منتديات الحزين فلسطين

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات الحزين فلسطين

مرحبا بكم في منتديات الحزين فلسطين


    سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين

    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين Empty سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:17 pm

    سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين




    هو السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين بن عبد الله المنصوري سلطان الديار المصرية تسلطن بعد خلع الملك العادل كتبغا المنصوري كما تقدم ذكره في يوم الجمعة عاشر صفر من سنة ست وتسعين وستمائة‏.‏
    وأصل لاجين هذا مملوك للملك المنصور قلاوون اشتراه ورباه وأعتقه ورقاه إلى أن جعله من جملة مماليكه فلما تسلطن أمره وجعله نائبًا بقلعة دمشق‏.‏
    فلما خرج الأمير سيف الدين سنقر الأشقر عن طاعة الملك المنصور قلاوون وتسلطن بدمشق وتلقب بالملك الكامل وملك قلعة دمشق قبض على لاجين هذا وحبسه مدة إلى أن انكسر سنقر الأشقر وملك الأمير علم الدين سنجر الحلبي دمشق أخرجه من محبسه ودام لاجين بدمشق إلى أن ورد مرسوم الملك المنصور قلاوون باستقرار لاجين هذا في نيابة دمشق دفعة واحدة فوليها ودام بها إحدى عشرة سنة إلى أن عزله الملك الأشرف خليل بن قلاوون بالشجاعي ثم قبض عليه ثم أطلقه بعد أشهر ثم قبض عليه ثانيًا مع جماعة أمراء وهم‏:‏ الأمير سنقر الأشقر المقدم ذكره الذي كان تسلطن بدمشق وتلقب بالملك الكامل والأمير ركن الدين طقصو الناصري حمو لاجين هذا والأمير سيف الدين جرمك الناصري والأمير بلبان الهاروني وغيرهم فخنقوا الجميع وما بقي غير لاجين هذا فقدموه ووضعوا الوتر في حلقه وجذب الوتر فانقطع وكان الملك الأشرف حاضرًا فقال لاجين‏:‏ يا خوند أيش لي ذنب‏!‏ ما لي ذنب إلا أن صهري طقصو ها هو قد هلك وأنا أطلق ابنته فرق له خشداشيته وقبلوا الأرض وسألوا السلطان فيه وضمنوه فأطلقه وخلع عليه وأعطاه إمرة مائة فارس بالديار المصرية وجعله سلاح دار‏.‏
    قلت‏:‏ يعني جعله أمير سلاح فإن أمير سلاح هو الذي يناول السلطان السلاح وغيره‏.‏
    قلت‏:‏ لله در المتنبي حيث يقول‏:‏ الكامل لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم وذلك أن لاجين لما خرج من الحبس وصار من جملة الأمراء خاف على نفسه واتفق مع الأمير بيدرا نائب السلطنة وغيره على قتل الأشرف حتى تم لهم ذلك حسب ما تقدم ذكره في ترجمة الملك الأشرف‏.‏
    ثم اختفى لاجين أشهرًا إلى أن أصلح أمره الأمير كتبغا وأخرجه وخلع عليه الملك الناصر محمد بن قلاوون كما تقدم وجعله على عادته‏.‏
    كل ذلك بسفارة الأمير كتبغا‏.‏
    ثم لما تسلطن كتبغا جعله نائب سلطنته بل قسيم مملكته واستمر لاجين على ذلك حتى سافر الملك العادل كتبغا إلى البلاد الشامية وأصلح أمورها وعاد إلى نحو الديار المصرية وسار حتى نزل بمنزلة اللجون اتفق لاجين هذا مع جماعة من أكابر الأمراء على قتل الملك العادل كتبغا ووثبوا عليه بالمنزلة المذكورة وقتلوا الأميرين‏:‏ بتخاص وبكتوت الأزرق العادليين وكانا من أكابر مماليك الملك العادل كتبغا وأمرائه واختبط العسكر وبلغ الملك العادل كتبغا ذلك ففاز بنفسه وركب في خمسة من خواصه وتوجه إلى دمشق‏.‏
    وقد حكينا ذلك كله في ترجمة كتبغا‏.‏
    فاستولى عند ذلك لاجين على الخزائن والدهليز وبرك السلطنة وساق الجميع أمامه إلى مدينة غزة‏.‏
    وبايعوه الأمراء بالسلطنة بعد شروط اشترطوها الأمراء عليه حسب ما يأتي ذكرها في محله‏.‏
    وسار الجميع إلى نحو الديار المصرية حتى دخلوها وملكوا القلعة بغير مدافع وجلس لاجين هذا على كرسي المملكة في يوم الجمعة المقدم ذكره‏.‏
    وتم أمره وخلع على الأمراء بعدة وظائف وهم‏:‏ الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري بنيابة السلطنة بالديار المصرية عوضًا عن نفسه وخلع على الأمير قبجق المنصوري بنيابة الشام عوضًا عن الأمير أغزلو العادلي وعلى عدة أمراء أخر‏.‏
    ثم ركب الملك المنصور لاجين بعد ذلك من قلعة الجبل في يوم الاثنين العشرين من صفر بأبهة السلطنة وعليه الخلعة الخليفتية وخرج إلى ظاهر القاهرة إلى جهة قبة النصر ثم عاد من باب النصر وشق القاهرة إلى أن خرج من باب زويلة والأمراء والعساكر بين يديه وحمل الأمير بدر الدين بيسري الجتر على رأسه وطلع إلى القلعة‏.‏
    وخلع أيضًا على الأمراء وأرباب الوظائف على العادة‏.‏
    واستمر في السلطنة وحسنت سيرته وباشر الأمور بنفسه وأحبه الناس لولا مملوكه منكوتمر فإنه كان صبيًا مذموم السيرة‏.‏
    ولما كان يوم الثلاثاء منتصف ذي القعدة من سنة ست وتسعين وستمائة قبض السلطان الملك المنصور لاجين على الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري نائب السلطنة وحبسه وولى مملوكه منكوتمر المذكور نيابة السلطنة عوضه فعظم ذلك على أكابر الأمراء في الباطن‏.‏
    ثم بعد أيام ركب السلطان الملك المنصور لاجين ولعب الكرة بالميدان فتقنطر به الفرس فوقع من عليه وتهشم جميع بدنه وانكسرت يده وبعض أضلاعه ووهن عظمه وضعفت حركته وبقي يعلم عنه مملوكه ونائبه سيف الدين منكوتمر وأيس من نفسه‏.‏
    كل ذلك والأمراء راضون بما يفعله منكوتمر لأجل خاطره إلى أن من الله تعالى عليه بالعافية وركب ولما ركب زينت له القاهرة ومصر والبلاد الشامية لعافيته وفرح الناس بعافيته فرحًا شديدًا خصوصا الحرافيش فإنه لما ركب بعد عافيته قال له واحد من الحرافشة‏:‏ يا قضيب الذهب بالله أرني يدك فرفع إليه يده وهو ماسك المقرعة وضرب بها رقبة الحصان الذي تحته‏.‏
    وكان ركوبه في حادي عشرين صفر من سنة سبع وتسعين وستمائة‏.‏
    ولما كان لعب الكرة وكبا به فرسه ووقع وانكسرت يده قال فيه الأديب شمس الدين محمد المعروف بابن البياعة البسيط حويت بطشًا وإحسانًا ومعرفة وليس يحمل هذا كله الفرس ولما تعافى الملك المنصور لاجين قال فيه شمس الدين المذكور نثرًا وهو‏:‏ ‏"‏ أسفر ثغر صباحه عن محيا القمر الزاهر وبطش الأسد الكاسر وجود البحر الزاخر فيا له يومًا نال به الإسلام على شرفه شرفًا وأخذ كل مسلم من السرور العام طرفًا فملئت كل النفوس سرورًا وزيدت قلوب المؤمنين وأبصارهم ثباتًا ونورًا ‏"‏ ثم أنشد أبياتًا منها‏:‏ البسيط فمصر والشام كل الخير عمهما وكل قطر علت فيه التباشير فالكون مبتهج والخلق مبتسم والخير متصل والدين مجبور وكيف لا وعدو الدين منكسر بالله والملك المنصور منصور والشرك قد مات رعبًا حيث صاح به التوحيد هذا حسام الدين مشهور ثم بعد ذلك بمدة قبض السلطان على الأمير بدر الدين بيسري وأحتاط على جميع موجوده‏!‏ في سادس شهر ربيع الآخر‏.‏
    ثم جهز السلطان الملك المنصور العساكر إلى البلاد الشامية لغزو سيس وغيرها وعليهم الأمير علم الدين سنجر الدواداري وغيره من الأمراء وسارت العساكر من الديار المصرية إلى البلاد الشامية وفتحت تل حمدون وتل باشر وقلعة مرعش وجاء الأمير علم الدين سنجر الدواداري حجر في رجله عطله عن الركوب في أيام الحصار‏.‏
    وأستشهد الأمير علم الدين سنجر المعروف بطقصبا وجرح جماعة كثيرة من العسكر والأمراء‏.‏
    ثم إن الملك المنصور قبض على الأمير عز الدين أيبك الحموي المعزول عن نيابة دمشق قبل تاريخه بمدة سنين وعلى الأمير سنقر شاه الظاهري لأمر بلغه عنهما‏.‏
    ثم في أواخر صفر أخرج السلطان الملك المنصور لاجين الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية إلى الكرك ليقيم بها وفي خدمته الأمير جمال الدين آقوش أستاذ دار الملك المنصور فنزل الملك الناصر محمد بحواشيه من قلعة الجبل وسافر حتى وصل إلى الكرك ثم بدا للسلطان الملك المنصور هذا أن يعمل الروك بالديار المصرية وهو الروك الحسامي فلما كان يوم سادس جمادى الأولى من سنة سبع وتسعين وستمائة ابتدأ عمل الروك والشروع فيه في إقطاعات الأمراء وأخباز الحلقة والأجناد وجميع عساكر الديار المصرية واستمروا في عمله إلى يوم الاثنين ثامن شهر رجب من سنة سبع وتسعين وستمائة وفرقت المثالات على الأمراء والمقدمين‏.‏
    وفي اليوم العاشر ضرع نائب السلطنة الأمير سيف الدين منكوتمر في تفرقة المثالات على الحلقة والبحرية ومماليك السلطان وغير ذلك فكان كل من وقع له مثال لا سبيل له إلى المراجعة فيه فمن الجند من سعد ومنهم من شقي وأفرد للخاص أعمال الجيزية بتمامها وكمالها ونواحي الصفقة الإتفيحية وثغر دمياط والإسكندرية ونواحي معينة من البلاد القبلية والبحرية وعين لمنكوتمر من النواحي ما اختاره لنفسه وأصحابه وكان الحكم في التعيين لداوين منكوتمر والاختيار لهم في التفرقة وكان الذي باشر هذا الروك وعمله من الأمراء الأمير بدر الدين بيليك الفارسي الحاجب والأمير بهاء الدين قراقوش الطواشي الظاهري‏.‏
    وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي‏:‏ وكان مدة عمل الروك ثمانية أشهر إلا أيامًا قلائل‏.‏
    ثم تقنطر السلطان الملك المنصور لاجين عن فرسه في لعب الكرة انتهى كلام الصفدي‏.‏
    وقال القطب اليونيني‏:‏ حكى بعض كتاب الجيش بالديار المصرية في سنة سبعمائة قال لي‏:‏ أخدم في ديوان الجيش بالديار المصرية أربعين سنة قال‏:‏ والديار المصرية أربعة وعشرون قيراطًا منها‏:‏ أربعة قراريط للسلطان ولما يطلقه وللكلف والرواتب وغير ذلك ومنها عشرة للأمراء والإطلاقات والزيادات ومنها عشرة قراريط للحلقة قال‏:‏ وذكروا للسلطان ولمنكوتمر أنهم يكفون الأمراء والجند بأحد عشر قيراطًا يستخدم عليها حلقة بمقدار الجيش فشرعوا في ذلك وطلبونا وطلبوا الكتاب الجياد في هذه الصناعة فكفينا الأمراء والجند بعشرة قراريط وزدنا الذين تضرروا قيراطًا فبقي تسعة فاتفق قتل السلطان ومنكوتمر‏.‏
    وكان في قلوب الأمراء من ذلك هم عظيم فأنعم على كل أمير ببلد وبلدين من تلك التسعة قراريط وبقي الجيش ضعيفًا ليس له قوة وكانت التسعة قراريط التي بقيت خيرًا من الأحد عشر قيراطًا المقطعة‏.‏
    قلت‏:‏ يعني أن هذا خارج عن الأربعة قراريط التي هي برسم السلطان خاصة‏.‏
    انتهى‏.‏
    وقيل في الروك وجه آخر قال‏:‏ لما كان في ذي الحجة سنة سبع وتسعين وستمائة قصد السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري أن يروك البلاد المصرية وينظر في أمور عساكر مصر فتقدم التاج الطويل مستوفي الدولة بجمع الدواوين لعمل أوراق بعبرة إقطاع الأمراء والجند وقانون البلاد وندب الأمير بهاء الدين قراقوش الظاهري والأمير بدرالدين بيليك الفارسي الحاجب فجمع سائر الكتاب لذلك وأخذوا في عمله فلم يحكموا العمل وذلك أنهم عمدوا إلى الإقطاعات الثقيلة المتحصلة من إقطاعات الأمراء والجند وأبدلوها بإقطاعات دونها في العبرة والمتحصل وأصلحوا ما كان من الإقطاعات ضعيفًا وأفرد للعسكر بأجمعه أربعة عشر قيراطًا وللسلطان أربعة قراريط وأرصد لمن عساه يتضرر من الأمراء والجند ويشكو قلة المتحصل قيراطان فتم بذلك عشرون قيراطًا وقتل الملك المنصور لاجين ولم يستخدم أحدًا وأوقف برسم عسكر أخر يستجد أربعة قراريط وأفرد لخاص السلطان الجيزية والإتفيحية ومنفلوط وهو والكوم الأحمر ومرج بني هميم وحرجة سمطا وأتفو أدفو بأعمال قوص وإسكندرية ودمياط وأفرد لمنكوتمر مملوكه نائب السلطنة من الجهات ما لم يكن لنائب قبله وهو عبرة نيف عن مائة ألف دينار‏.‏
    فلما فرغت الأوراق على ما ذكرنا جلس السلطان الملك المنصور لاجين لتفرقة المثالات على الأمراء والمقدمين فأخذوها وهم غير راضين بذلك وتبين للسلطان من وجوه الأمراء الكراهة فأراد زيادة العبرة في الإقطاعات فمنعه نائبه منكوتمر من ذلك وحذره فتح هذا الباب فإنه يخشى أن يعجز السلطان عن سده وتكفل له منكوتمر بإتمام العرض فيما قد عمل برسم السلطان ولمن كان له تعلق في هذا العمل من الأمراء وغيرهم أن يرفعوا شكايتهم إلى النائب وتصدى منكوتمر لتفرقة إقطاعات أجناد الحلقة فجلس في شباك النيابة بالقلعة ووقف الحجاب بين يديه وأعطى لكل تقدمة مثالاتها فتناولوها على كره منهم وخافوا أن يكلموا منكوتمر لسوء خلقه وسرعة بطشه وتمادى الحال على ذلك عدة أيام‏.‏
    وكانت أجناد الحلقة قد تناقصت أحوالهم عن أيام الملك المنصور قلاوون فإنهم كانوا على أن أقل عبرة الإقطاعات وأضعف متحصلاتها عشرة آلاف درهم وما فوق ذلك إلى ثلاثين ألف درهم وهي أعلاها فرجع الأمر في هذا الروك إلى أن استقر أكثر الإقطاعات عشرين ألفًا إلى ما دونها فقل لذلك رزق الأجناد فإنه صار من كان متحصله عشرين ألفًا رجع إلى عشرة آلاف ومن كان عبرة إقطاعه عشرة آلاف بقيت خمسة آلاف فشق ذلك على الجند ولم يرضوه إلا أنهم خشوا التنكيل من منكوتمر وكانت فيهم بقية من أهل القوة والشجاعة فتقدموا إلى النائب منكوتمر وألقوا مثالاتهم وقالوا‏:‏ إنا لا نعتد قط بمثل هذه الإقطاعات ونحن إما أن نخدم الأمراء وإلا بطلنا فعظم قولهم على النائب وأغضبه وأمر الحجاب بضربهم وساقهم إلى السجن فشفع فيهم الأمراء فلم يقبل شفاعتهم وأقبل منكوتمر على من حضر من الأمراء والمقدمين وغيرهم فأوسعهم سبًا وملأهم تقريعًا وتعنيفًا حتى وغر صدورهم وغير نياتهم فانصرفوا وقد عولوا على عمل الفتنة وبلغ السلطان ذلك فعنف منكوتمر ولامه وأخرج الأجناد من السجن بعد أيام‏.‏
    وكان عمل هذا الروك وتفرقته من أكبر الأسباب وأعظمهما في فتك الأمراء بالسلطان الملك المنصور لاجين وقتله وقتل نائبه منكوتمر المذكور‏.‏
    على ما سيأتي ذكره‏.‏
    وكان هذا الروك أيضًا سببًا كبيرًا في إضعاف الجند بديار مصر وإتلافهم فإنه لم يعمل فيه عمل طائل ولا حصل لأحد منهم زيادة يرضاها وإنما توفر من البلاد جزء كبير‏.‏
    فلما قتل الملك المنصور لاجين تقسمها الأمراء زيادة على ماكان بيدهم انتهى‏.‏
    ثم إن السلطان الملك المنصور لاجين جهز الأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير والأمير سيف الدين حمدان بن صلغاي إلى البلاد الشامية وعلى أيديهم مراسيم شريفة بخروج العساكر الشامية وخروج نائب الشام الأمير قبجق المنصوري بجميع أمراء دمشق حتى حواشي الأمير أرجواش نائب قلعة دمشق فوصلوا إلى دمشق وألحوا في خروج العسكر ونوهوا بأن التتار قاصدون البلاد فخرج نائب الشام بعساكر دمشق في ليلة الخميس رابع عشر المحرم من سنة ثمان وتسعين وستمائة‏.‏
