثامن عشر شعبان ولم يشعر به أحد وتوجه إلى القاهرة على البريد بعد أن عرف الفارقاني أنه يغيب أيامًا معلومة وقرر معه أنه يحضر الأطباء كل يوم ويستوصف منهم ما يعالج به متوعك يشكو تغيير مزاجه ليوهم الناس أن الملك الظاهر هو المتوعك فكان يدخل ما يصفونه إلى الخيمة ليوهم العسكر صحة ذلك وسار الملك الظاهر حتى وصل قلعة الجبل ليلة الخميس حادي عشرين شعبان فأقام بالقاهرة أربعة أيام ثم توجه ليلة الاثنين خامس عشرين الشهر على البريد فوصل إلى المعسكر يوم تاسع عشرين الشهر‏.‏
    وكان غرضه بهذا السفر كشف أحوال ولده الملك السعيد وغير ذلك‏.‏
    ثم في يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان تسلم نواب الملك الظاهر قلعة بلاطنس وقلعة كرابيل من عز الدين أحمد بن مظفر الدين عثمان بن منكورس صاحب صهيون وعوضه غيرهما قرية تعرف بالخميلة من أعمال شيزر‏.‏
    ثم في يوم الخميس العشرين من شهر رمضان توجه الملك الظاهر إلى صفد فأقام بها يومين ثم شن الغارة على بلد صور وأخذ منها شيئًا كثيرًا‏.‏
    ثم عاد الملك الظاهر إلى دمشق وعيد بها‏.‏
    ثم خرج منها في خامس عشرين شوال يريد الكرك فوصله في أوائل ذي القعدة‏.‏
    ثم توجه في سادسه إلى الحجاز وصحبته بيليك الخازندار والقاضي صدر الدين سليمان الحنفي وفخر الدين إبراهيم بن لقمان وتاج الدين ابن الأثير ونحو ثلاثمائة مملوك وجماعة من أعيان الحلقة فوصل المدينة الشريفة في العشر الأخير من الشهر فأقام بها ثلاثة أيام‏.‏
    وكان جماز قد طرق المدينة وملكها فلما قدم الظاهر هرب فقال الملك الظاهر‏:‏ لو كان جماز يستحق القتل ما قتلته‏.‏
    لأنه في حرم النبي صلى الله عليه وسلم ثم تصدق في المدينة بصدقات كثيرة وخرج منها متوجهًا إلى مكة فوصلها في ثامن ذي الحجة فخرج إليه أبو نمي وعمه إدريس صاحبا مكة وبذلا له الطاعة فخلع عليهما وسارا بين يديه إلى عرفات فوقف بها يوم الجمعة ثم عاد إلى منى ثم إلى مكة وطاف بها طواف الإفاضة وصعد الكعبة وغسلها بماء الورد وطيبها بيده وأقام يوم الاثنين ثم ركب وتوجه إلى المدينة الشريفة فزار بها قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثانيا‏.‏
    ثم توجه إلى الكرك فوصله في يوم الخميس تاسع عشرين في الحجة فصلى به الجمعة‏.‏
    ثم توجه إلى دمشق فوصل يوم الأحد ثاني المحرم سنة ثمان وستين وستمائة في السحر فخرج الأمير جمال الدين آقوش فصادفه في سوق الخيل واجتمع به‏.‏
    ثم سار إلى حلب فوصلها في سادس المحرم‏.‏
    ثم خرج منها في عاشره وسار إلى حماة ثم إلى دمشق ثم إلى مصر وصحبته الأمير عز الدين الأفرم فدخلها يوم الأربعاء رابع صفر واتفق ذلك اليوم دخول ركب الحاج وكانت العادة يوم ذاك بدخول الحاج إلى القاهرة بعد عاشر صفر فأقام الملك الظاهر بالقاهرة أيامًا وخرج منها في صفر المذكور إلى الإسكندرية ومعه ولده الملك السعيد وسائر الأمراء فتصيد أيامًا وعاد إلى نحو القاهرة في يوم الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأول وخلع في هذه السفرة على الأمراء وفرق فيهم الخيل والحوائص الذهب والسيوف المحلاة والذهب والدراهم والقماش وغير ذلك‏.‏
    فلم يقم بالقاهرة إلا مدة يسيرة وخرج منها متوجهًا إلى الشام في يوم الاثنين حادي عشرين شهر ربيع الأول في طائفة يسيرة من أمرائه وخواصه فوصل إلى دمشق في يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الآخر ولقي أصحابه في الطريق مشقة شديدة من البرد‏.‏
    ثم خرج عقيب ذلك إلى الساحل وأسر ملك عكا وقتل وأسر وسبى‏.‏
    ثم قصد الغارة على المرقب فوجد من الأمطار والثلوج ما منعه فرجع إلى حمص فأقام بها نحو عشرين يومًا‏.‏
    ثم خرج إلى جهة حصن الأكراد ونزل تحتها وأقام يركب كل يوم ويعود من غير قتال إلى الثامن والعشرين من شهر رجب فبلغه أن مراكب الفرنج دخلت ميناء الإسكندرية وأخذت مركبين للمسلمين فرحل من فوره إلى نحو الديار المصرية فوصلها ثاني عشر شعبان‏.‏
    فحين دخوله إلى مصر أمر بعمارة القناطر التي على بحر أبي المنجا وهي من المباني العجيبة في الحسن والإتقان وبينما هو في ذلك ورد عليه البريد من الشام أن الفرنج قاصدون الساحل والمقدم عليهم شارل أخوريدا فرنس وربما كان محطهم عكا فتقدم الملك الظاهر إلى العسكر بالتوجه إلى الشام‏.‏
    ثم ورد الخبر أيضًا بأن اثني عشر مركبا للفرنج عبروا على الإسكندرية ودخلوا ميناءها وأخذوا مركبًا للتجار واستأصلوا ما فيه وأحرقوه ولم يجسر والي الإسكندرية أن يخرج الشواني من الصناعة لغيبة رئيسها في مهم استدعاه الملك الظاهر بسببه‏.‏
    ولما بلغ الملك الظاهر ذلك بعث أمر بقتل الكلاب في الإسكندرية وألا يفتح أحد حانوتًا بعد المغرب ولا يوقد نارًا في البلد ليلًا ثم تجهز بسرعة وخرج نحو دمياط يوم الخميس خامس ذي القعدة في البحر‏.‏
    وفي ذي الحجة أمر السلطان بعمل جسرين‏:‏ أحدهما من مصر إلى الجزيرة - أعني الروضة والآخر من الجزيرة إلى الجيزة على مراكب لتجوز العساكر عليهما‏.‏