    ووقع لقبجق نائب الشام المذكور في هذه السفرة أمور أوجبت عصيانه وخروجه من البلاد الحلبية بمن معه من الأمراء ومماليكه إلى غازان ملك التتار‏.‏
    وكان الذي توجه معه من أكابر الأمراء‏:‏ بكتمر السلاح دار وألبكي وبيغار وغيرهم في جمع كثير وكان خروجهم في ليلة الثلاثاء ثامن شهر ربيع الأخر‏.‏
    وسبب خروج قبجق عن الطاعة وتوجهه أنه كان ورد عليه مرسوم السلطان بالقبض على هؤلاء الأمراء المذكورين وغيرهم ففطن الأمراء بذلك فهرب منهم من هرب وبقي هؤلاء فجاؤوا إلى قبجق وهو نازل على حمص فطلبوا منه أمانًا فأمنهم وحلف لهم وبعث قبجق إلى السلطان يطلب منه أمانًا لهم فأبطأ عليه الأمان ثم خشن عليه بعض كابر أمراء دمشق في القول بسببهم فعلم قبجق أن ذلك الكلام من قبل السلطان فغضب وخرج على حمية وتبعه الأمير عز الدين بن صبرا والملك الأوحد وجماعة من مشايخ الأمراء يسترضونه فلم يرجع وركب هو ومن معه من حواشيه ومن الأمراء المذكورين وسار حتى وصل ماردين والتقى مع مقدم التتار فخدمهم مقدم التتار وأخذهم وتوجه بأطلاب التتار وعساكره إلى أن وصلوا إلى غازان ملك التتار وهو نازل بأرض السيب من أعمال واسط‏.‏
    فلما قدم قبجق ومن معه على غازان سر بهم وأكرمهم ووعدهم ومناهم وأعطى لكل أمير عشرة آلاف دينار ولكل مملوك مائة دينار وللمماليك الصغار مع الركبدارية خمسين دينارًا وكل دينار من هذه الدنانير صرفه باثني عشر درهمًا ثم أقطع الأمير قبجق المذكور مدينة همذان وأعمالها فلم يقبل قبجق واعتذر أن ليس له قصد إلا أن يكون في صحبة السلطان الملك غازان ليرى وجهه في كل وقت‏!‏ فأجابه غازان إلى ما سأله وأعجبه ذلك منه‏.‏
    وكان لما خرج قبجق من حمص إلى جهة التتار وبلغ أمراء دمشق ذلك خرج في طلبه الأمير كجكن والأمير أيدغدي شقير بمماليكهم ومعهم أيضًا جماعة من عسكر الشام فوجدوه قد قطع الفرات ولحقوا بعض ثقله‏.‏
    وعند وصول قبجق ومن معه إلى غازان بلغه قتل السلطان الملك المنصور لاجين بالديار المصرية وكان خبر قتل السلطان أيضًا بلغ الأمير كجكن والأمير أيدغدي لما خرجوا في أثر قبجق فانحلت عزائمهم عن اللحوق بقبجق ورجعوا عنه وإلا كانوا لحقوه وقاتلوه‏.‏
    وأما أمر السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين صاحب الترجمة فإنه لما أخذ في قبض من استوحش منهم من الأمراء وغيرهم وزاد في ذلك بإشارة مملوكه منكوتمر استوحش الناس منه ونفرت قلوبهم وأجمعوا على عمل فتنة‏.‏
    ثم فوض لمملوكه منكوتمر جميع أمور المملكة فاستبد منكوتمر بوظائف الملك ومهماته‏.‏
    وانتهى حال أستاذه الملك المنصور معه إلى أن صار إذا رسم الملك المنصور لاجين مرسومًا أو كتب لأحد توقيعًا وليس هو بإشارة منكوتمر يأخذه منكوتمر من يد المعطى له ويمزقه في الملأ ويرده ويمنع أستاذه منه فعند ذلك استثقل الأمراء وطأة منكوتمر وعلموا أن أستاذه الملك المنصور لا يسمع فيه كلام متكلم فعملوا على قتل أستاذه الملك المنصور لاجين‏.‏
    قلت‏:‏ الولد الخبيث يكون سببًا لاستجلاب اللعنة لوالده‏!‏ انتهى‏.‏
    وقال الأمير بيبرس الدوادار في تاريخه‏:‏ وكان سبب قتل لاجين أمور منها‏:‏ أنه لما أراد أن يتسلطن جاءه جماعة من الأمراء واشترطوا عليه شروطًا فالتزمها لاجين منها أنه يكون كأحدهم ولا ينفرد برأي عنهم ولا يسلط يد أحد من مماليكه فيهم وكان الأعيان الحاضرون في هذه المشورة والمتفقون على هذه الصورة‏:‏ الأمير بدر الدين بيسري الشمسي والأمير قرا سنقر المنصوري والأمير سيف الدين قبجق والأمير الحاج بهادر أمير حاجب الحجاب والأمير كرت والأمير حسام الدين لاجين السلاح دار الرومي الأستادار والأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح والأمير عز الدين أيبك الخازندار والأمير جمال الدين آقوش الموصلي والأمير مبارز الدين أمير شكار والأمير بكتمر السلاح دار والأمير سيف الدين سلار والأمير طغجي والأمير كرجي والأمير طقطاي والأمير برلطاي وغيرهم ولما حلف لهم الملك المنصور لاجين على ما شرطوا قال الأمير سيف الدين قبجق‏:‏ نخشى أنك إذا جلست في المنصب تنسى هذا التقرير وتقدم الصغير من مماليكك على الكبير وتفوض لمملوكك منكوتمر في التحكم والتدبير فتنصل لاجين من ذلك وكرر لاجين الحلف أنه لا يفعل فعند ذلك حلفوا له‏.‏
    ورحلوا نحو الديار المصرية يعني أن ذلك كان بعد هروب الملك العادل كتبغا وعند دخول لاجين إلى غزة فوقع هذه الشروط كلها يمدينة غزة انتهى‏.‏
    قال بيبرس‏:‏ فلما تسلطن رتب الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري نائبًا والأمير الحاج بهادر حاجبًا على عادته والأمير سلار أستادارًا والأمير بكتمر السلاح دار أمير اخور واستقر بالصاحب فخر الدين بن الخليلي في الوزارة ورتب الأمير قبجق نائب الشام ثم بعد مدة أفرج عن الأمير برلغي فأعطاه إقطاعًا بدمشق ثم أفرج عن الأمير بيبرس الجاشنكير وجماعة من الأمراء وأعطى بيبرس الجاشنكير إمرة بالقاهرة‏.‏
    قلت‏:‏ وبيبرس هذا هو الذي تسلطن فيما بعد حسب ما يأتي ذكره‏.‏
    ثم برز مرسومه باستقرار الملك العادل كتبغا في نيابة صرخد وكتب له بها منشورًا‏.‏
    انتهى كلام بيبرس باختصار لأنه خرج في سياق الكلام إلى غير ما نحن بصدده‏.‏
    وقال غيره‏:‏ ولما تسلطن لاجين وثبتت قدمه ورسخت نسي الشروط وقبض على أكابر خشداشيته من أعيان أمراء مصر وأماثلهم مثل‏:‏ الأمير قرا سنقر والبيسري وبكتمر السلاح دار وغيرهم وولى مملوكه منكوتمر نيابة السلطنة بل صار منكوتمر هو المتصرف في الممالك‏.‏
    فعند ذلك نفرت قلوب الأمراء والجند من الملك المنصور لاجين ودبروا عليه واستوحش هو أيضًا منهم واحترز على نفسه وقلل من الركوب ولزم القعاد بقلعة الجبل متخوفًا وكان كرجي خصيصًا به وهو أحد من كان أعانه على السلطنة فقدمه لاجين لما تسلطن على المماليك السلطانية فكان يتحدث في أشغالهم ويدخل للسلطان من أراد لا يحجبه عنه حاجب فحسده منكوتمر مع ما هو فيه من الحل والعقد في المملكة وسعى في إبعاد كرجي عن السلطان الملك المنصور لاجين‏.‏
    فلما ورد البريد يخبر بأمر القلاع التي فتحها عسكر السلطان ببلاد الأرمن حسن منكوتمر إلى السلطان أن يرسل كرجي المذكور إليها نائبًا ليقيم فيها فوافقه السلطان على ذلك وكلم كرجي فاستعفى كرجي من ذلك فأعفاه السلطان بعد أمور فكمن كرجي في نفسه‏.‏
    ثم أخذ مع هذا منكوتمر يغلظ على المماليك السلطانية وعلى الأمراء الكبار في الكلام فعظم ذلك عليهم وتشاكوا فيما بينهم من منكوتمر وقالوا‏:‏ هذا متى طالت مدته أخذنا واحدًا بعد واحد وأستاذه مرتبط به ولا يمكن الوثوب عليه أيام أستاذه فلم يجدوا بدًا من قتل أستاذه الملك المنصور لاجين قبله ثم يقتلونه بعده واتفقوا على ذلك‏.‏
    قال الشيخ مجد الدين الحرمي وكيل بيت المال‏:‏ كان الملك المنصور لاجين متزوجًا ببنت الملك الظاهر بيبرس وكانت دينة عفيفة فحكت أنها رأت في المنام ليلة الخميس قبل قتل السلطان بليلة واحدة كأن السلطان جالس في المكان الذي قتل فيه وكأن عدة غربان سود على أعلى المكان وقد نزل منهم غراب فضرب عمامة السلطان فرماها عن رأسه وهو يقول‏:‏ كرج كرج فلما ذكرت ذلك للسلطان قالت له‏:‏ أقم الليلة عندنا فقال السلطان‏:‏ ما ثم إلا ما قدره الله‏!‏ وخرج من عندها إلى القصر بعد أن ركب في أول النهار على العادة وكان صائمًا وهو يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة فأفطر بالقصر‏.‏
    ثم دخل إلى القصر الجواني بعد العشاء الآخرة وأخذ في لعب الشطرنج وعنده خواصه وهم‏:‏ قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والأمير عبد الله وبريد البدوي وإمامه محب الدين بن العسال فأول من دخل عليه كرجي وكان نوغيه السلاح دار من جملة المتفقين وهو في نوبته عند السلطان وكان كرجي مقدم البرجية والسلطان مكب على لعب الشطرنج فأوهم كرجي أنه يصلح الشمعة فرمى الفوطة على النيمجاة ثم قال السلطان لكرجي‏:‏ رحت بيت البرجية وغلقت عليهم والبرجية هم الآن مماليك الأطباق فقال كرجي‏:‏ نعم يا خوند وقد كان أوقف كرجي أكثرهم في دهليز القصر فشكره السلطان وأثنى عليه من حضر فقال السلطان القاضي القضاة‏:‏ لولا الأمير سيف الدين كرجي ما وصلت أنا إلى السلطنة فقبل كرجي الأرض وقال‏:‏ يا خوند ما تصلي العشاء فقال السلطان‏:‏ نعم وقام حتى يصلي فضربه كرجي بالسيف على كتفه فطلب السلطان النيمجاة فلم يجدها فقام من هول الضربة ومسك كرجي ورماه تحته وأخذ نوغيه السلاح دار النيمجاة وضرب بها رجل السلطان فقطعها فانقلب السلطان على قفاه يخور في دمه‏.‏
    انتهى ما ذكره وكيل بيت المال‏.‏
    وقال القاضي حسام الدين الحنفي‏:‏ كنت عند السلطان فما شعرت إلا وستة أو سبعة أسياف نازلة على السلطان وهو مكب على لعب الشطرنج فقتلوه ثم تركوه وأنا عنده وغلقوا علينا الباب وكان سيف الدين طغجي قد قصد بقية البرجية المتفقين معه ومع كرجي في الدركاه فقال لهم‏:‏ قضيتم الشغل فقالوا‏:‏ نعم‏.‏
    ثم إنهم توجهوا جميعًا إلى دار سيف الدين منكوتمر وهو بدار النيابة من قلعة الجبل فدقوا عليه الباب وقالوا له‏:‏ السلطان يطلبك فأنكر حالهم وقال لهم‏:‏ قتلتم السلطان فقال له كرجي‏:‏ نعم يا مأبون وقد جئناك نقتلك فقال‏:‏ أنا ما أسلم نفسي إليكم إنما أنا في جيرة الأمير سيف الدين طغجي فأجاره طغجي وحلف له أنه لا يؤذيه ولا يمكن أحدًا من أذيته ففتح داره فتسلموه وراحوا به إلى الجب فأنزلوه إلى عند الأمراء المحبوسين فلما دخل إلى الجب قام إليه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وتلقاه متهكمًا عليه ثم قام إليه الأمير عز الدين أيبك الحموي وشتمه وأراد قتله لأن منكوتمر هذا كان هو السبب في مسك هؤلاء الأمراء وإقلاب الدولة من حرصه على أن الأمر يفضي إليه ويتسلطن بعد أستاذه فأقام منكوتمر نحو ساعة في الجب وراح الأمير طغجي إلى داره حتى يقضي شغلًا له فاغتنم كرجي غيبته وأخذ معه جماعة وتوجه إلى باب الحبس وأطلع منكوتمر صورة أنهم يريدون تقييمه كما جرت العادة في أمر المحتبسين فامتنع من الطلوع فألحوا عليه وأطلعوه وذبحوه على باب الجب ونهبوا داره وأمواله‏.‏
    ثم اتفقوا كما هم في الليل على سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون وعوده إلى ملكه كونه ابن أستاذهم وأن يكون سيف الدين طغجي نائب السلطنة ومهما عملوه يكون باتفاق الأمراء وأصبح نهار الجمعة حلفوا الأمراء والمقدمين والعسكر جميعه للملك الناصر محمد بن قلاوون ونائب السلطنة طغجي‏.‏
    وسيروا في الحال خلف الملك الناصر محمد يطلبونه من الكرك وركب الأمير طغجي يوم السبت في الموكب والتف عليه العسكر وطلع إلى قلعة الجبل وحضر الأمراء الموكب ومد السماط كما جرت العادة به من غير هرج ولا غوغاء وكأنه لم يجر شيء وسكنت الفتنة وفرح غالب الناس بزوال الدولة لأجل منكوتمر‏.‏
    ودام ذلك إلى أن كان يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وتسعين المذكورة وصل الأمير بدر الدين بكتاش أمير سلاح عائدًا من الشام من فتوح سيس وصحبته العساكر المتوجهة معه وكان قد راح إليه جماعة من أمراء مصر لتلقيه إلى بلبيس وأعلموه بصورة الحال وقالوا له بأن الذي وقع من قتل الملك المنصور ليس هو عن رضاهم ولا علموا به وأغروه على قتل طغجي واتفقوا معه على ذلك وكانوا الأمراء المذكورون قد أشاروا قبل خروجهم على طغجي أن يخرج يلتقي الأمير بكتاش أمير سلاح فركب طغجي بكرة يوم الاثنين وتوجه نحوه حتى التقاه وتعانقا وتكارشا‏.‏
    ثم قال أمير سلاح لطغجي‏:‏ كان لنا عادة من السلطان إذا قدمنا من السفر يتلقانا وما أعلم ذنبي الآن ما هو كونه ما يلقاني اليوم‏!‏ فقال له طغجي‏:‏ وما علمت بما جرى على السلطان السلطان قتل‏!‏ فقال أمير سلاح‏:‏ ومن قتله قال له بعض الأمراء وهو الأمير سيف الدين كرت أمير حاجب‏:‏ قتله سيف الدين طغجي وكرجي فأنكر عليه وقال‏:‏ كلما قام للمسلمين ملك تقتلونه‏!‏ تقدم عني لا تلتصق بي وساق عنه أمير سلاح فتيقن طغجي أنه مقتول فحرك فرسه وساق فانقض عليه بعض الأمراء وقبض عليه بشعر دبوقته ثم علاه بالسيف وساعده على قتله جماعة من الأمراء فقتل وقتل معه ثلاثة نفر ومروا سائقين إلى تحت القلعة‏.‏
    وكان كرجي قد قعد في القلعة لأجل حفظها فبلغه قتل رفيقة طغجي فألبس البرجية السلاح وركب في مقدار الذي فارس حتى يدفع عن نفسه فركبت جميع أجناد الحلقة والأمراء والمقدمين في خدمة أمير سلاح إلى الرابعة من النهار ثم حملوا العساكر على جماعة كرجي فهزموهم وساق كرجي وحده واعتقد أن أصحابه يتوجهون حيث توجه فلم يتبعه غير تبعه ونوغيه الكرموني أمير سلاح دار الذي كان أعانه على قتل الملك المنصور لاجين‏.‏
    فلما أبعدوا والقوم في أثرهم لحقه بعض خشداشيته وضربه بالسيف حل كتفه ثم ساعده بعض الأمراء حتى قتل وقتل معه نوغيه الكرموني السلاح دار الذي كان أعانه على قتل لاجين المقدم ذكره واثنا عشر نفرًا من مماليكهما وأصحابهما وبطلت الغوغاء وسكنت الفتنة في الحال‏.‏
    واستقر الأمر أيضًا على تولية السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون كما كان دبره طغجي وكرجي وسيروا بطلبه وحثوا الطلب في قدومه من الكرك إلى الديار المصرية وبقي يدبر الأمور ويعلم على الكتب المسيرة إلى البلاد ثمانية أمراء إلى أن حضر السلطان وهم‏:‏ الأمير سيف الدين سلار والأمير سيف الدين كرت والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير والأمير عز الدين أيبك الخازندار والأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير والأمير حسام الدين لاجين أستاذ الدار والأمير سيف الدين بكتمر أمير جاندار والأمير جمال الدين عبد الله السلاح دار وجميعهم منصورية قلاوونية وغالبهم قد أخرج من السجن بعد قتل لاجين‏.‏
    يأتي ذلك كله في ترجمة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية عند عوده إلى السلطنة إن شاء الله تعالى‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين Empty رد: سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:18 pm