    ثم عاد الملك الظاهر من دمياط بسرعة ولم يلق حربا‏.‏
    وخرج من مصر إلى عسقلان في يوم السبت عاشر صفر سنة تسع وستين وستمائة في جماعة يسيرة من الأمراء والأجناد فوصل إلى عسقلان وهدم من سورها ما كان أهمل هدمه في أيام الملك الصالح ووجد فيما هدم كوزان مملوءان ذهبًا مقدار ألفي دينار ففرقها على من صحبه وورد عليه الخبر وهو بعسقلان بأن عسكر ابن أخي بركة خان المغلي كسر عسكر أبغا بن هولاكو فسر الملك الظاهر بذلك سرورًا زائدًا‏.‏
    وعاد إلى مصر يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول‏.‏
    وفي هذه السنة انتهى الجسر والقناطر الذي عمل على بحر أبي المنجا ووقف عليه الملك الظاهر وقفا يعمر منه ما دثر منه على طول السنين‏.‏
    وفي هذه السنة أيضًا بنى الملك الظاهر جامع المنشية وأقيمت فيه الخطبة يوم الجمعة ثامن عشرين شهر ربيع الآخر من سنة تسع وستين وستمائة المذكورة‏.‏
    ثم في السنة المذكورة أيضًا خرج الملك الظاهر من الديار المصرية متوجهًا إلى نحو حصن الأكراد في ثاني عشر جمادى الآخرة ودخل دمشق يوم الخميس ثامن شهر رجب وكان معه في هذه السفرة ولده الملك السعيد والصاحب بهاء الدين بن حنا واستخلف بمصر الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني وفي الوزارة الصاحب تاج الدين بن حنا‏.‏
    ثم خرج الملك الظاهر من دمشق في يوم السبت عاشره وتوجه بطائفة من العسكر إلى جهة وولده وبيليك الخازندار بطائفة أخرى إلى جهة وتواعدوا الاجتماع في يوم واحد بمكان معين ليشنوا الغارة على جبلة واللاذقية والمرقب وعرقة ومرقية والقليعات وصافيثا والمجدل وأنطرطوس فلما اجتمعوا على أن يشنوا الغارة فتحوا صافيثا والمجدل ثم ساروا ونزلوا حصن الأكراد يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رجب من سنة تسع وستين وستمائة وأخذوا في نصب المجانيق وعمل الستائر ول‏!‏ ذا الحصن ثلاثة أسوار فاشتد عليه الزحف والقتال وفتحت الباشورة الأولى يوم الخميس حادي عشرين الشهر وفتحت الثانية يوم السبت سابع شعبان وفتحت الثالثة الملاصقة للقلعة في يوم الأحد خامس عشره وكان المحاصر لها الملك السعيد ابن الملك الظاهر ومعه بيليك الخازندار وبيسري ودخلت العساكر البلد بالسيف وأسروا من فيه من الجبلية والفلاحين ثم أطلقوهم‏.‏
    فلما رأى أهل القلعة ذلك أذعنوا بالتسليم وطلبوا الأمان فأمنهم الملك الظاهر وتسلم القلعة يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان وكتبت البشائر بهذا الفتح إلى الأقطار وأطلق الملك الظاهر من كان فيها من الفرنج فتوجهوا إلى طرابلس‏.‏
    ثم رحل الملك الظاهر بعد أن رتب الأمير عز الدين أيبك الأفرم لعمارته وأقيمت فيه الجمعة ورتب نائبًا وقاضيًا‏.‏
    ولما وقع ذلك بعث صاحب أنطرطوس إلى الملك الظاهر يطلب المهادنة وبعث إليه بمفاتيح أنطرطوس فصالحه على نصف ما يتحصل من غلال بلده وجعل عندهم نائبا من قبله‏.‏
    ثم صالح صاحب المرقب على المناصفة أيضا وذلك في يوم الاثنين مستهل شهر رمضان من سنة تسع وستين وقررت الهدنة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام‏.‏
    ثم سار الملك الظاهر في يوم الأحد رابع عشر شهر رمضان فأشرف على حصن ابن عكار وعاد إلى المرج فأقام به إلى أن سار ونزل على الحصن المذكور ثانيًا في يوم الاثنين ثاني عشرين شهر رمضان ونصب المجانيق عليه في يوم الثلاثاء‏.‏
    وفي يوم الأحد ثامن عشرينه رمى المنجنيق الذي قبالة الباب الشرقي رميًا كثيرًا فخسف خسفًا كبيرًا إلى جانب البدنة ودام ذلك إلى الليل فطلبوا الأمان على أنفسهم من القتل وأن يمكنهم من التوجه إلى طرابلس فأجابهم فخرجوا يوم الثلاثاء سلخ الشهر وكتبت البشائر بالفتح والنصر إلى سائر الأقطار‏.‏
    ثم في يوم السبت رابع شوال خيم السلطان الملك الظاهر بعساكره على طرابلس فسير صاحبها إليه يستعطفه فبعث إليه الملك الظاهر الأتابك وسيف الدين الدوادار الرومي على أن يكون له من أعمال طرابلس نصف بالسوية وأن يكون له دار وكالة فيها وأن يعطى جبلة واللاذقية بخراجهما من يوم خروجهما عن الملك الناصر إلى يوم تاريخه وأن يعطى نفقات العساكر من يوم خروجه فلما علم الرسالة عزم على القتال وحصن طرابلس فنصب الملك الظاهر المجانيق ثم ترددت الرسل ثانيًا وتقرر الصلح أن تكون عرقة وجبلة وأعمالها للبرنس صاحب طرابلس وأن يكون ساحل أنطرطوس والمرقب وبانياس وبلاد هذه النواحي بينه وبين الداوية والتي كانت خاصًا لهم وهي بارين وحمص القديمة تعود خاصًا للملك الظاهر وشرط أن تكون عرقة وأعمالها وهي ست وخمسون قرية صدقة من الملك الظاهر عليه فتوقف صاحب طرابلس وأنف فلما بلغ الملك نقص صفحة 138 - 139 الظاهر امتناعه صمّم على ما شَرَط عليه حتى أجابه وعُقِد الصلح بينهما مدّة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام‏.‏