    يــتــــــبــع



    وأما السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين فإنه أخذ بعد قتله وغسل وكفن بتربته بالقرافة الصغرى بالقرب من سفح المقطم ودفن مملوكه منكوتمر تحت رجليه‏.‏
    قتل الملك المنصور لاجين وهو في عشر الخمسين أو جاوزها بقليل وقد تقدم التعريف به في عدة تراجم مما تقدم ونذكر هنا أيضًا من أحواله ما يتضح التعريف به ثانيًا‏.‏
    كان لاجين ملكًا شجاعًا مقدامًا عارفًا عاقلًا حشيمًا وقورًا معظمًا في الدول‏.‏
    طالت أيامه في نيابة دمشق أيام أستاذه في السعادة وهو الذي أبطل الثلج الذي كان ينقل في البحر من الشام إلى مصر وقال‏:‏ أنا كنت نائب الشام وأعلم ما يقاسي الناس في وسقه من المشقة وكان - رحمه الله - تام القامة أشقر في لحيته طول يسير وخفة ووجه رقيق معرق وعليه هيبة ووقار وفي قده رشاقة وكان ذكيًا نبيهًا شجاعًا حذورًا ولما قتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون هرب هو وقراسنقر فإنهما كانا أعانا الأمير بيدرا على قتله حسب ما ذكرناه ترجمة الملك الأشرف المذكور بل كان لاجين هذا هو الذي تمم قتله ولما هرب جاء هو وقراسنقر إلى جامع أحمد بن طولون وطلعا إلى المئذنة واستترا فيها وقال لاجين‏:‏ لئن نجانا الله من هذه الشدة وصرت شيئًا عمرت هذا الجامع‏.‏
    قلت‏:‏ وكذا فعل رحمه الله تعالى فإنه لما تسلطن أمر بتجديد جامع أحمد ابن طولون المذكور ورتب في شد عمارته وعمارة أوقافه الأمير علم الدين أبا موسى سنجر بن عبد الله الصالحي النجمي الدواداري المعروف بالبرنلي وكان من أكابر أمراء الألوف بالديار المصرية وفوض السلطان الملك المنصور لاجين أمر الجامع المذكور وأوقافه إليه فعمره وعمر وقفه وأوقف عليه عدة قرى وقرر فيه دروس الفقه والحديث والتفسير والطب وغير ذلك وجعل من جملة ذلك وقفًا يختص بالديكة التي تكون في سطح الجامع المذكور في مكان مخصوص بها وزعم أن الديكة تعين الموقتين وتوقظ المؤذنين في السحر وضمن ذلك كتاب الوقف فلما قرىء كتاب الوقف على السلطان وما شرطه أعجبه جميعه فلما انتهى إلى ذكر الديكة أنكر السلطان ذلك وقال‏:‏ أبطلوا هذا لئلا يضحك الناس علينا وأمضى ما عدا ذلك من الشروط والجامع المذكور عامر بالأوقاف المذكورة إلى يومنا هذا ولولاه لكان دثر وخرب فإن غالب ما كان أوقفه صاحبه أحمد بن طولون خرب وذهب أثره فجدده لاجين هذا وأوقف عليه هذه الأوقاف الجمة فعمر وبقي إلى الآن‏.‏
    انتهى‏.‏
    وكان المنصور لاجين فهمًا كريم الأخلاق متواضعًا‏.‏
    يحكى أن القاضي شهاب الدين محمود كان يكتب بين يديه فوقع من الحبر على ثيابه فأعلمه السلطان بذلك فنظم في الحال بيتين وهما‏:‏ السريع ثياب مملوكك يا سيدي قد بيضت حالي بتسويدها ماوقع الحبر عليها بلى وقع لي منك بتجديدها فأمر له المنصور بتفصيلتين وخمسمائة درهم فقال الشهاب محمود‏:‏ يا خوند مماليكك الجماعة رفاقي يبقى ذلك في قلوبهم فأمر لكل منهم بمثل ذلك وصارت راتبًا لهم في كل سنة‏.‏
    وقال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في تاريخه‏:‏ حكى لي الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس‏:‏ لما دخل عليه لم يدعه يبوس الأرض وقال‏:‏ أهل العلم منزهون عن هذا وأجلسه عنده وأظنه قال‏:‏ على المقعد ورتبه موقعًا فباشر ذلك أيامًا واستعفى فأعفاه وجعل المعلوم له راتبًا فتناوله إلى أن مات‏.‏
    ولما تسلطن مدحه القاضي شهاب الدين محمود بقصيدة أولها‏:‏ البسيط ولما تسلطن الملك المنصور لاجين تفاءل الناس واستبشروا بسلطنته وجاء في تلك السنة غيث عظيم بعدما كان تأخر فقال في ذلك الشيخ علاء الدين الوداعي‏:‏ السريع يا أيها العالم بشراكم بدولة المنصور رب الفخار فالله قد بارك فيها لكم فأمطر الليل وأضحى النهار وكانت مدة سلطنة المنصور لاجين على الديار المصرية سنتين وثلاثة شهور‏.‏
    قال الأديب صلاح الدين الصفدي‏:‏ وكان دينًا متقشفًا كثير الصوم قليل الأذى‏.‏
    قطع أكثر المكوس وقال‏:‏ إن عشت ما تركت مكسًا واحدًا‏.‏
    قلت‏:‏ كان فيه كل الخصال الحسنة لولا توليته مملوكه منكوتمر الأمور ومحبته له وهو السبب في هلاكه حسب ما تقدم‏.‏
    وتسلطن من بعده ابن أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون‏:‏ طلب من الكرك وأعيد إلى السلطنة انتهت ترجمة الملك المنصور لاجين‏.‏
    رحمه الله تعالى‏.‏
    السنة الأولى من سلطنة الملك المنصور لاجين وهي سنة ست وتسعين وستمائة‏.‏
    على أن الملك العادل كتبغا حكم منها المحرم وأيامًا من صفر‏.‏
    فيها كان خلع الملك العادل كتبغا المنصوري من السلطنة وتوليته نيابة صرخد وسلطنة الملك المنصور لاجين هذا من بعده حسب ما تقدم ذكره‏.‏
    وفيها في ذي القعدة مسك الملك المنصور لاجين الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري نائب السلطنة بديار مصروحبسه وولى عوضه مملوكه منكوتمر‏.‏
    وفيها ولي قضاء دمشق قاضي القضاة إمام الدين القزويني عوضًا عن القاضي بدر الدين بن جماعة واستمر ابن جماعة المذكور على خطابة جامع دمشق‏.‏
    وفيها تولى سلطنة اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود ابن الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول بعد موت أخيه الأشرف‏.‏
    وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة مفتي المسلمين محيي الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم بن النحاس الحلبي الأسدي الحنفي في ليلة سلخ المحرم ببستانه بالمزة ودفن بتربته بالمزة وحضر جنازته نائب الشام ومن دونه وكان إمامًا مفتنًا في علوم وتولى عدة تداريس ووظائف دينية ووزر بالشام للملك المنصور قلاوون وحسنت سيرته ثم عزل ولازم الأشغال والإقراء وانتفع به عامة أهل دمشق ومات ولم يخلف بعده مثله‏.‏
    وفيها توفي الملك الأشرف ممهد الدين عمر ابن الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول ملك اليمن وتولى بعده أخوه هزبر الدين داود المقدم ذكره وكانت مدة ملكه دون السنتين‏.‏
    وفيها توفي القاضي تاج الدين عبد القادر ابن القاضي عز الدين محمد السنجاري الحنفي قاضي قضاة الحنفية بحلب في يوم الخميس ثامن عشرين شعبان كان إمامًا فقيهًا عالمًا مفتيًا‏.‏
    ولي القضاء بعدة بلاد وحمدت سيرته‏.‏
    وفيها توفي الأمير عز الدين أزدمر بن عبد الله العلائي في ذي القعدة بدمشق وكان أميرًا كبيرًا معظمًا إلا أنه شرس الأخلاق قليل الفهم رسم له الملك الظاهر بيبرس أنه لا يركب بسيف فبقي أكثر من عشرين سنة لا يركب بسيف وهو أخو الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري‏.‏
    وفيها توفي شيخ الحرم وفقيه الحجاز رضي الدين محمد بن أبي بكر عبد الله بن خليل بن إبراهيم القسطلاني المكي المعروف بابن خليل‏.‏
    مولده سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وكان فقيهًا عالمًا مفتتًا مفتيًا وله عبادة وصلاح وحسن أخلاق‏.‏
    مات بمكة بعد خروج الحاج بشهر ودفن بالمعلاة بالقرب من سفيان الثوري‏.‏
    ومن شعره رحمه الله‏:‏ الخفيف أيها النازح المقيم بقلبي في أمان أنى حللت ورحب جمع الله بيننا عن قريب فهو أقصى مناي منك وحسبي الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي القاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد ببعلبك في المحرم وله ثلاث وتسعون سنة‏.‏
    وقاضي القضاة عز الدين عمر بن عبد الله بن عمر بن عرض الحنبلي بالقاهرة والحافظ الزاهد جمال الدين أحمد بن محمد بن عبد الله الظاهري بمصر‏.‏
    والمحدث ضياء الدين عيسى بن يحيى السبتي بالقاهرة في رجب‏.‏
    والزاهد شمس الدين محمد بن حامد المقدسي في ذي الحجة وأبو العباس أحمد بن عبد الكريم في صفر‏.‏