    وفي يوم السبت حادى عشر شوّال رَحَل الملك الظاهر عن مَرْج صافيثا وأذِن إلى صاحب حَمَاة وصاحب حِمْص بالعَوْد إلى بلادهم وسار الظاهر حتى دخل دِمَشْق يوم الأربعاء خامس عشر شوّال وعَزَل القاضي شَمسَ الدين أحمد بن خلّكان عن قضاء دِمَشْق وكانت مدّة ولايته عشر سنين وولى عِوضَه القاضيَ عِزالدين محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق المعروف بابن الصائغ‏.‏
    ثم في يوم الجمعة رابع عشرين شوّال خرج الملك الظاهر من دِمَشْق قاصدًا القُرَيْن فنزل عليه يوم الاثنين سابع عشرين الشهر ونصَب عليه المجانيق ولم يكن به نساء ولا أطفال بل مُقاتِلة فقاتلوا قتالًا شديدًا وأخذت النُقُوب للحِصْن من كلّ جانب فطلب مَنْ فيِه الأمان فأُمَنوا يوم الاثنين ثالث عشر ذي القعدة وتَسَلَّم السلطانُ الحِصْن بما فيه من السلاح ثمّ هدمه وكان بناؤه من الحجر الصلْد وبين كلّ حجرين عُود حديد ملزوم بالرصاص فأقاموا في هدمه اثني عشريومًا وفي حِصارِه خمسة عشريومًا‏.‏
    قريبة من عكَا - ولَبِس العسكر وسار إلى عَكا وأشرف عليها ثم عاد إلى منزله‏.‏
    ثم رحل منها يوم الثلاثاء قاصدًا مصر فدخلها يومَ الخميس ثالث عشر ذي الحجة وكان جملة ما صرَفه الملك الظاهر في هنه السفْرة من حين خروجه من مصر إلى حين عَوْده إليها ما ينيف على مائة ألف دينار وثمانين ألف دينار عَيْنًا‏.‏
    وفي اليوم الثاني من وصوله إلى قلعة الجبل قَبَض على جماعة من الأمراء منهم‏:‏ الأمير علم الدين سَنْجَر الحلبي الكبير الذي كان تسلطن بدِمَشْق في أول سلطنة الملك الظاهر بِيبَرْس والأمير جمال الدين آقوش المحمًدي والأمير جمال الدين أَيدُغْدي الحاجبي الناصري والأمير شمس الدين سُنْقُر المسّاح والأمير سيف الدين بيدغان الركْني والأمير علم الدين سَنْجَر طرطح وغيرهم وحُبِسوا الجميع بقلعة الجبل وسبب ذلك أنه بلغه أنهم تآمروا على قبضه لمّا كان بالشَقِيف فأسرَّها في نفسه إلى وقتها‏.‏
    وكان بلغ الملكَ الظاهرَ وهوعلى حِصْن الأكراد أنّ صاحب قُبْرُص خرج منها في مراكبه إلى عكا فأراد السلطان اغتنام خلوّها فجهّز سبعة عشر شِينيأ فيها الرئيس ناصر الدين عمربن منصور رئيس مصر وشهاب الدين محمد بن إبراهيم بن عبد السلام رئيس الإِسكندرية وشرف الدين علوي بن أبي المجد بن علوي العَسْقلاني رئيس دِمْياط وجمال الدين مَكَي بن حسون مقدّمأ على الجميع فوصلوا الجزيرة ليلًا فهاجت عليهم ريحٌ طردتْهم عن المَرْسَى وألقتْ بعض الشَوَاني على بعض فتحطم منها أكثر من أحد عشر شِينيًا وأخِذ مَنْ فيها من الرجال والصنّاع أسَراء وكانوا زُهَاءَ ألف وثمانمائة نفس وسلِم الرئيس ناصرالدين وابن حَسّون في الشَّوَاني السالمة وعادت إلى مراكزها فعظُم ذلك على الملك الظاهر بِيبَرْس إلى الغاية‏.‏

    وفي

    يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجّة أمر الملك الظاهر بإراقة الخمور
    في سائر بلاده وأوعد مَنْ يَعْصِرُها بالقتل فأرِيق على الأجناد والعوام منها ما لا تُحْصَى قيمتُه وكان ضمانُ ذلك في ديار مصر خالصة ألفَ دينار في كل يوم وكُتِب بذلك توقيعٌ قُرِىء على ے وفي العَشْر الأخير من ذي الحجة آهتمّ الملك الظاهر بإنشاء شَوَانٍ عِوَضأ عمّا ذهب على قُبْرُص وانتهى العمل من الشواني في يوم الأحد رابع عشر المحرم سنة سبعين وركب السلطان إلى الصناعة لإلقاء الشواني في بحر النيل وركب السلطان في شيني منها ومعه الأمير بدر الدين بيليك الخازندار فلما صار الشيني في الماء مال بمن فيه فوقع الخازندار منه إلى البحر فنهض بعض رجال الشيني ورمى بنفسه خلفه فأدركه وأخذ بشعره وخلصه وقد كاد يهلك فخلع عليه الملك الظاهر وأحسن إليه‏.‏
    وفي ليلة السبت السابع والعشرين منه خرج الملك الظاهر من الديار المصرية إلى الشام في نفر يسير من خواصه وأمرائه ودخل حصن الكرك وخرج منه وصحب معه نائبه الأمير عز الدين أيدمر وسار إلى دمشق فوصل إليه يوم الجمعة ثاني عشر صفر فعزل عنها الأمير جمال الدين آقوش النجيبي وولى مكانه الأمير عز الدين أيدمر المعزول عن نيابة الكرك‏.‏
    ثم خرج منها إلى حماة في سادس عشره ثم عاد منها في السادس والعشرين‏.‏
    وفيها أمر ملك التتار أبغا بن هولاكو عساكره بقصد البلاد الشامية فخرج عسكره في عدة عشرة آلاف فارس وعليهم الأمير صمغرا والبرواناه فلما بلغهم أن الملك الظاهر بالشام أرسلوا ألفا وخمسمائة من المغل ليتجسسوا الأخبار ويغيروا على أطراف بلاد حلب وكان مقدمهم أمال بن بيجونوين ووصلت غارتهم إلى عينتاب ثم إلى قسطون ووقعوا على تركمان نازلين بين حارم وأنطاكية فاستأصلوهم فتقدم الملك الظاهر بتجفيل البلاد ليحمل التتار الطمع فيدخلوا فيتمكن منهم‏.‏
    وبعث إلى مصر بخروج العساكر فخرجت ومقدمها الأمير بيسري فوصلوا إلى السلطان في خامس شهر ربيع الآخر وخرج بهم في السابع منه فسبق إلى التتار خبره فولوا على أعقابهم‏.‏
    وكان الظاهر لما مر بحماة استصحب معه الملك المنصور صاحب حماة ونزل الظاهر حلب يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربع الآخر من سنة سبعين وستمائة وخيم بالميدان الأخضر ثم جهز الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني في عسكر وأمره أن يمضي إلى بلاده حلب الشمالية ولا يتعرض لبلاد صاحب سيس وجهز الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري في عسكر وأمره بالتوجه إلى حران‏.‏