    أمر النيل في هذه السنة
    ‏:‏ الماء القديم كان قليلًا جدًا مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا ثم نقص ولم يوف في تلك السنة‏.‏
    السنة الثانية من سلطنة الملك المنصور لاجين وهي سنة سبع وتسعين وستمائة‏.‏
    فيها مسك الملك المنصور لاجين الأمير بدر الدين بيسري الشمسي وحبسه واحتاط على وجوده وفيها أخذت العساكر المصرية تل حمدون وقلعتها بعد حصار ومرعش وغيرهما وفيها قدم الملك المسعود نجم الدين خضر ابن السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري من بلاد الأشكري إلى مصر فتلقاه السلطان الملك المنصور لاجين في الموكب وأكرمه‏.‏
    وطلب الملك المسعود الحج فأذن له بذلك وكان الملك الأشرف خليل بن قلاوون أرسله إلى هناك وسكن الملك المسعود بالقاهرة إلى أن مات بها حسب ما يأتي ذكره وكان خضر هذا من أحسن الناس شكلًا ولما ختنه أبوه قال فيه القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر يهنىء والده الملك الظاهر ركن الدين بيبرس‏:‏ هنأت بالعيد وما على الهناء أقتصر بل إنها بشارة لها الوجود مفتقر بفرحة قد جمعت ما بين موسى والخضر قد هيأت لوردكم ماء الحياة المنهمر قلت‏:‏ وأحسن من هذا قول من قال في مليح حليق‏:‏ الرمل مرت الموسى على عارضه فكأن الماء بالآس غمر مجمع البحرين أضحى خده إذ تلاقى فيه موسى والخضر وفيها توفي الشيخ الصالح الزاهد بقية المشايخ بدر الدين حسن ابن الشيخ الكبير القدوة العارف نور الدين أبي الحسن علي بن منصور الحريري في يوم السبت عاشر شهر ربيع الآخر بزاويته بقرية بسر من أعمال زرع وكان هو المتعين بعد أبيه في الزاوية وعلى الطائفة الحيريرية المنسوبين إلى والده ومات وقد جاوز الثمانين‏.‏
    وفيها توفي قاضي القضاة صدر الدين إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصراوي الفقيه الحنفي المدرس أحد أعيان فقهاء الحنفية ولي قضاء حلب ثم عزل ثم أعيد فمات قبل دخوله حلب وكان عالمًا مفتنًا وله اليد الطولى في الجبر والمقابلة والفرائض وغير ذلك‏.‏
    الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر الفارسي الأبجي في رمضان وعائشة ابنة المجد عيسى بن الموفق المقدسي في شعبان ولها ست وثمانون سنة‏.‏
    وقاضي حماة جمال الدين محمد بن سالم بن واصل في شوال‏.‏
    وشهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن النابلسي الحنبلي العابر والشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن عبد اللطيف البغدادي بن المكبر في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة‏.‏
    أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أصابع‏.‏
    مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏
    وكان الوفاء آخر أيام النسيء‏.‏
    على مصر السلطان الملك الناصر ناصر الدين أبو المعالي محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون تقدم ذكر مولده في ترجمته الأولى من هذا الكتاب أعيد إلى السلطنة بعد قتل الملك المنصور لاجين فإنه كان لما خلع من الملك بالملك العادل كتبغا المنصوري أقام عند والدته بالدور من قلعة الجبل إلى أن أخرجه الملك المنصور لاجين لما تسلطن إلى الكرك فأقام الملك الناصر بالكرك إلى أن قتل الملك المنصور لاجين حسب ماذكرناه أجمع رأي الأمراء على سلطنته ثانيًا وخرج إليه الطلب من الديار المصرية صبيحة الحادي عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة وهو ثاني يوم قتل لاجين وسار الطلب إليه فلما قتل طغجي وكرجي في يوم الاثنين رابع عشره استحثوا الأمراء في طلبه وتكرر سفر القصاد له من الديار المصرية إلى الكرك حتى إذا حضر إلى الديار المصرية في ليلة السبت رابع جمادى الأولى من السنة وبات تلك الليلة بالإسطبل السلطاني ودام به إلى أن طلع إلى القلعة في بكرة يوم الاثنين سادس جمادى الأولى المذكور‏.‏
    وحضر الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد والقضاة وأعيد إلى السلطنة وجلس على تخت الملك وكان الذي توجه من القاهرة بطلبه الأمير الحاج آل ملك والأمير سنجر الجاولي‏.‏
    فلما قدما إلى الكرك كان الملك الناصر بالغور يتصيد فتوجها إليه ودخل آقوش نائب الكرك إلى أم السلطان وبشرها فخافت أن تكون مكيدة من لاجين فتوقفت في المسير فما زال بها حتى أجابت‏.‏
    ووصل الأميران إلى الملك الناصر بالغور وقبلا الأرض بين يديه وأعلماه بالخبر فرحب بهما وعاد إلى البلد وتهيأ وأخذ في تجهيز أمره والبريد يترادف باستحثاثه إلى أن قدم القاهرة فخرج الأمراء وجميع الناس قاطبة للقائه وكادت القاهرة ومصر ألا يتأخر بهما أحد فرحًا بقدومه وكان خروجهم في يوم السبت وأظهر الناس لعوده إلى الملك من السرور ما لا يوصف ولا يحد وزينت القاهرة ومصر بأفخر زينة وأبطل الناس معايشهم وضجوا له بالدعاء والشكر لله على عوده إلى الملك وأسمعوا حواشي الملك العادل كتبغا والملك المنصور لاجين من المكروه والاستهزاء ما لا مزيد عليه واستمروا في الفرح والسرور إلى يوم الاثنين وهو يوم جلوسه على تخت الملك‏.‏
    وجلس على تخت الملك في هذه المرة الثانية وعمره يومئذ نحو أربع عشرة سنة‏.‏
    ثم جدد للملك الناصر العهد وخلع على الأمير سيف الدين سلار بنيابة السلطنة وعلى الأمير حسام الدين لاجين بالأستادارية على عادته واستمر الأمير آقوش الأفرم الصغير بنيابة دمشق على عادته وخلع عليه وسفر بعد أيام‏.‏
    وفي معنى سلطنة الملك الناصر محمد يقول الشيخ علاء الدين الوداي الملك الناصر قد أقبلت دولته مشرقة الشمس عاد إلى كرسيه مثلما عاد سليمان إلى الكرسي وفي تاسع جمادى الأولى فرقت الخلع على جميع من له عادة بالخلع من أعيان الدولة‏.‏
    وفي ثاني عشره لبس الناس الخلع وركب السلطان الملك الناصر بالخلعة الخليفتية وأبهة السلطنة وشعار الملك ونزل من قلعة الجبل إلى سوق الخيل ثم عاد إلى القلعة وترجل في خدمته جميع الأمراء والأكابر وقبلوا الأرض بين يديه‏.‏
    واستقرت سلطنته وتم أمره وكتبت البشائر بذلك إلى الأقطار وسر الناس بعوده إلى الملك سرورًا زائدًا بسائر الممالك‏.‏
    وبعد أيام ورد الخبر عن غازان ملك التتار أنه قد عزم على قصد البلاد الشامية لما قدم عليه الأمير قبجق المنصوري نائب الشام ورفقته ثم رأى غازان أن يجهز سلامش بن أباجو من خمسة وعشرين ألفًا من الفرسان إلى بلاد الروم على أنه يأخذ بلاد الروم ويتوجه بعد ذلك بسائر عساكره إلى الشام من جهة بلاد سيس ويجيء غازان من ديار بكر وينزلون على الفرات ويغيرون على البيرة والرحبة وقلعة الروم ويكون اجتماعهم على مدينة حلب فإن التقاهم أحد من العساكر المصرية والشامية التقوه وإلا دخلوا بلاد الشام فاتفق أن سلامش لما توجه من عند قازان ودخل إلى الروم أطمعته نفسه بالملك وملك الروم وخلع طاعة غازان واستخدم الجند وأنفق عليهم وخلع على أكابر الأمراء ببلاد الروم وكانوا أولاد قرمان قد أطاعوه ونزلوا إلى خدمته وهم فوق عشرة آلاف فارس‏.‏
    وهذا الخبر أرسله سلامش المذكور إلى مصر وأرسل في ضمن ذلك يطلب من المصريين النجدة والمساعدة على غازان‏.‏
    قلت‏:‏ غازان وقازان كلاهما اسم لملك التتار‏.‏
    انتهى‏.‏
    وكان وصول رسول سلامش بهذا الخبر إلى مصر في شعبان من السنة‏.‏
    وأما قازان فإنه وصل إلى بغداد وكانوا متولين بغداد من قبله شكوا إليه من أهل السيب والعربان أنهم ينهبون التجار القادمين من البحر وأنهم قد قطعوا السابلة فسار قازان بنفسه إليهم ونهبهم وأقام بأرض دقوقا مشتيًا‏.‏
    ولما بلغه خبر سلامش انثنى عزمه عن قصد الشام وشرع في تجهيز العساكر مع ثلاثة مقدمين ومعهم خمسة وثلاثون ألف فارس‏:‏ منها خمسة عشر مع الأمير سوتاي وعشرة مع هندوجاغان وعشرة مع بولاي وهو المشار إليه من المقدمين مع العساكر وسفرهم إلى الروم لقتال سلامش‏.‏
    ثم رحل قازان إلى جهة تبريز ومعه الأمير قبجق المنصوري نائب الشام وبكتمر السلاح دار والألبكي وبزلار هؤلاء هم الذين خرجوا من دمشق مغاضبين للملك المنصور لاجين‏.‏
    وسار التتار الذين أرسلهم غازان حتى وصلوا إلى الروم في أواخر شهر رجب والتقوا مع سلامش وكان سلامش قد عصى عليه أهل سيواس وهو يحاصرهم فتركهم سلامش وتجهز وجهز عساكره لملتقى التتار وكان قد جمع فوق ستين ألف فارس‏.‏
    فلما قارب التتار فر من عسكر سلامش التتار والروم ولحقوا بولاي مقدم عساكر غازان‏.‏
    وأما التركمان فإنهم تركوه وصعدوا إلى الجبال على عادتهم وبقي سلامش في جمع قليل دون خمسمائة فارس فتوجه بهم من سيواس إلى جهة سيس وسار منها فوصل إلى بهسنا في أواخر شهر رجب‏.‏
    وكان السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون قد برز مرسومه إلى نائب الشام بأن يجرد خمسة أمراء من حمص وخمسة من حماة وخمسة من حلب لتكملة خمسة عشر أميرًا ويبعثهم نجدة إلى سلامش فلما وصل الخبر بقدوم سلامش إلى بهسنا منهزمًا توقف العسكر عن المسير ثم وصل سلامش إلى دمشق‏.‏
    وسلامش هذا هو من أولاد عم غازان وهو سلامش بن أباجو بن هولاكو‏.‏
    وكان وصوله إلى دمشق في يوم الخميس ثاني عشر شعبان فتلقاه نائب الشام واحتفل لملاقاته احتفالًا عظيمًا وأكرمه وقدم في خدمته نائب بهسنا الأمير بدر الدين بكتاش الزردكاش ثم سار سلامش من دمشق إلى جهة الديار المصرية إلى أن وصلها فأكرمه السلطان غاية الإكرام وأقام بمصر أيامًا قليلة ثم عاد إلى حلب بعد أن اتفق معه أكابر دولة الملك الناصر محمد على أمر يفعلونه إذا قدم غازان إلى البلاد الشامية ثم بعد خروجه جهز السلطان خلفه أربعة آلاف فارس من العسكر المصري نجدة له لقتال التتار وأيضًا كالمقدمة للسلطان وعلى كل ألف فارس أمير مائة ومقدم ألف فارس وهم‏:‏ الأمير جمال الدين آقوش قتال السبع والمبارز أمير شكار والأمير جمال الدين عبد الله والأمير سيف الدين بلبان الحبشي وهو المقدم على الجميع وساروا الجميع إلى بلاد حلب وتهيأ السلطان للسفر وتجهزت أمراؤه وعساكره‏.‏
    وخرج من الديار المصرية بأمرائه وعساكره في يوم الخميس سادس عشرين ذي الحجة الموافق لسادس عشرين توت أحد شهور القبط‏.‏
    هذا والعساكر الشامية في التهيؤ لقتال التتار وقد دخلهم من الرعب والخوف أمر لا مزيد عليه وسار السلطان بعساكره إلى البلاد الشامية بعد أن تقدمه أيضًا جماعة من أكابر أمراء الديار المصرية غير أولئك كالجاليش على العادة وهم‏:‏ الأمير قطلوبك والأمير سيف الدين كزناي وهو من كبار الأمراء‏:‏ كان حما الملكين الصالح والأشرف أولاد قلاوون وجماعة أمراء أخر ودخلوا هؤلاء الأمراء قبل السلطان إلى الشام بأيام فاطمأن خواطر أهل دمشق بهم‏.‏
    وسافر السلطان بالعساكر على مهل وأقام بغزة وعسقلان أيامًا كثيرة ثم دخل إلى دمشق يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وستمائة واحتفل أهل دمشق لدخوله احتفالًا عظيمًا ودخل السلطان بتجمل عظيم زائد عن الوصف حتى لعله زاد على الملوك الذين كانوا قبله ونزل بقلعة دمشق بعد أن أقام بغزة وغيرها نحو الشهرين في الطريق إلى أن ترادفت عليه الأخبار بقرب التتار إلى البلاد الشامية فقدم دمشق وتعين حضوره إليها ليجتمع بعساكره السابقة له وأقام السلطان بدمشق وجهز عساكرها إلى جهة البلاد الحلبية أمامه ثم خرج هو بأمرائه وعساكره بعدهم في يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين المذكورة في وسط النهار وسار من دمشق إلى حمص وابتهل الناس له بالدعاء وعظم خوف الناس وصياحهم وبكاؤهم على الإسلام وأهله‏.‏
    ووصل السلطان إلى حمص وأقام لابس السلاح ثلاثة أيام بلياليها إلى أن حصل الملل والضجر وغلت الأسعار بالعسكر وقلت العلوفات‏.‏
    وبلغ السلطان أن التتار قد نزلوا بالقرب من سلمية وأنهم يريدون الرجوع إلى بلادهم لما بلغهم من كثرة الجيوش واجتماعهم على قتالهم - وكان هذا الخبر مكيدة من التتار - فركب السلطان بعساكره من حمص بكرة يوم الأربعاء وقت الصبح السابع والعشرين من شهر ربيع الأول وساقوا الخيل إلى أن وصلوا إليهم وهم بالقرب من سلمية بمكان يسمى وادي الخازندار فركب التتار للقائهم وكانوا تهيؤوا لذلك وكان الملتقى في ذلك المكان في الساعة الخامسة من نهار الأربعاء المذكور وتصادما وقد كلت خيول السلطان وعساكره من السوق والتحم القتال بين الفريقين وحملت ميسرة المسلمين عليهم فكسرتهم أقبح كسرة وقتلوا منهم جماعة كثيرة نحو خمسة آلاف أو أكثر ولم يقتل من المسلمين إلا اليسير‏.‏
    ثم حملت القلب أيضًا حملة هائلة وصدمت العدو أعظم صدمة وثبت كل من الفريقين ثباتًا عظيمًا ثم حصل تخاذل في عسكر الإسلام بعضهم في بعض - بلاء من الله تعالى - فانهزمت ميمنة السلطان بعد أن كان لاح لهم النصر فلا قوة إلا بالله‏.‏
    ولما انهزمت الميمنة انهزم أيضًا من كان وراء السناجق السلطانية من غير قتال وألقى الله تعالى الهزيمة عليهم فانهزم جميع عساكر الإسلام بعد النصر وساق السلطان في طائفة يسيرة من أمرائه ومدبري مملكته إلى نحو بعلبك وتركوا جميع الأثقال ملقاة فبقيت العدد والسلاح والغنائم والأثقال ملأت تلك الأراضي حتى بقيت الرماح في الطرق كأنها القصب لا ينظر إليها أحد ورمى الجند خوذهم عن رؤوسهم وجواشنهم وسلاحهم تخفيفًا عن الخيل لتنجيهم بأنفسهم وقصدوا الجميع دمشق‏.‏
    وكان أكثر من وصل إلى دمشق من المنهزمين من طريق بعلبك‏.‏
    ولما بلغ أهل دمشق وغيرها كسرة السلطان عظم الضجيج والبكاء وخرجت المخدرات حاسرات لا يعرفن أين يذهبن والأطفال بأيديهن وصار كل واحد في شغل عن صاحبه إلى أن ورد عليهم الخبر أن ملك التتار قازان مسلم وأن غالب جيشه على ملة الإسلام وأنهم لم يتبعوا المنهزمين وبعد انفصال الوقعة لم يقتلوا أحدًا ممن وجدوه وإنما يأخذون سلاحه ومركوبه ويطلقونه فسكن بذلك روع أهل دمشق قليلًا‏.‏
    ثم صار من وصل إلى دمشق أخذ أهله وحواصله بحيث الإمكان وتوجه إلى جهة مصر وبقي من بقي بدمشق في خمدة وحيرة لا يدرون ما عاقبة أمرهم فطائفة تغلب عليهم الخوف وطائفة يترجون حقن الدماء وطائفة يترجون أكثر من ذلك من عدل وحسن سيرة واجتمعوا في يوم الأحد بمشهد علي من الجامع الأموي واشتوروا في أمر الخروج إلى ملك التتار غازان وأخذهم أمانًا لأهل البلد فحضر من الفقهاء قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وهو يومئذ خطيب جامع أهل دمشق والشيخ زين الدين الفارقي والشيخ تقي الدين بن تيمية وقاضي قضاة دمشق نجم الدين ابن صصرى والصاحب فخر الدين بن الشيرجي والقاضي عز الدين بن الزكي والشيخ وجيه الدين بن المنجا والشيخ عز الدين بن القلانسي وابن عمه شرف الدين وأمين الدين بن شقير الحراني والشريف زين الدين بن عدنان والصاحب شهاب الدين الحنفي والقاضي شمس الدين بن الحريري والشيخ محمد بن قوام النابلسي وجلال الدين أخو القاضي إمام الدين القزويني - وقد خرج أخوه إمام الدين قبل ذلك مع جماعة جافلًا إلى مصر - وجلال الدين ابن القاضي حسام الدين الحنفي وجماعة كثيرة من العدول والفقهاء والقراء‏.‏
    وأما السلطان الملك الناصر وعساكره فإنه سار هو بخواصه بعد الوقعة إلى جهة الكسوة‏.‏
    وأما العساكر المصرية والشامية فلا يمكن أن يعبر عن حالهم‏:‏ فإنه كان أكبر الأمراء يرى وهو وحده وقد عجز عن الهرب ليس معه من يقوم بخدمته وهو مسرع في السير خائف متوجه إلى جهة الكسوة لا يلوي على أحد قد دخل قلوبهم الرعب والخوف تشتمهم العامة وتوبخهم بسبب الهزيمة من التتار وكونهم كانوا قبل ذلك يحكمون في الناس ويتعاظمون عليهم وقد صار أحدهم الآن أضعف من الهزيل وأمعنوا العامة في ذلك وهم لا يلتفتون إلى قولهم ولا ينتقمون من أحد منهم‏.‏
    قلت‏:‏ وكذا وقع في زماننا هذا في وقعة تيمورلنك وأعظم فإن هؤلاء قاتلوا وكسروا ميمنة التتار إلا أصحابنا فإنهم سلموا البلاد والعباد من غير قتال‏!‏ حسب ما يأتي ذكره في محله من ترجمة السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق‏.‏
    انتهى‏.‏
    قال‏:‏ وعجز أكثر الأمراء والجند عن التوجه إلى جهة مصر خلف السلطان بسبب ضعف فرسه فصار الجندي يغير زيه حتى يقيم بدمشق خيفة من توبيخ العامة له حتى إن بعضهم حلق شعره وصار بغير دبوقة‏.‏
    قال الشيخ قطب الدين اليونيني‏:‏ مع أن الله تعالى لطف بهم لطفًا عظيمًا إذ لم يسق عدوهم خلفهم ولا تبعهم إلا حول المعركة وما قاربها وكان ذلك لطفًا من الله تعالى بهم وبقي الأمر على ذلك إلى آخر يوم الخميس سادس شهر ربيع الآخر فوصل أربعة من التتار ومعهم الشريف القمي وتكلموا مع أهل دمشق فلم ينبرم أمر‏.‏
    ثم قدم من الغد آخر ومعه فرمان يعني مرسومًا من غازان بالأمان وقرىء بالمدرسة البادرائية ثم وقع بعد ذلك أمور يطول شرحها من أن قازان أرسل إلى أهل دمشق وعرفهم أنه يحب العدل والإحسان للرعية وإنصاف المظلوم من الظالم وأشياء من هذا النمط فحصل للناس بذلك سكون وطمأنينة‏.‏
    ثم دخل الأمير قبجق المنصوري الذي كان نائب دمشق قبل تاريخه وهرب من الملك المنصور لاجين إلى غازان ومعه رفقته الأمير بكتمر السلاح دار وغيره إلى دمشق وكلموا الأمير أرجواش المنصوري خشداشهم نائب قلعة دمشق في تسليمها إلى غازان وقالوا له‏:‏ دم المسلمين في عنقك إن لم تسلمها فأجابهم‏:‏ دم المسلمين في أعناقكم أنتم الذين خرجتم من دمشق وتوجهتم إلى غازان وحسنتم له المجيء إلى دمشق وغيرها ثم وبخهم ولم يسلم قلعة دمشق وتهيأ للقتال والحصار واستمر على حفظ القلعة‏.‏
    ثم ترادفت قصاد غازان إلى أرجواش هذا وطال الكلام بينهم في تسليم القلعة فثبته الله تعالى ومنع ذلك بالكلية وملك قازان دمشق وخطب له بها في يوم الجمعة رابع عشر شهر ربيع الآخر‏.‏
    وصورة الدعاء لغازان أن قال الخطيب‏:‏ ‏"‏ مولانا السلطان الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود غازان ‏"‏ وصلى الأمير قبجق المنصوري وجماعة من المغل بالمقصورة من جامع دمشق ثم أخذ التتار في نهب قرى دمشق والفساد بها ثم بجبل الصالحية وغيرها وفعلوا تلك الأفعال القبيحة ثم قرروا على البلد تقارير تضاعفت غير مرة وحصل على أهل دمشق الذل والهوان وطال ذلك عليهم وكان متولي الطلب من أهل دمشق الصفي السنجاري وعلاء الدين أستادار قبجق وابنا الشيخ الحريري الحن والبن وعمل الشيخ كمال الدين الزملكاني في ذلك قوله‏:‏ لهفي على جلق يا شرما لقيت من كل علج له في كفره فن بالطم والرم جاؤوا لا عديد لهم فالجن بعضهم والحن والبن وللشيخ عز الدين عبد الغني الجوزي في المعنى‏:‏ بلينا بقوم كالكلاب أخسة علينا بغارات المخاوف قد شنوا هم الجن حقًا ليس في ذاك ريبة ومع ذا فقد والاهم الحن والبن ولابن قاضي شهبة‏:‏ الطويل رمتنا صروف الدهر حقًا بسبعة فما أحذ منا من السبع سالم غلاء وغازان وغزو وغارة وغدر وإغبان وغم ملازم وفي المعنى يقول أيضًا الشيخ علاء الدين الوداي وأجاد‏:‏ الطويل أتى الشام مع غازان شيخ مسلك على يده تاب الورى وتزهدوا فخلوا عن الأموال والأهل جملة فما منهم إلا فقير مجرد ودامت هذه الشدة على أهل دمشق والحصار عمال في كل يوم على قلعة دمشق حتى عجزوا عن أخذها من يد أرجواش المذكور قلت‏:‏ على أن أرجواش كان عنده سلامة باطن إلى الغاية يأتي ذكره بعض أحواله في الوفيات من سنين الملك الناصر محمد بن قلاوون‏.‏
    انتهى‏.‏
    قال‏:‏ وتم جبي المال وأخذه غازان وسافر من دمشق في يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى بعد أن ولى الأمير قبجق المنصوري نيابة الشام على عادته أولًا وقرر بدمشق جماعة أخر يطول الشرح في ذكرهم‏.‏
    وأقام الأمير قطلوشاه مقدم عساكر التتار بعد غازان بدمشق بجماعة كثيرة من التتار لأخذ ما بقي من الأموال ولحصار قلعة دمشق ودام على ذلك حتى سافر من دمشق ببقية التتار في يوم الثلاثاء ثالث عشرين جمادى الأولى وخرج الأمير قبجق نائب الشام لتوديعه ثم عاد يوم الخميس خامس عشرينه وانقطع أمر المغل من دمشق بعد أن قاسى أهلها شدائد وذهبت أموالهم‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين Empty رد: سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:21 pm