    فاما الفارقاني فإنه سار خلف التتار إلى مرعش فلم يجد منهم أحدًا ثم عاد إلى حلب فوجد الملك الظاهر مقيما بها وقد أمر بإنشاء دار شمالي القلعة كانت تعرف بدار الأمير بكتوت أستادار الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب وأضاف إليها دارًا أخرى ووكل بعمارتها الأمير عز الدين آقوش الأفرم‏.‏
    ولفا عاد الفارقاني إلى حلب رحل الملك الظاهر منها نحو الديار المصرية في ثامن عشرين شهر ربيع الآخر ودخل مصر في الثالث والعشرين من جمادى الأولى‏.‏
    ولما وصل الظاهر إلى مصر قبض على الأمراء الذين كانوا مجردين على قاقون بسبب الفرنج لما أغاروا على الساحل ما عدا آقوش الشمسي ثم شفع فيهم فأطلقهم‏.‏
    وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة عدى الملك الظاهر إلى بر الجيزة فأخبر أن ببوصير السدر مغارة فيها مطلب فجمع لها خلقًا فحفروا مدى بعيدًا فوجدوا قطاطًا ميتة وكلاب صيد وطيورًا وغير ذلك من الحيوانات ملفوفًا في عصائب وخرق فإذا حلت اللفائف ولاقى الهواء ما كان فيها صار هباء منثورًا وأقام الناس ينقلون من ذلك مدة ولم ينفد ما فيها فأمر الملك وفي يوم السبت سابع عشرين جمادى الآخرة ركب السلطان الملك الظاهر إلى الصناعة ليرى الشواني التي عملت وهي أربعون شينيا فسر بها‏.‏
    وعند عوده إلى القلعة ولدت زرافة بقلعة الجبل وأرضع ولدها لبن بقرة‏.‏
    ثم سافر الملك الظاهر إلى الشام في شعبان وسار حتى وصل الساحل وخيم بين قيسارية وأرسوف وكان مركزًا بها الفارقاني فرحل الفارقاني عنها إلى مصر‏.‏
    ثم إن الملك الظاهر شن الغارة على عكا فطلب منه أهلها الصلح وترددوا في ذلك حتى تقررت الهدنة بينهم مدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات أولها ثاني عشرين شهر رمضان سنة سبعين وستمائة‏.‏
    ثم رحل الملك الظاهر إلى خربة اللصوص ثم سار منها إلى دمشق فدخلها في الثامن من شوال وبينما هو في دمشق ترددت الرسل بينه وبين التتار وانفصل الأمر من غير اتفاق‏.‏
    وفي ذي الحجة توجه الملك الظاهر من دمشق إلى حصن الأكراد لينقل حجارة المجانيق إليها ورؤية ما عمر فيها ففعل ذلك‏.‏
    ثم سار إلى حصن عكار فأشرف عليها‏.‏
    ثم عاد إلى دمشق في خامس المحرم من سنة إحدى وسبعين وستمائة‏.‏
    وفي ثاني عشر المحرم المذكور أفرج الملك الظاهر عن الأمير أيبك النجيبي الصغير وأيدمر الحلي العزيزي وكانا محبوسين بالقاهرة‏.‏
    ثم خرج الملك الظاهر من دمشق في المحرم أيضًا عائدًا إلى الديار المصرية وصحبته الأمير بدر الدين بيسري والأمير آقوش الرومي وجرمك الناصري فوصل إليها في يوم السبت ثالث عشرين المحرم فأقام بالقاهرة إلى ليلة الجمعة تاسع عشرينه خرج من مصر وتوجه إلى دمشق فدخل قلعتها ليله الثلاثاء رابع صفر فأقام بدمشق إلى خامس جمادى الأولى‏.‏
    واتصل به أن فرقة من التتار قصدت الرحبة فبرز إلى القصير فبلغه أنهم عادوا من الرحبة ونزلوا على البيرة فسار إلى حمص وأخذ مراكب الصيادين على الجمال ليجوز عليها ثم سار حتى وصل إلى الباب من أعمال حلب وبعث جماعة من الأجناد والعربان لكشف أخبارهم وسار إلى منبج فعادوا وأخبروا أن طائفة من التتار مقدار ثلاثة آلاف فارس على شط الفرات مما يلي الجزيرة فرحل عن منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى ووصل شط الفرات وتقدم إلى العسكر بخوضها فخاض الأمير سيف الدين قلاوون الألفي والأمير بدر الدين بيسري في أول الناس ثم تبعهما هو بنفسه وتبعته العساكر فوقعوا على التتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا تقدير مائتي نفس ولم ينج منهم إلا القليل وتبعهم بيسري إلى قريب سروج ثم عاد‏.‏
    وكان على البيرة جماعة كثيرة من عسكر التتار وكانوا قد أشرفوا على أخذها فلما بلغهم الخبر رحلوا عن البيرة ودخلها السلطان في ثاني عشرين الشهر وخلع على نائبها وفرق في أهلها مائة ألف درهم وأنعم عليهم ببعض ما تركه التتار عندهم لما هربوا‏.‏
    ثم رحل الملك الظاهر عنها بعساكره وعاد إلى دمشق‏.‏
    وفي هذه النصرة قال العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود كاتب الإنشاء - رحمه الله - قصيدة طنانة أولها‏:‏ الكامل سر حيث شئت لك المهيمن جار واحكم فطوع مرادك الأقدار لم يبق للدين الذي أظهرته يا ركنه عند الأعادي ثار لما تراقصت الرؤوس وحركت من مطربات قسيك الأوتار خضت الفرات بسابح أقصى منى هوج الصبا من نعله آثار حملتك أمواج الفرات ومن رأى بحرًا سواك تقله الأنهار وتقطعت فرقًا ولم يك طودها إذ ذاك إلا جيشك الجرار رشت دماؤهم الصعيد فلم يطر منهم على الجيش السعيد غبار شكرت مساعيك المعاقل والورى والترب والآساد والأطيار هذي منعت وهؤلاء حميتهم وسقيت تلك وعم ذا الإيسار فلأملأن الدهر فيك مدائحًا تبقى بقيت وتذهب الأعصار ولما ترامينا الفرات بخيلنا سكناه منا بالقوى والقوائم فأوقفت التيار عن جريانه إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم وقال الموفق عبد الله بن عمر الأنصاري - رحمه الله - وأجاد‏:‏ السريع الملك الظاهر سلطاننا نفديه بالأموال والأهل اقتحم الماء ليطفي به حرارة القلب من المغل ثم توجه الملك الظاهر إلى نحو الديار المصرية فخرج ولده الملك السعيد لتلقيه في يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة فاجتمع به بين القصير والصالحية في يوم الجمعة ثاني عشرينه فترجلا واعتنقا طويلًا ثم ركبا وسارا جميعًا إلى القلعة وبين يديهم أسارى التتار ركابًا على الخيل‏.‏
    ثم في سابع شهر رجب أفرج الملك الظاهر عن الأمير عز الدين أيبك الدمياطي من الاعتقال وكانت مدة اعتقاله تسع سنين وعشرة أيام ثم خلع الملك الظاهر على أمراء الدولة ومقدمي الحلقة وأعطى كل واحد منهم ما يليق به من الخيل والذهب والحوائص والثياب والسيوف وكان قيمة ما صرفه فيهم فوق ثلاثمائة ألف دينار‏.‏
    وفي سادس عشرين شعبان أفرج الملك الظاهر عن الأمير علم الدين سنجر الحلبي الغتمي المعزي‏.‏
    وفي يوم الاثنين ثاني عشر شوال استدعى الملك الظاهر الشيخ خضرًا إلى القلعة وأحضره قلت‏:‏ والشيخ خضر هذا هو صاحب الزاوية بالحسينية بالقرب من جامح الظاهر‏.‏
    انتهى‏.‏
    وأحضر معه جماعة من الفقراء حاققوه على أشياء كثيرة منكرة وكثر بينه وبينهم فيها المقالة ورموه بفواحش كثيرة ونسبوه إلى قبائح عظيمة فرسم الملك الظاهر باعتقاله وكان للشيخ خضر المذكور منزلة عظيمة عند الملك الظاهر بحيث إنه كان ينزل عنده في الجمعة المرة والمرتين ويباسطه ويمازحه ويقبل شفاعته ويستصحبه في سائر سفراته ومتى فتح مكانا أفرض له منه أوفر نصيب فامتدت يد الشيخ خضر بذلك في سائر المملكة يفعل ما يختار لا يمنعه أحد من النواب حتى إنه دخل إلى كنيسة قمامة ذبح قسيسها بيده وانتهب ما كان فيها تلامذته وهجم كنيسة اليهود بدمشق ونهبها وكان فيها ما لا يعبر من الأموال وعمرها مسجدًا وعمل بها سماعا ومد بها سماطا‏.‏
    ودخل كنيسة الإسكندرية وهي عظيمة عند النصارى فنهبها وصيرها مسجدًا وسماها المدرسة الخضراء وأنفق في تعميرها مالًا كثيرًا من بيت المال‏.‏
    وبنى له الملك الظاهر زاوية بالحسينية ظاهر القاهرة ووقف عليها وحبس عليها أرضًا تجاورها تحتكر للبناء‏.‏
    وبنى لأجله جامع الحسينية‏.‏
    وفي يوم الاثنين سابع المحرم سنة اثنتين وسبعين وستمائة جلس الملك الظاهر بدار العدل وحكم بين الناس ونظر في أمور الرعية فأنصف المظلوم وخلص الحقوق ومال على القوي ورفق وفي العاشر منه هدمت غرفة على باب قصر من قصور الخلفاء الفاطميين بالقاهرة‏.‏
    ويعرف هذا الباب بباب البحر وهو من بناء الخليفة الحاكم بأمر الله منصور المقدم ذكره فوجد في القصر الذي هدم امرأة في صندوق منقوش عليها كتابة اسم الملك الظاهر بيبرس هذا وصفته وبقي منها ما لم يمكن قراءته‏.‏
    وفيها قبض على ملك الكرج وهو أنه كان قد خرج من بلاده قاصدًا زيارة القدس الشريف متنكرًا في زي الرهبان ومعه جماعة يسيرة من خواصه فسلك بلاد الروم إلى سيس فركب البحر إلى عكا ثم خرج منها إلى بيت المقدس فاطلع الأمير بدر الدين الخازندار على أمره وهو على يافا فبعث إليه من قبض عليه فلما حضر بين يديه بعثه مع الأمير ركن الدين منكورس إلى السلطان وكان السلطان قد توجه إلى دمشق فوصل إلى دمشق في رابع عشر جمادى الأولى فأقبل عليه السلطان وسأله حتى اعترف فحبسه في برج من أبراج قلعة دمشق وأمره أن يبحث من جهته إلى بلاده من يعرفهم بأسره فبعث نفرين‏.‏
    وخرج الملك الظاهر من دمشق ثالث عشرين جمادى الآخرة وقدم القاهرة يوم الخميس سابع شهر رجب من سنة اثنتين وسبعين المذكورة‏.‏
    ثم في يوم الخميس خامس عشرين شهر رمضان أمر السلطان العسكر أن يركب بالزينة الفاخرة ويلعب في الميدان تحت القلعة فاستمر ذلك كل يوم إلى يوم عيد الفطر ختن السلطان الملك الظاهر ولده خضرًا ومعه جماعة من أولاد الأمراء وغيرهم وكان الملك السعيد ابن الملك الظاهر في يوم الأربعاء سابع عشر شهر رمضان خرج من القاهرة وتوجه إلى دمشق ومعه شمس الدين آقسنقر الفارقاني وأربعون نفرًا من خواصه على خيل البريد وعاد إلى القاهرة في يوم الخميس الرابع والعشرين من شوال‏.‏
    وفي يوم الأحد سابع صفر من سنة ثلاث وسبعين وستمائة ركب الملك الظاهر الهجن وتوجه إلى الكرك ومعه بيسري وأتامش السعدي وسبب توجهه أن وقع بالكرك برج فأحب أن يكون إصلاحه بحضوره‏.‏
    ثم عاد إلى مصر فدخلها في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شهر ربيع الأول فأقام بها مدة يسيرة‏.‏
    ثم توجه إلى دمشق وأقام به إلى أن أرسل في رابع عشرين المحرم سنة أربع وسبعين وستمائة الأمير بدر الدين بيليك الخازندار على البريد إلى مصر لإحضار الملك السعيد فعاد به إلى دمشق في يوم الأربعاء سادس صفر من السنة‏.‏