    يتـــبـــــع


    قال ابن المنجا‏:‏ إن الذي حمل إلى خزانة قازان خاصة نفسه ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف سوى ما محق عليهم من التراسيم والبراطيل والاستخراج لغيره من الأمراء والوزراء وغير ذلك بحيث إن الصفي السنجاري استخرج لنفسه أكثر من ثمانين ألف درهم وللأمير إسماعيل مائتي ألف درهم وللوزير نحو أربعمائة ألف وقس على هذا‏.‏
    واستمر بدمشق ورسم أن ينادى في دمشق بأن أهل القرى والحواضر يخرجون إلى أماكنهم‏:‏ رسم بذلك سلطان الشام حاج الحرمين سيف الدين قبجق‏.‏
    وصار قبجق يركب بالعصابة والشاويشية بين يديه وأجتمع الناس عليه‏.‏
    كل ذلك والقتال والمباينة واقعة بين الأمير أرجواش نائب قلعة دمشق وبين قبجق المذكور ونواب قازان والرسل تمشي بينهم في الصلح وأرجواش يأبى تسليم القلعة له فلله در هذا الرجل‏!‏ ما كان أثبت جنانه مع تغفل كان فيه حسب ما يأتي ذكره‏.‏
    هذا وقبجق غير مستبد بأمر الشام بل غالب الأمر بها لنواب قازان مثل بولاي وغيره‏.‏
    ثم سافر بولاي من دمشق بمن كان بقي معه من التتار في عشية يوم السبت الرابع من شهر رجب ومعه قبجق وقد أشيع أن قبجق يريد الانفصال عن التتار‏.‏
    وبعد خروجهما استبد أرجواش نائب قلعة دمشق بتدبير أمور البلد‏.‏
    وفي يوم الجمعة سابع عشر شهر رجب أعيدت الخطبة بدمشق إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون وللخليفة الحاكم بأمر الله على العادة ففرح الناس بذلك‏.‏
    وكان أسقط اسم الملك الناصر محمد من الخطبة بدمشق من سابع شهر ربيع الآخر فالمدة مائة يوم‏.‏
    ثم نادى أرجواش بكرة يوم السبت بالزينة في البلد فزينت‏.‏
    وأما الملك الناصر محمد بن قلاوون فإن عوده إلى الديار المصرية كان يوم الأربعاء ثاني عشر شهر ربيع الأخر وتبعته العساكر المصرية والشامية متفرقين وأكثرهم عراة مشاة ضعفاء وذاك الذي أوجب تأخرهم عن الدخول مع السلطان إلى مصر وأقاموا بعد ذلك أشهرًا حتى آستقام أمرهم ولولا حصول البركة بالديار المصرية وعظمها ما وسعت مثل هذه الخلائق والجيوش التي دخلوها في جفلة التتار وبعدها فمن الله تعالى بالخيل والعدد والرزق إلا أن جميع الأسعار غلت لا سيما السلاح وآلات الجندية من القماش والبرك وحوائج الخيل وغير ذلك حتى زادت عن الحد‏.‏
    ومما زاد سعر العمائم فإن الجند كان على رؤوسهم في المصاف الخوذ فلما آنكسروا رموا الخوذ تخفيفًا ووضعوا على رؤوسهم المناديل فآحتاجوا لما حضروا إلى مصر إلى شراء العمائم مع أن الملك الناصر أنفق في الجيش بعد عوده واستخدم جمعًا كثيرًا من الجند خوفًا من قدوم غازان إلى الديار المصرية‏.‏
    وتهيأ السلطان إلى لقاء غازان ثانيًا وجهز العساكر وقام بكلفهم أتم قيام على صغر سنه‏.‏
    فلما ورد عليه الخبر بعدم مجيء قازان إلى الديار المصرية تجهز وخرج بعساكره وأمرائه من الديار المصرية إلى جهة البلاد الشامية إلى ملتقى غازان ثانيًا بعد أن خلع على الأمير آقوش الأفرم الصغير بنيابة الشام على عادته وعلى الأمير قرا سنقر المنصوري بنيابة حماة وحلب وكان خروج السلطان من مصر بعساكره في تاسع شهر رجب من سنة تسع وتسعين وستمائة‏.‏
    وسار حتى نزل بمنزلة الصالحية فبلغه عود قازان بعساكره إلى بلاده فكلم الأمراء السلطان في عدم سفره ورجوعه إلى مصر فأبى عن رجوع العسكر وسمع لهم في عدم سفره وأقام بمنزلة الصالحية‏.‏
    وسافر الأمير سلار المنصوري نائب السلطنة بالديار المصرية والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالعساكر إلى الشام‏.‏
    ولما سار سلار وبيبرس الجاشنكير إلى جهة الشام تلاقوا في الطريق مع الأمير سيف الدين قبجق والأمير يكتمر السلاح دار والألبكي وهم قاصدون السلطان فعتب الأمراء قبجق ورفقته عتبًا هينًا على عبور قازان إلى البلاد الشامية فاعتذروا أن ذلك كان خوفًا من الملك المنصور لاجين وحنقًا من مملوكه منكوتمر وأنهم لما بلغهم قتل الملك المنصور لاجين كانوا قد تكلموا مع قازان في دخول الشام ولا بقي يمكنهم الرجوع عما قالوه ولا سبيل إلى الهروب من عنده فقبلوا عذرهم وبعثوهم إلى الملك الناصر‏.‏
    فقدموا عليه بالصالحية وقبلوا الأرض بين يديه فعتبهم أيضًا على ما وقع منهم فذكروا له العذر السابق ذكره فقبله منهم وخلع عليهم وعاد السلطان إلى القاهرة وصحبته خواصه والأمير قبجق ورفقته فطلع القلعة في يوم الخميس رابع عشر شعبان‏.‏
    ودخل الأمراء إلى دمشق ومعهم الأمير آقوش الأفرم الصغير نائب الشام وغالب أمراء دمشق وفي العسكر أيضًا الأمير قرا سنقر المنصوري متولي نيابة حماة وحلب ودخل الجميع دمشق بتجمل زائد ودخلوها على دفعات كل أمير بطلبه على حدة وسر الناس بهم غاية السرور وعلموا أن في عسكر الإسلام القوة والمنعة ولله الحمد‏.‏
    وكان آخر من دخل إلى الشام الأمير سلار نائب السلطنة وغالب الأمراء في خدمته حتى الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري نائب صرخد ونزل جميع الجيش بالمرج‏.‏
    وخلع على الأمير أرجواش المنصوري نائب قلعة دمشق باستمراره على عادته وشكروا له الأمراء ما فعله من حفظ القلعة ودخلوا الأمراء إلى دمشق وقلعة دمشق مغلقة وعليها الستائر والطوارف فكلموه الأمراء في ترك ذلك‏.‏
    فلما كان يوم السبت مستهل شهر رمضان أزال أرجواش الطوارف والستائر من على القلعة فأقام العسكر بدمشق أيامًا حتى أصلحوا أمرها ثم عاد الأمير سلار إلى نحو الديار المصرية بجميع أمراء مصر وعساكره في يوم السبت ثامن شهر رمضان وتفرق باقي الجيش كل واحد إلى محل ولايته ودخل سلار إلى مصر بمن معه في ثالث شوال بعد أن آحتفل الناس لملاقاتهم وخرج أمراء مصر إلى بلبيس وخلع السلطان على جميع من قدم من الأمراء رفقة سلار وكانت خلعة سلار أعظم من الجميع‏.‏
    ودام السلطان بقية سنته بالديار المصرية‏.‏
    فلما آستهلت سنة سبعمائة كثرت الأراجيف بالشام ومصر بحركة قازان وكان قازان قد تسمى محمودًا وصار يقال له السلطان محمود غازان‏.‏
    ثم وصلت في أول المحرم من سنة سبعمائة الأخبار والقصاد من الشرق وأخبروا أن قازان قد جمع جموعًا كثيرة وقد ناس في جميع بلاده الغزاة إلى مصر وأنه قاصد الشام فجفل أهل الشام من دمشق وتفرقوا في السواحل وقصدوا الحصون وتشتت غالب أهل الشام إلى البلاد من الفرات إلى غزة فعند ذلك تجهز الملك الناصر وجهز عساكره وتهيأ وخرج بجميع عساكره وأمرائه من القاهرة إلى مسجد التبن في يوم السبت ثالث عشر صفر وسافر حتى قارب دمشق أقام بمنزلته إلى سلخ شهر ربيع الآخر وتوجه هو وعساكره عائدين إلى جهة الديار المصرية بعد أن لاقوا شدة ومشقة عظيمة من كثرة الأمطار والثلوج والأوحال وعدم المأكول بحيث إنه انقطعت الطريق من البرد والمطر وعدم جلب المأكول لهم ولدوابهم حتى إنهم لم يقدروا على الوصول إلى دمشق وكان طلوع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى قلعه الجبل يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى‏.‏
    وقبل عود السلطان إلى مصر كان جهز السلطان الأمير بكتمر السلاح دار والأمير بهاء الدين يعقوبا إلى دمشق أمامه فدخلوا دمشق‏.‏
    ثم أشيع بدمشق عود السلطان إلى القاهرة فجفل غالب أهل دمشق منها ونائب الشام لم يمنعهم بل يحسن لهم ذلك‏.‏
    وقيل إن والي دمشق بقي يجفل الناس بنفسه وصار يمر بالأسواق ويقول‏:‏ في أي شيء أنتم قعود‏!‏ ولما كان يوم السبت تاسع جمادى الأولى نادت المناداة بدمشق‏:‏ من قعد فدمه في رقبته ومن لم يقدر على السفر فليطلع إلى القلعة فسافر في ذلك اليوم معظم الناس‏.‏
    وأما قازان فإنه وصل إلى حلب ووصل عساكره إلى قرون حماة وإلى بلاد سرمين وسير معظم جيشه إلى بلاد أنطاكية وغيرها فنهبوا من الدواب والأغنام والأبقار ما جاوز حد الكثرة وسبوا عالمًا كثيرًا من الرجال والنساء والصبيان‏.‏
    ثم أرسل الله تعالى على غازان وعساكره الأمطار والثلوج بحيث إنه أمطر عليهم واحدًا وأربعين يومًا وقت مطر ووقت ثلج فهلك منهم عالم كثير ورجع غازان بعساكره إلى بلادهم أقبح من المكسورين وقد تلفت خيولهم وهلك أكثرها وعجزهم الله تعالى وخذلهم وردهم خائبين عما كانوا عزموا عليه‏.‏
    ‏"‏ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال ‏"‏‏.‏
    ووصل الخبر برجوعهم في جمادى الآخرة وقد خلت دمشق وجميع بلاد الشام من سكانها‏.‏
    ثم في شهر رجب من السنة وصل إلى القاهرة وزير ملك الغرب بسبب الحج واجتمع بالسلطان وبالأمير سلار نائب السلطنة وبالأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير فقابلوه بالإكرام وأنعموا عليه واحترموه فلما كان في بعض الأيام جلس الوزير المغربي المذكور بباب القلعة عند بيبرس الجاشنكير وسلار فحضر بعض كتاب النصارى فقام إليه المغربي يتوهم أنه مسلم ثم ظهر له أنه نصراني فقامت قيامته وقام من وقته ودخل إلى السلطان بحضرة الأمير سلار وبيبرس مدبري مملكة الناصر محمد وتحدث معهم في أمر النصارى واليهود وأنهم عندهم في بلادهم في غاية الذل والهوان وأنهم لا يمكنونهم من ركوب الخيل ولا من آستخدامهم في الجهات السلطانية والديوانية وأنكر على نصارى ديار مصر ويهودها كونهم يلبسون أفخر الثياب ويركبون البغال والخيل وأنهم يستخدمونهم في أجل الجهات ويحكمونهم في رقاب المسلمين ثم إنه ذكر أن عهد ذمتهم قد انقضى من الهجرة النبوية وذكر كلامًا كثيرًا من هذا النوع فأثر كلامه عند القلوب النيرة من أهل الدولة وحصل له قبول من الخاص والعام بسبب هذا الكلام وقام بنصرته الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وجماعة كثيرة من الأمراء وافقوه على ذلك ورأوا أن في هذا الأمر مصلحة كبيرة لإظهار شعائر الإسلام‏.‏
    فلما كان شهر رجب جمعوا النصارى واليهود ورسموا لهم ألا يستخدموا في الجهات السلطانية ولا عند الأمراء وأن يغيروا عمائمهم فيلبس النصارى عمائم زرقًا وزنانيرهم مشدودة في أوساطهم وأن اليهود يلبسون عمائم صفرًا فسعوا الملتان عند جميع أمراء الدولة وأعيانها وساعدهم أعيان القبط وبذلوا الأموال الكثيرة الخارجة عن الحد للسلطان والأمراء على أن يعفوا من ذلك فلم يقبل منهم شيئًا‏.‏
    وشدد عليهم الأمير بيبرس الجاشنكير الأستادار - رحمه الله - غاية التشديد فإنه هو الذي كان القائم في هذا الأمر عفا الله تعالى عنه وأسكنه الجنة بما فعله فإنه رفع الإسلام بهذه الفعلة وخفض أهل الملتين بعد أن وعد بأموال جمة فلم يفعل‏.‏
    قلت‏:‏ رحم الله ذلك الزمان وأهله ما كان أعلى هممهم وأشبع نفوسهم‏!‏ وما أحسن قول المتنبي‏:‏ # أتى الزمان بنوه في شبيبته** فسرهم وأتيناه على الهرم
    ثم رسم السلطان الملك الناصر محمد بغلق الكنائس بمصر والقاهرة فضرب على كل باب منها دفوف ومسامير وأصبح يوم الثاني والعشرين من شهر رجب المبارك من سنة سبعمائة وقد لبسوا اليهود عمائم صفرًا والنصارى عمائم زرقًا وإذا ركب أحد منهم بهيمة يكف إحدى رجليه وبطلوا من الخدم السلطانية وكذلك من عند الأمراء وأسلم لذلك جماعة كثيرة من النصارى منهم‏:‏ أمين الملك أعبد الله بن الغنام مستوفي الصحبة وغيره‏.‏
    ثم رسم السلطان أن يكتب بذلك في جميع بلاده من دنقلة إلى الفرات‏.‏
    فأما أهل الإسكندرية لما وصل إليهم المرسوم سارعوا إلى خراب كنيستين عندهم وذكروا أنهما مستجدتان في عهد الإسلام ثم داروا إلى دورهم فما وجدوه أعلى على من جاورها من دور المسلمين هدموه وكل من كان جاور مسلمًا في حانوت أنزلوا مصطبة حانوته بحيث يكون المسلم أرفع منه وفعلوا أشياء كثيرة من هذا وأقاموا شعار الإسلام كما ينبغي على العادة القديمة ووقع ذلك بسائر الأقطار لا سيما أهل دمشق فإنهم أيضًا أمعنوا في ذلك‏.‏
    وعملت الشعراء في هذا المعنى عدة مقاطيع شعر ومما قاله الشيخ شمس الدين الطيبي‏:‏ تعجبوا للنصارى واليهود معًا والسامريين لما عمموا الخرقا كأنما بات بالأصباغ منسهلًا نسر السماء فأضحى فوقهم ذرقا ومما قاله الشيخ علاء الدين كاتب أبن وداعة المعروف بالوداعي في المعنى وأجاد‏:‏ لقد ألزموا الكفار شاشات ذلة تزيدهم من لعنة الله تشويشا فقلت لهم ما ألبسوكم عمائمًا ولكنهم قد ألبسوكم براطيشا وفيها في تاسع ذي القعدة وصل إلى القاهرة من حلب الأمير أنس يخبر بحركة التتار وأن التتار قد أرسلوا أمامهم رسلًا وأن رسلهم قد قاربت الفرات ثم وصلت الرسل المذكورة بعد ذلك بمدة إلى الديار المصرية في ليلة الاثنين خامس عشر ذي الحجة وأعيان القصاد ثلاثة نفر‏:‏ قاضي الموصل وخطيبها كمال الدين بن بهاء الدين بن كمال الدين بن يونس الشافعي وآخر عجمي وآخر تركي‏.‏
    ولما كان عصر يوم الثلاثاء جمعوا الأمراء والمقدمين إلى القلعة وعملت الخدمة ولبسوا المماليك أفخر الثياب والملابس وبعد العشاء الأخيرة أوقدوا الشموع نحوًا من ألف شمعة ثم أظهروا زينة عظيمة بالقصر ثم أحضروا الرسل وحضر القاضي بجملتهم وعلى رأسه طرحة فقام وخطب خطبة بليغة وجيزة وذكر آيات كثيرة في معنى الصلح وآتفاق الكلمة ورغب فيه ثم إنه دعا للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ومن بعده للسلطان محمود غازان ودعا للمسلمين والأمراء وأدى الرسالة‏.‏
    ومضمونها‏:‏ إنما قصدهم الصلح ودفعوا إليهم كتابًا مختومًا من السلطان غازان فأخذ منهم الكتاب ولم يقرؤوه تلك الليلة وأعيد الرسل إلى مكانهم‏.‏
    فلما كان ليلة الخميس فتح الكتاب وقرىء على السلطان وهو مكتوب بالمغلي وكتم الأمر‏.‏
    فلما كان يوم الخميس ثامن عشر ذي الحجة حضر جميع الأمراء والمقدمين وأكثر العسكر وأخرج إليهم الكتاب وقريء عليهم وهو مكتوب بخط غليظ في نصف قطع البغدادي ومضمونه‏:‏ ‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم وننهي بعد السلام إليه أن الله عز وجل جعلنا وإياكم أهل ملة واحدة وشرفنا بدين الإسلام وأيدنا وندبنا لإقامة مناره وسددنا وكان بيننا وبينكم ما كان بقضاء الله وقدره وما كان ذلك إلا بما كسبت أيديكم وما الله بظلام للعبيد‏.‏
    وسبب ذلك أن بعض عساكركم أغاروا على ماردين وبلادها في شهر رمضان المعظم قدره الذي لم تزل الأمم يعظمونه في سائر الأقطار وفيه تغل الشياطين وتغلق أبواب النيران فطرقوا البلاد على حين غفلة من أهلها وقتلوا وسبوا وفسقوا وهتكوا محارم الله بسرعة من غير مهلة وأكلوا الحرام وارتكبوا الآثام وفعلوا ما لم تفعله عباد الأصنام فأتونا أهل ماردين صارخين مسارعين ملهوفين مستغيثين بالأطفال والحريم وقد آستولى عليهم الشقاء بعد النعيم فلاذوا بجنابنا وتعلقوا بأسبابنا ووقفوا موقف المستجير الخائف ببابنا فهزتنا نخوة الكرام وحركتنا حمية الإسلام فركبنا على الفور بمن كان معنا ولم يسعنا بعد هذا المقام ودخلنا البلاد وقدمنا النية وعاهدنا الله تعالى على ما يرضيه عند بلوغ الأمنية وعلمنا أن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر بأن يسعوا في الأرض فسادًا والله لا يحب الفساد وأنه يغضب لهتك الحريم وسبي الأولاد فما كان إلا أن لقيناكم بنية صادقة وقلوب على الحمية للدين موافقة فمزقناكم كل ممزق والذي ساقنا إليكم هو الذي نصرنا عليكم وما كان مثلكم إلا كمثل قرية كانت آمنة مطمئنة - الآية - فوليتم الأدبار واعتصمتم من سيوفنا بالفرار فعفونا عنكم بعد آقتدار ورفعنا عنكم حكم السيف البتار وتقدمنا إلى جيوشنا ألا يسعوا في الأرض كما سعيتم وأن ينشروا من العفو والعفاف ما طويتم ولو قدرتم ما عفوتم ولا عففتم ولم نقلدكم منة بذلك بل حكم الإسلام في قتال البغاة كذلك وكان جميع ما جرى في سالف القدم ومن قبل كونه جرى به في اللوح القلم ثم لما رأينا الرعية تضرروا بمقامنا في الشام لمشاركتنا لهم في الشراب والطعام وما حصل في قلوب الرعية من الرعب عند معاينة جيوشنا التي هي كمطبقات السحب فأردنا أن نسكن تخوفهم بعودتنا من أرضهم بالنصر والتأييد والعلو والمزيد فتركنا عندهم بعض جيوشنا بحيث تتونس بهم وتعود في أمرها إليهم ويحرسونهم من تعدي بعضهم على بعض بحيث إنكم ضاقت بكم الأرض إلى أن يستقر جأشكم وتبصروا رشدكم وتسيروا إلى الشام من يحفظه من أعدائكم المتقدمين وأكرادكم المتمردين وتقدمنا إلى مقدمي طوامين جيوشنا أنهم متى سمعوا بقدوم أحد منكم إلى الشام أن يعودوا إلينا بسلام فعادوا إلينا بالنصر المبين والحمد لله رب العالمين‏.‏
    والآن فإنا وإياكم لم نزل على كلمة الإسلام مجتمعين وما بيننا ما يفرق كلمتنا إلا ما كان من فعلكم بأهل ماردين وقد أخذنا منكم القصاص وهو جزاء كل عاص فنرجع الآن في إصلاح الرعايا ونجتهد نحن وإياكم على العدل في سائر القضايا فقد آنضرت بيننا وبينكم حال البلاد وسكانها ومنعها الخوف من القرار في أوطانها وتعذر سفر التجار وتوقف حال المعايش لانقطاع البضائع والأسفار ونحن نعلم أننا نسأل عن ذلك ونحاسب عليه وأن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وأن جميع ما كان وما يكون في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها‏.‏
    وأنت تعلم أيها الملك الجليل أنني وأنت مطالبون بالحقير والجليل وأننا مسؤولون عما جناه أقل من وليناه وأن مصيرنا إلى الله وإنا معتقدون الإسلام قولًا وعملًا ونية عاملون بفروضه في كل وصية‏.‏
    وقد حملنا قاضي القضاة علامة الوقت حجة الإسلام بقية السلف كمال الدين موسى بن محمد أبا عبد الله أعزه الله تعالى مشافهة يعيدها على سمع الملك والعمدة عليها فإذا عاد من الملك الجواب فليسير لنا هدية الديار المصرية لنعلم بإرسالها أن قد حصل منكم في إجابتنا للصلح صدق النية ونهدي إليكم من بلادنا ما يليق أن نهديه إليكم والسلام الطيب منا عليكم‏.‏
    إن شاء الله تعالى‏.‏
    فلما سمع الملك الناصر الكتاب استشار الأمراء في ذلك وبعد أيام طلبوا قاضي الموصل أعني الرسول المقدم ذكره من عند قازان وقالوا له‏:‏ أنت من أكابر العلماء وخيار المسلمين وتعلم ما يجب عليك من حقوق الإسلام والنصيحة للدين فنحن ما نتقاتل إلا لقيام الدين فإن كان هذا الأمر قد فعلوه حيلة ودهاء فنحن نحلف لك أن ما يطلع على هذا القول أحد من خلق الله تعالى ورغبوه غاية الرغبة فحلف لهم بما يعتقده أنه ما يعلم من قازان وخواصه غير الصلح وحقن الدماء ورواج التجار ومجيئهم وإصلاح الرعية‏.‏
    ثم إنه قال لهم‏:‏ والمصلحة أنكم تتفقون وتبقون على ما أنتم عليه من الاهتمام بعدوكم وأنتم فلكم عادة في كل سنة تخرجون إلى أطراف بلادكم لأجل حفظها فتخرجون على عادتكم فإن كان هذا الأمر خديعة فيظهر لكم فتكونون مستيقظين وإن كان الأمر صحيحًا فتكونون قريبين منهم فينتظم الصلح وتحقن الدماء فيما بينكم‏.‏
    فلما سمعوا كلامه رأوه ما فيه غرض وهو مصلحة فشرعوا ليعينوا من يروح في الرسالة فعينوا جماعة منهم الأمير شمس الدين محمد بن التيتي والخطيب شمس الدين الجوزي خطيب جامع آبن طولون فتشفع آبن الجوزي حتى تركوه وعينوا القاضي عماد الدين بن السكري خطيب جامع الحاكم وهو ناظر دار العدل بالديار المصرية وشخصًا أمير آخور من البرجية‏.‏
    ثم إن السلطان أخذ في تجهير أمرهم إلى ما يأتي ذكره‏.‏
    ثم استقر السلطان في سنة إحدى وسبعمائة بالأمير عز الدين أيبك البغدادي المنصوري أحد الأمراء البرجية في الوزارة عوضًا عن شمس الدين سنقر الأعسر وجلس في قلعة الجبل بخلعة الوزارة وطلع إليه جميع أرباب الدولة وأعيان الناس‏.‏
    وأيبك هذا هو الرابع من الوزراء الأمراء الأتراك بالديار المصرية الذين كان تضرب على أبوابهم الطبلخاناه على قاعدة الوزراء بالعراق زمن الخلفاء فأولهم الأمير علم الدين سنجر الشجاعي المنصوري ثم ولي بعده الأمير بدر الدين بيدرا ولما ولي بيدرا نيابة السلطنة أعيد الشجاعي وبعده آبن السلعوس وليس هما من العدد ثم الخليلي وليس هو من العدد ثم بعد الخليلي ولي الأمير سنقر الأعسر الوزر وهو الثالث‏.‏
    ثم بعده أيبك هذا وهو الرابع‏.‏
    وكان الوزير يوم ذاك في رتبة النيابة بالديار المصرية ونيابة السلطنة كانت يوم ذاك دون السلطنة‏.‏
    انتهى‏.‏
    وفي يوم الأحد تاسع عشر المحرم من سنة إحدى وسبعمائة رسم السلطان لجميع الأمراء والمقدمين بمصر والقاهرة أن يخرجوا صحبة السلطان إلى الصيد نحو العباسة وأن يستصحبوا معهم عليق عشرة أيام وسافر السلطان بأكثر العسكر والجميع بعدتهم في بكرة يوم الاثنين في العشرين من المحرم‏.‏
    ونزل إلى بركة الحجاج وتبعه جميع الأمراء والمقدمين والعساكر وبعد سفره سيروا طلبوا القضاة الأربعة فتوجهوا إليه وآجتمعوا بالسلطان في بركة الحجاج وعادوا إلى القاهرة ثم شرعوا في تجهيز رسل قازان وتقدم دهليز السلطان إلى الصالحية ودخل السلطان والأمراء إلى البرية بسبب الصيد‏.‏
    فلما كان