    وفي الثالث والعشرين من جمادى الأولى فتح حصن القصير وهو بين حارم وأنطاكية وكان فيه قسيس عظيم عند الفرنج يقصدونه للتبرك به وكان الملك الظاهر قد أمر التركمان وبعض العرب بمحاصرته وبعد أخذه عاد الملك الظاهر إلى مصر فلم تطل مدته به وعاد إلى دمشق فدخله يوم ثالث المحرم من سنة خمس وسبعين فأقام به مدة يسيرة أيضا وعاد إلى الديار المصرية في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر وأمر بعمل عرس ولده الملك السعيد واهتم في ذلك إلى يوم الخميس خامس جمادى الأولى أمر العسكر بالركوب إلى الميدان الأسود تحت القلعة في أحسن زي وأقاموا يركبون كل يوم كذلك ويتراكضون في الميدان والناس تزدحم للفرجة عليهم خمسة أيام وفي اليوم السادس افترق الجيش فرقتين وحملت كل فرقة على الأخرى وجرى من اللعب والزينة ما لا يوصف وفي اليوم السابع خلع على سائر الأمراء والوزراء والقضاة والكتاب والأطباء مقدار ألف وثلاثمائة خلعة وأرسل إلى دمشق الخلع ففرقت كذلك وفي يوم الخميس مد السماط في الميدان المذكور في أربعة خيم وحضر السماط من علا ومن دنا ورسل التتار ورسل الفرنج وعليهم الخلع أيضا وجلس السلطان في صدر الخيمة على تخت من آبنوس وعاج مصفح بالذهب مسمر بالفضة غرم عليه ألف دينار ولما انقضى السماط قدم الأمراء الهدايا من الخيل والسلاح والتحف وسائر الملابس فلم يقبل السلطان من أحد منهم سوى ثوب واحد جبرًا له فلما كان وقت العصر ركب إلى القلعة وأخذ في تجهيز ما يليق بالزفاف والدخول ولم يمكن أحد من نساء الأمراء على الإطلاق من الدخول إلى البيوت ودخل الملك السعيد إلى الحمام ثم دخل إلى بيته الذب هيئ له بأهله وحملت العروس فدخل عليها‏.‏
    ولما بلغ الملك المنصور صاحب حماة ذلك قدم القاهرة مهنئا للسلطان ومعه هدية سنية فوصل القاهرة في ثامن جمادى الآخرة فركب الملك السعيد لتلقيه ونزل بالكبش وأقام مدة يسيرة ثم عاد إلى بلده‏.‏
    ثم خرج الملك الظاهر بعد ذلك من القاهرة في يوم الخميس العشرين من شهر رمضان بعد أن استناب الأمير آق سنقر الفارقاني الأستادار نائبا عنه في خدمة ولده الملك السعيد وترك معه من العسكر بالديار المصرية لحفظ البلاد خمسة آلاف فارس ورحل من المنزلة يوم السبت ثاني عشر شوال قاصدًا بلاد الروم فدخل دمشق ثم خرج منها ودخل حلب يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة وخرج منها يوم الخميس إلى حيلان فترك بها بعض الثقل وأمر الأمير نور الدين علي بن مجلي نائب حلب أن يتوجه إلى الساجور ويقيم على الفرات بمن معه من عسكر حلب ويحفظ معابر الفرات لئلا يعبر منها أحد من التتار قاصدًا الشام ووصل إلى الأمير نور الدين الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا وأقام عنده فبلغ نواب التتار ذلك فجهزوا إليهم جماعة من عرب خفاجة لكبسهم فحشدوا وتوجهوا نحوهم‏.‏
    فاتصل بالأمير عليّ نائب حلب الخبرُ وكان يقِظًا فركِب إليهم وآلتقاهم وكسرهم أقبح كسْرة وأخذ منهم ألفآ ومائتي جمل‏.‏
    وأمّا الملك الظاهر فإنه ركِب من حَيْلانَ يوم الجمعة ثالث الشهر وسار إلىعيْنتَاب ثم إلى دُلُوك ثم إلى منزلة أخرى ثم إلى كَيْنُوك ثم إلى كُكْ صُو ومعناه الماء الأزرق باللغة التركيسة * ثم رَحَل عنه إلى أقجَادَرْبَنْد فقطعه في نصف نهار فلما خرجت عساكره وملكت المَفَاوِز قَدم الأميرُ شمس الدين سنْقُرَ الأشقر على جماعةٍ من العسكر وأَمَره بالمَسِير بين يديه فوقع على كَتِيبة التَّتار و عِدَّتُهم ثلاثة آلاف فارس ومقدمُهم كراي فهزمهم‏!‏ سُنْقُر الأشقر وَأَسَرَ منهم طائفة‏.‏
    ذ لك في يوم الخميس تاسع ذي القعدة‏.‏
    ثم ورد الخبرُ على الملك الظاهر بأن عسكر الروم والتتَار مع البَرْوَانَاه اجتمعوا على نهر جَيحان فلمّا صَعد العسكرُ الجبلَ أشرف على صحراءابلسْتَيْن فشاهد التَّتارَ قد رَتَبوا عساكرَهم أحدَ عَشرطُلْبًا في كل طُلْب ألف فارس وعزلوا عسمكر الروم عنهم خوفًا من باطنِ يكون لهم مع المسلمين وجعلوا عسكر الكرْج طُلْبًا واحدًا فلمّا تَرَاءَى الجَمْعَانَ حَمَلت مَيْسرة الئتار حَمْلةً واحدة وصدمواسجَق الملك الظاهر ودخلت طائفة منهم بينهم وشقُّوا المَيْسَرة وساقوا إلى المَيْمَنة فلما رأى الملك الظاهر ذلك أَرْدفهم بنفسه ثم لاحت منه التفاتةٌ فرأى المَيْسرة قد أتت عليها ميمنةُ التتار فأمر الملك الظاهر جماعةً من أصحابه الشُجْعان بإردافها ثم حَمَل هو بنفسه - رحمه اللّه - فلفا رأتْه العساكر حَمَلت نحوَه برُمتها حملةَ رجل واحد فترخل التَّتَار عن خيولهم وقاتلوا قتالَ الموت فلم يُغنِ عنهم ذلك شيئأ وصَبَر لهم الملك الظاهر وعسكره وهو يَكُر في القوم كالأسد الضارِي ويقتحم الآهوال بنفسه ويُشجع أصحابَه ويُطيب لهم الموت في الجهاد إلى أن أنزل اللهّ تعالى نصره عليه وآنكسر التتارُ أقبح كَسْرة وقُتِلوا وأسِروا وفَرّ مَنْ نجا منهم فآعتصموا بالجبال فقصدتْهم العساكرُ الإسلامية وأحاطوا بهم فترجلوا عن خيولهم وقاتلوا فقُتِل منهم جماعة كثيرة وقُتِل ممن قاتلهم من عساكر المسلمين الأميرُ ضياء الدين ابن الخَطِير وكان من الشُجْعان الفُرْسان والأميرُ شرف الدين قيران العَلائي والأميرُ عز الدين أخو المحمديّ وسيفُ الدين قفجاق الجَاشْنَكِير والأميرُ أَيْبَك الشَّقِيفِيٌ - رحمهم الله تعالى وأسكنهم الجنة -‏.‏