    يوم الاثنين عشية النهار وصل السلطان والأمراء إلى الصالحية
    فخلع على جميع الأمراء والمقدمين وكان عدة ما خلع أربعمائة وعشرين خلعة وكان الرسل قد سفروهم من القاهرة وأنزلوهم بالصالحية حتى إنهم يجتمعون بالسلطان عند حضوره من الصيد‏.‏
    فلما حضر الأمراء قدام السلطان بالخلع السنية وتلك الهيئة الجميلة الحسنة أذهل عقول الرسل مما رأوا من حسن زي عسكر الديار المصرية بخلاف زي التتار وأحضروا الرسل في الليل إلى الدهليز إلى بين يدي السلطان وقد أوقدوا شموعًا كثيرة ومشاعل عديدة وفوانيس وأشياء كثيرة من ذلك تتجاوز عن الحد بحيث إن البرية بقيت حمراء تتلهب نورًا ونارًا فتحدثوا معهم ساعة ثم أعطوهم جواب الكتاب وخلعوا عليهم خلع السفر وأعطوا لكل واحد من الرسل عشرة آلاف درهم وقماشًا وغير ذلك‏.‏
    ونسخة الكتاب المسير إليهم صورته‏:‏ ‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ علمنا ما أشار الملك إليه وعول في قوله وفعله عليه فأما قول الملك‏:‏ قد جمعتنا وإياكم كلمة الإسلام‏!‏ وإنه لم يطرق بلادنا ولا قصدها إلا لما سبق به القضاء المحتوم فهذا الأمر غير مجهول بل هو عندنا معلوم وأن السبب في ذلك غارة بعض جيوشنا على ماردين وأنهم قتلوا وسبوا وهتكوا الحريم وفعلوا فعل من لا له دين فالملك يعلم أن غارتنا ما برحت في بلادكم مستمرة من عهد آبائكم وأجدادكم وأن من فعل ما فعل من الفساد لم يكن برأينا ولا من أمرائنا ولا الأجناد بل من الأطراف الطامعة ممن لا يؤبه إليه ولا يعول في فعل ولا قول عليه وأن معظم جيشنا كان في تلك الغارة إذا لم يجدوا ما يشترونه للقوت صاموا لئلا يأكلوا ما فيه شبهة أو حرام وأنهم أكثر ليلهم سجد ونهارهم صيام‏.‏
    وأما قول الملك ابن الملك الذي هو من أعظم القان فيقول قولًا يقع عليه الرد من قريب ويزعم أن جميع ما هو عليه من علمنا ساعة واحدة يغيب ولو يعلم أنه لو تقلب في مضجعه من جانب إلى جانب أو خرج من منزله راجلًا أو راكبًا كان عندنا علم من ذلك في الوقت القريب أو يتحقق أن أقرب بطائنه إليه هو العين لنا عليه وإن كثر ذلك لديه‏.‏
    ونحن تحققنا أن الملك بقي عامين يجمع الجموع وينتصر بالتابع والمتبوع وحشد وجمع من كل بلد وآعتضد بالنصارى والكرج والأرمن واستنجد بكل من ركب فرسًا من فصيح وألكن وطلب من المسومات خيولًا وركاب وكثر سوادًا وعدد أطلاب ثم إنه لما رأى أنه ليس له بجيشنا قبل في المجال عاد إلى قول الزور والمحال والخديعة والاحتيال وتظاهر بدين الإسلام وآشتهر به في الخاص والعام والباطن بخلاف ذلك حتى ظن جيوشنا وأبطالنا أن الأمر كذلك فلما التقينا معه كان معظم جيشنا يمتنع من قتاله ويبعد عن نزاله ويقول‏:‏ لا يجوز لنا قتال المسلمين ولا يحل قتل من يتظاهر بهذا الدين‏!‏ فلهذا حصل منهم الفشل وبتأخرهم عن قتالكم حصل ما حصل وأنت تعلم أن الدائرة كانت عليك‏.‏
    وليس يرى من أصحابك إلا من هو نادم أو باكي أو فاقد عزيز عنده أو شاكي والحرب سجال يوم لك ويوم عليك وليس ذلك مما تعاب به الجيوش ولا تقهر وهذا بقضاء الله وقدره المقدر‏.‏
    وأما قول الملك إنه لما آلتقى بجيشنا مزقهم كل ممزق فمثل هذا القول ما كان يليق بالملك أن يقوله أو يتكلم به وهو يعلم وإن كان ما رأى بل يسأل كبراء دولته وأمراء عساكره عن وقائع جيوشنا ومراتع سيوفنا من رقاب آبائه وأجداده وهي إلى الآن تقطر من دمائهم وإن كنت نصرت مرة فقد كسرت آباؤك مرارًا وإن كان جيشك قد داس أرضنا مرة فبلادكم لغارتنا مقام ولجيوشنا قرار وكما تدين تدان‏.‏
    وأما قول الملك‏:‏ إنه ومن معه آعتقدوا الإسلام قولًا وفعلًا وعملًا ونية فهذا الذي فعلته ما فعله من هو متوجه إلى هذه البنية أعني الكعبة المضية فإن الذي جرى بظاهر دمشق وجبل الصالحية ليس بخفي عنك ولا مكتوم وليس هذا هو فعل المسلمين ولا من هو متمسك بهذا الدين فأين وكيف وما الحجة‏!‏ وحرم البيت المقدس تشرب فيه الخمور وتهتك الستور وتفتض البكور ويقتل فيه المجاورون ويستأسر خطباؤه أو المؤذنون ثم على رأس خليل الرحمن تعلق الصلبان وتهتك النسوان ويدخل فيه الكافر سكران فإن كان هذا عن علمك ورضاك فواخيبتك في دنياك وأخراك ويا ويلك في مبدئك ومعادك وعن قليل يؤذن بخراب عمرك وبلادك وهلاك جيشك وأجنادك وإن كنت لم تعلم بذلك فقد أعلمناك فاستدرك ما فات فليس مطلوبًا به سواك وإن كنت كما زعمت أنك على دين الإسلام وأنت في قولك صادق في الكلام وفي عقدك صحيح النظام فآقتل الطوامين الذين فعلوا هذه الفعال وأوقع بهم أعظم النكال لنعلم أنك على بيضاء المحجة وكان فعلك وقولك أبلغ حجة ولما وصلت جيوشنا إلى القاهرة المحروسة وتحققوا أنكم تظاهرتم بكلمة الإخلاص وخدعتم باليمين والإيمان وانتصرتم على قتالهم بعبدة الصلبان آجتمعوا وتأهبوا وخرجوا بعزمات محمدية وقلوب بدرية وهمم علية عند الله مرضية وجدوا السير في البلاد ليتشفوا منكم غليل الصدور والأكباد فما وسع جيشكم إلا الفرار وما كان لهم على اللقاء صبر ولا قرار فآندفعت عساكرنا المنصورة مثل أمواج البحر الزخار إلى الشام يقصدون دخول بلادكم ليظفروا بنيل المرام فخشينا على رعيتكم تهلك وأنتم تهربون ولا تجدون إلى النجاة مسلك فأمرناهم بالمقام ولزوم الأهبة والاهتمام ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا‏.‏
    وأما ما تحمله قاضي القضاة من المشافهة فإنا سمعناه ووعيناه وتحققنا تضمنته مشافهة ونحن نعلم علمه ونسكه ودينه وفضله المشهور وزهده في دار الغرور ولكن قاضي القضاة غريب عنكم بعيد منكم لم يطلع على بواطن قضاياكم وأموركم ولا يكاد يظهر له خفي مستوركم فإن كنتم تريدون الصلح والإصلاح وبواطنكم كظواهركم متتابعة في الصلاح وأنت أيها الملك طالب الصلح على التحقيق وليس في قولك مين ولا يشوبه تنميق نقلدك سيف البغي ومن سل سيف البغي قتل به ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله فيرسل إلينا من خواص دولتك رجل يكون منكم ممن إذا قطع بأمر وقفتم عنده أو فصل حكمًا انتهيتم إليه أو جزم أمرًا عولتم عليه يكون له في أول دولتكم حكم وتمكين وهو فيما يعول عليه ثقة أمين لنتكلم معه فيما فيه الصلاح لذات البين وإن لم يكن كذلك عاد بخفي حنين‏.‏
    وأما ما طلبه الملك من الهدية من الديار المصرية فليس نبخل عليه ومقداره عندنا أجل مقدار وجميع ما يهدى إليه دون قدره وإنما الواجب أن يهدي أولًا من آستهدى لتقابل هديته بأضعافها ونتحقق صدق نيته وإخلاص سريرته ونفعل ما يكون فيه رضا الله عز وجل ورضا رسوله في الدنيا والآخرة لعل صفقتنا رابحة في معادنا غير خاسرة‏.‏
    والله تعالى الموفق للصواب ‏"‏‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم سافر القصاد المذكورون وعاد السلطان من الصيد في ثالث صفر إلى بركة الحجاج وآلتقى أمير الحاج وهو الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار أمير جاندار وصحبته ركب الحاج والمحمل السلطاني فنزل عنده السلطان وخلع عليه ثم ركب وتوجه حتى صعد قلعة الجبل عصر النهار ودخل عقيب دخوله المحمل والحجاج وشكر الحاج من حسن سيرة بكتمر المذكور مع سرعة مجيئه بخلاف العادة فإن العادة كانت يوم ذاك دخول المحمل في سابع صفر وقبل ذلك وبعد ذلك‏.‏
    وعمل بكتمر في هذه السفرة من الخيرات والبر والخلع على أمراء الحجاز وغيرهم شيئًا كثيرًا قيل‏:‏ إن جملة ما أنفقه في هذه السفرة خمسة وثمانون ألف دينار مصرية تقبل الله تعالى منه‏.‏
    ثم في صفر هذا وصل الخبر إلى السلطان بأن قازان على عزم الركوب وقصد الشام وأن مقدم عساكره الأمير بولاي قد قارب الفرات وأن الذي أرسله من الرسل خديعة‏.‏
    فعند ذلك شرع السلطان في تجهيز العساكر وتهيأ للخروج إلى البلاد الشامية ثم في أثناء ذلك ورد على السلطان قاصد الأمير كتبغا المنصوري نائب صرخد - وكتبغا هذا هو الملك العادل المخلوع بالملك المنصور لاجين المقدم ذكرهما - وأخبر أنه وقع بين حماة وحمص وحصن الأكراد برد وفيه شيء على صورة بني آدم من الذكور والإناث وصور قرود وغير ذلك فتعجب السلطان وغيره من ذلك‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين Empty رد: سلطنة الملك المنصور حسام الدين لاجين