    وأُسِر من كبار الروميين مُهًذّب الدين ابن مُعِين الدين البَرْوَانَاه وآبن بنت معين الدين المذكور والأميرُ نورالدين جبريل أبن جاجا والأميرُ قُطْب الدين محمود
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    القضاة المالكية فالذي كان أولهم ولاية في دولة الظاهر بيبرس Empty رد: القضاة المالكية فالذي كان أولهم ولاية في دولة الظاهر بيبرس

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 7:12 pm

    يتبـــــــــــع للمقال

    ونذكر بعض أحواله إن شاء الله تعالى في حوادث سنينه كما هو عادة هذا الكتاب على سبيل الاختصار‏.‏
    وقد أطلت في ترجمته وهو مستحق لذلك لأنه فرع فاق أصله كونه كان من جملة مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب فزادت محاسنه عليه‏.‏
    وأما من يأتي بعده فلا سبيل إليه‏.‏
    ويعجبني في هذا المعنى المقالة الثانية عشرة من قول الشيخ الإمام العالم العارف الرباني شرف الدين عبد المؤمن بن هبة الله الأصفهاني المعروف بشوروة رحمه الله في كتابه الذي في اللغة وسماه أطباق الذهب يشتمل على مائة مقالة أحسن فيها غاية الإحسان وهي‏:‏ ليس الشريف من تطاول وتكاثر إنما الشريف من تطول وآثر وليس المحسن من روى القرآن إنما المحسن من أروى الظمآن وليس البر إبانة الحروف بالإمالة والاشباع لكن البر إغاثة الملهوف بالإنالة والاشباع ولا خير في زكاة لا يسدي معروفًا ولا بركة في لبنة لا تروي خروفًا فوا ها لك لمن تذخر أموالك‏!‏ انفق ألفك قبل أن يقسم خلفك إن منازل الخلق سواسية إلا من له يد مواسية فأرفعهم أنفعهم وأسودهم أجودهم وأفضلهم أبذلهم وخير الناس من سقى ملواحًا ونصب للجنة ملواحًا والكرم نوعان أحسنهما إطعام الجوعان والحازم من قدم الزاد لعقبة العقبى وآتى المال على حبه ذوي القربى‏.‏

    السنة الأولى من سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري وهي سنة تسع وخمسين وستمائة على أنه حكم في آخر السنة الماضية نحو الشهر‏.‏
    قلت‏:‏ ودخلت سنة تسع وخمسين المذكورة وليس للمسلمين خليفة وكان أولها يوم الاثنين لأيام خلون من كانون أحد شهور الروم وكانون بالقبطي كيهك‏.‏
    فدخلت السنة والسلطان بديار مصر الملك الظاهر بيبرس وصاحب مكة نجم الدين أبو نمي بن أبي سعد الحسني وصاحب المدينة جماز بن شيحة الحسيني وصاحب دمشق وبعلبك وبانياس والصبيبة الأمير علم الدين سنجر الحلبي تغلب عليها وتسلطن وتلقب بالملك المجاهد ونائب حلب من قبل الملك الظاهر بيبرس الأمير حسام الدين لاجين الجوكندار العزيزي وصاحب الموصل الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الرحيم لؤلؤ وصاحب جزيرة ابن عمر أخوه الملك المجاهد سيف الدين إسحاق بن لؤلؤ المذكور وصاحب ماردين الملك السعيد نجم الدين إيلغازي الأرتقي وصاحب بلاد الروم ركن الدين قليج أرسلان ابن السلطان غياث الدين كيخسرو بن علاء الدين كيقباد السلجوقي وأخوه عز الدين كيكاوس والبلاد بينهما مناصفة وصاحب الكرك والشوبك الملك المغيث فتح الدين عمر ابن الملك العادل ابن الملك الكامل ابن الملك العادل بن أيوب وصاحب حماة الملك المنصور محمد الأيوبي وصاحب حمص وتدمر والرحبة الملك الأشرف مظفر الدين موسى وصاحب مراكش من بلاد المغرب أبو حفص عمر الملقب بالمرتضى وصاحب تونس أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر التركماني من وفيها ملك السلطان الملك الظاهر دمشق وأخرج منها علم الدين سنجر الحلبي وولى نيابتها الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري أستاذ الملك الظاهر بيبرس هذا الذي أخذه الملك الصالح نجم الدين أيوب منه حسب ما ذكرنا ذلك أول ترجمة الملك الظاهر‏.‏
    وفيها وصل الخليفة المستنصر بالله إلى القاهرة وبويع بالخلافة وسافر صحبة الملك الظاهر إلى الشام ثم فارقه وتوجه إلى العراق فقتل وقد مر ذكر ذلك كله أيضا‏.‏
    وفيها توفي الملك الصالح نور الدين إسماعيل ابن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد ابن أسد الدين شيركوه الكبير كان الملك الصالح هذا صاحب حمص ملكها بعد موت أبيه وكان له اختصاص كبير بابن عمه الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشام وكان الصالح هذا يداري التتار ولا يشاققهم وآخر الأمر أنه قتل في وقعة هولاكو بيد التتار - رحمه الله تعالى - لما توجه إليهم صحبة الملك الناصر صلاح الدين يوسف المذكور وكان عنده حزم وشجاعة‏.‏
    وفيها توفي الشيخ الأديب الفقيه مخلص الدين إسماعيل بن عمر ابن يوسف بن قرناص الحموي الشاعر المشهور كان فصيحًا شاعرًا من بيت علم وأدب‏.‏
    ومن شعره رحمه الله تعالى‏:‏ الوافر أما والله لو شقت قلوب ليعلم ما بها من فرط حبي وفيها توفي الملك السعيد إيلغازي نجم الدين الأرتقي صاحب ماردين مات في سادس صفر وقيل في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين‏.‏
    وفيها توفي الشيخ الإمام الواعظ المحدث أبو عمرو عثمان بن مكي بن عثمان السعدي الشارعي الشافعي سمع الكثير واعتنى به والده فأسمعه من نفسه وغيره وكان ينشد لأبي العتاهية‏:‏ مجزوء الكامل إصبر لدهر نال مذ - - ك فهكذا مضت الدهور فرخ وحزن مرة لا الحزن دام ولا السرور وفيها توفي الأديب الفاضل نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي المكارم عبد الله الأنصاري المصرفي المعروف بالعطار كان شاعرًا فاضلًا مات قبل الأربعين سنة من عمره‏.‏
    ومن شعره ملغزًا في كوز الزير‏:‏ الهزج وذي أذن بلا سمع له قلب بلا لب مدى الأيام في خفض وفي رفع وفي نصب إذا استولى على الحب فقل ما شئت في الصب وفيها كانت مقتلة السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف وكنيته أبو المظفر ابن السلطان الملك العزيز محمد ابن السلطان الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف ابن الأمير نجم الدين أيوب الأيوبي الحلبي وكان صاحب حلب ثم صاحب الشام‏.‏
    ولد بقلعة حلب في شهر رمضان سنة سبع وعشرين وستمائة وسلطنوه عند موت أبيه سنة أربع وثلاثين وقام بتدبير مملكته الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني وعز الدين ابن المحلي والوزير الأكرم جمال الدين القفطي والطواشي جمال الدولة إقبال الخاتوني والأمر كله راجع لأم أبيه الصاحبة صفية خاتون بنت الملك العادل أبي بكر بن أيوب‏.‏
    وماتت سنة أربعين واستقل الملك الناصر هذا وأمر ونهى‏.‏
    ووقع للملك الناصر هذا أمور ووقائع ومحن وهو الذي كان الملك الظاهر بيبرس لما خرج من مصر في نوبة البحرية توجه إليه وصار في خدمته‏.‏
    وقد مر ذكره في مواطن كثيرة من هذا الكتاب من قدومه نحو القاهرة في جفلة التتار ورجوعه من قطية إلى البلاد الشامية وغير ذلك ثم آل أمره إلى أن توجه إلى ملك التتار هولاكو وتوجه معه أخوه الملك الظاهر سيف الدين غازي وكان رشح للملك والملك الصالح نور الدين إسماعيل صاحب حمص المقدم ذكره في هذه السنة ولما وصل الملك الناصر إلى هولاكو أحسن إليه وأكرمه إلى أن بلغه كسرة عين جالوت غضب عليه وأمر بقتله فاعتذر إليه فأمسك عن قتله لكن أعرض عنه فلما بلغه كسرة بيدرا على حمص قتله وقتل أخاه سيف الدين غازيا المذكور وقتل الملك الصالح نور الدين صاحب حمص وجميع من كان معه سوى ولده الملك العزيز‏.‏
    وكان الملك الناصر مليح الشكل إلا أنه كان أحول وكان عنده فصاحة ومعرفة بالأدب وكان كريمًا عاقلًا فاضلًا جليلًا متجملًا في مماليكه وملبسه ومركبه وكان فصيحًا شاعرًا لطيفًا‏.‏
    قال ابن العديم‏:‏ أنشدني لنفسه‏.‏
    - يعني الملك الناصر هذا -‏.‏
    الكامل البدر يجنح للغروب ومهجتي لفراق مشبهه أسى تتقطع والشرب قد خاط النعاس جفونهم والصبح من جلبابه يتطلع قال‏:‏ وأنشدني لنفسه رحمه الله تعالى‏:‏ مجزوء الرجز اليوم يوم الأربعا فيه يطيب المرتعى يا صاحبي أما ترى شمل المنى قد جمعا وقد حوى مجلسنا جل السرور أجمعا فقم بنا نشربها ثلاثة وأربعا من كف ساق أهيف شبيه بدر طلعا في خده وثغره ورد ودر صنعا يسطو ويرنو تارة والليث والظبي معا وله لما مرت به التتار على حلب وهي خاوية على عروشها وقد تهدمت والنيران بها تعمل فقال‏:‏ الطويل يعز علينا أن نرى ربعكم يبلى وكانت به آيات حسنكم تتلى وله يشتاق إلى حلب ومنازلها‏:‏ الطويل سقى حلب الشهباء في كل لزبة سحابة غيث نوءها ليس يقلع فتلك دياري لا العقيق ولا الغضا وتلك ربوعي لا زرود ولعلع قلت‏:‏ وقد ذكرنا من محاسنه وفضله نبذة كبيرة في تاريخنا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي إذ هو كتاب تراجم يحسن التطويل فيه‏.‏
    انتهى‏.‏
    الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الجمال عثمان بن مكي ابن السعدي الشارعي الواعظ في شهر ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة‏.‏
    وأبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله الصوفي في رجب وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏
    وحافظ المغرب أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس اليعمري بتونس في رجب وله واحد وستون عامًا‏.‏
    وكمال الدين أبو حامد محمد ابن القاضي صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الصدر العدل في شوال وله اثنتان وثمانون سنة‏.‏
    وصاحب الشام الملك الناصر ويوسف ابن العزيز قتل صبرا وله اثنتان وثلاثون سنة وقتل معه شقيقه الملك الظاهر غازي والملك الصالح إسماعيل ابن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص‏.‏
    وتوفي بصهيون صاحبها مظفر الدين عثمان بن منكورس في شهر ربيع الأول عن سن عالية تملك بعد أبيه ثلاثا وثلاثين سنة وولي بعد ابنه محمد‏.‏
    أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعا‏.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء سبتمبر 24, 2024 12:28 am