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:23 pm

    يتــــبـــــع


    ثم في

    ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة في وقت السحر
    توفي الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن علي الهاشمي العباسي بمسكنه بالكبش ظاهر القاهرة ومصر المطل على بركة الفيل وخطب له في ذلك اليوم بجوامع القاهرة ومصر فإنهم أخفوا موته إلى بعد صلاة الجمعة فلما آنقضت الصلاة سير الأمير سلار نائب السلطنة خلف جماعة الصوفية ومشايخ الزوايا والربط والقضاة والعلماء والأعيان من الأمراء وغيرهم للصلاة عليه وتولى غسله وتكفينه الشيخ كريم الدين عبد الكريم الأبلي شيخ الشيوخ بخانقاه سعيد السعداء ورئيس المغسلين بين يديه وهو عمر بن عبد العزيز الطوخي وحمل من الكبش إلى جامع أحمد بن طولون ونزل نائب السلطنة الأمير سلار والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الأستادار وجميع الأمراء من القلعة إلى الكبش وحضروا تغسيله ومشوا أمام جنازته إلى الجامع المذكور وتقدم للصلاة عليه الشيخ كريم الدين المذكور وحمل إلى تربته بجوار السيدة نفيسة ودفن بها بعد أن أوصى بولاية العهد إلى ولده أبي الربيع سليمان وتقدير عمره فوق العشرين سنة‏.‏
    وكان السلطان طلبه في أول نهار الجمعة قبل الإشاعة بموت والده وأشهد عليه أنه ولى الملك الناصر محمد بن قلاوون جميع ما ولاه والده وفوضه إليه ثم عاد إلى الكبش‏.‏
    فلما فرغت الصلاة على الخليفة رد ولده المذكور وأولاد أخيه من جامع آبن طولون إلى دورهم ونزل من القلعة خمسة خدام من خدام السلطان وقعدوا على باب الكبش صفة الترسيم عليهم وسير السلطان يستشير قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد الشافعي في أمر سليمان المذكور‏:‏ هل يصلح للخلافة أم لا فقال‏:‏ نعم يصلح وأثنى عليه‏.‏
    وبقي الأمر موقوفًا إلى يوم يوم الخميس رابع عشرين جمادى الأولى المذكور‏.‏
    فلما كان بكرة النهار المذكور طلب سليمان إلى القلعة فطلع هو وأولاد أخيه بسبب المبايعة فأمضى السلطان ما عهد إليه والده المذكور بعد فصول وأمور يطول شرحها بينه وبين أولاد أخيه وجلس السلطان وخلع على أبي الربيع سليمان هذا خلعة الخلافة ونعت بالمستكفي وهي جبة سوداء وطرحة سوداء وخلع على أولاد أخيه خلع الأمراء الأكابر خلعًا ملونة‏.‏
    وبعد ذلك بايعه السلطان والأمراء والقضاة والمقدمون وأعيان الدولة ومدوا السماط على العادة ثم رسم له السلطان بنزوله إلى الكبش وأجرى راتبه الذي كان مقررًا لوالده وزيادة ونزلوا إلى الكبش وأقاموا به إلى يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة إذ حضر من عند السلطان المهمندار ومعه جماعة وصحبتهم جمال كثيرة فنقلوا الخليفة وأولاد أخيه ونساءهم وجميع من يلوذ بهم إلى قلعة الجبل وأنزلوهم بالقلعة في دارين‏:‏ الواحدة تسمى بالصالحية والأخرى بالظاهرية وأجروا عليهم الرواتب المقررة لهم وكان في يوم الجمعة ثاني يوم المبايعة خطب بمصر والقاهرة للمستكفي هذا ورسم بضرب آسمه على سكة الدينار والدرهم‏.‏
    انتهى‏.‏
    وكان السلطان قبل ذلك أمر بخروج تجريدة إلى الوجه القبلي لكثرة فساد العربان وتعدى شرهم في قطع الطريق إلى أن فرضوا على التجار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائض جبوها شبه الجالية واستخفوا بالولاة ومنعوا الخراج وتسموا بأسماء الأمراء وجعلوا لهم كبيرين‏:‏ أحدهما سموه سلار والآخر بيبرس ولبسوا الأسلحة وأخرجوا أهل السجون بأيديهم فأحضر السلطان الأمراء والقضاة وآستفتوهم في قتالهم فأفتوهم بجواز ذلك فآتفق الأمراء على الخروج لقتالهم وأخذت الطرق عليهم لئلا يمتنعوا بالجبال والمنافذ فيفوت الغرض فيهم واستدعوا الأمير ناصر الدين ناصر الدين محمد بن الشيخي متولي الجيزة وندبوه لمنع الناس بأسرهم من السفر إلى الصعيد في البر والبحر ومن ظهر أنه سافر كانت أرواح الولاة قبالة ذلك وما ملك وأشاع الأمراء أنهم يريدون السفر إلى الشام وتجهزوا وكتبت أوراق الأمراء المسافرين وهم عشرون مقدمًا بمضافيهم وعينوا أربعة أقسام‏:‏ قسم يتوجه في البر الغربي وقسم يتوجه في البر الشرقي وقسم يركب النيل وقسم يمضي في الطريق السالكة‏.‏
    وتوجه الأمير شمس الدين سنقر الأعسر وكان قد قدم من الشام إلى الواح في خمسة أمراء وقرروا أن يتأخر مع السلطان أربعة أمراء من المقدمين ورسم إلى كل من تعين من الأمراء لجهة أن يضع السيف في الكبير والصغير والجليل والحقير ولا يبقوا شيخًا ولا صبيًا ويحتاطوا على سائر الأموال‏.‏
    وسار الأمير سلار نائب السلطنة في رابع جمادى الآخرة ومعه جماعة من الأمراء في البر الغربي وسار الأمير بيبرس الجاشنكير بمن معه من الحاجر في البر الغربي أيضًا من طريق الواحات وسار الأمير بكتاش أمير سلاح بمن معه في البر الشرقي وسار الأمير قتال السبع وبيبرس الدوادار وبلبان الغلمشي وغيره من الشرقية إلى السويس والطور وسار الأمير قبجق المنصوري نائب الشام بمن كان معه إلى عقبة السيل وسار طقصبا والي قوص بعرب الطاعة وأخذ عليهم المفازات وقد عميت أخبار الديار المصرية على أهل الصعيد لمنع المسافرين إليها فطرقوا الأمراء البلاد على حين غفلة من أهلها ووضعوا السيف من الجيزة بالبر الغربي والإطفيحية من الشرقي فلم يتركوا أحدًا إلا قتلوه ووسطوا نحو عشرة آلاف رجل وما منهم إلا من أخذوا ماله وسبوا حريمه فكان إذا ادعى أحد منهم أنه حضري قيل له‏:‏ قل ‏"‏ دقيق ‏"‏ فإن قال‏:‏ دقيق - بالكاف لغات العرب - قتل وإن قال‏:‏ بالقاف المعهودة أطلق‏.‏
    ووقع الرعب في قلوب العربان حتى طبق عليهم الأمراء وأخذوهم من كل جهة فروا إليها وأخرجوهم من مخابئهم حتى قتلوا من بجانبي النيل إلى قوص وجافت الأرض بالقتلى واختفى كثير منهم بمغاور الجبال فأوقدت عليهم النيران حتى هلكوا بأجمعهم وأسر منهم نحو ألف وستمائة لهم فلاحات وزروع وحصل من أموالهم شيء عظيم جدًا تفرقته الأيدي وأحضر منه إلى الديوان السلطاني ستة عشرة ألف رأس من الغنم وذلك من جملة ثمانين ألف رأس ما بين ضأن وماعز ومن السلاح نحو مائتين وستين حملًا من السيوف والسلاح والرماح ومن الأموال على بغال محملة مائتين وثمانين بغلًا ونحو أربعة آلاف فرس واثنين وثلاثين ألف جمل وثمانية آلاف رأس من البقر غير ما أرصد في المعاصر وصار لكثرة ما حصل للأجناد والغلمان والفقراء الذين آتبعوا العسكر يباع الكبش السمين من ثلاثة دراهم إلى درهم والمعز بدرهم الرأس والجزة الصوف بنصف درهم والكساء بخمسة دراهم والرطل السمن بربع درهم ولم يوجد من يشتري الغلال لكثرتها فإن البلاد طرقت وأهلها آمنون وقد كسروا الخراج سنتين‏.‏
    ثم عاد العسكر في سادس عشر شهر رجب من سنة إحدى وسبعمائة وقد خلت بلاد الصعيد من أهلها بحيث صار الرجل يمشي فلا يجد في طريقه أحدًا وينزل القرية فلا يرى إلا النساء والصبيان ثم أفرج السلطان عن المأسورين وأعادهم إلى بلادهم لحفظ وعند عود الأمراء المذكورين من بلاد الصعيد ورد الخبر من حلب أن تكفور متملك سيس منع الحمل وخرج عن الطاعة وانتمى لغازان فرسم بخروج العساكر لمحاربته وخرج الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح والأمير عز الدين أيبك الخازندار بمضافيهما من الأمراء وغيرهم في شهر رمضان فساروا إلى حماة فتوجه معهم نائبها الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري في خامس عشرين شوال‏.‏
    وتوجهوا إلى بلاد سيس وأحرقوا الزروع وآنتهبوا ما قدروا عليه وحاصروا مدينة سيس وغنموا من سفح قلعتها شيئًا كثيرًا من جفال الأرمن وعادوا من الدربند إلى مرج أنطاكية‏.‏
    ثم قدموا في تاسع عشر ذي القعدة‏.‏
    ثم ورد الخبر على السلطان من طرابلس بأن الفرنج أنشأوا جزيرة تجاه طرابلس تعرف بجزيرة أرواد وعمروها بالعدد والآلات وكثر فيها جمعهم وصاروا يركبون البحر ويأخذون المراكب‏.‏
    فرسم السلطان للوزير بعمارة أربعة شوان حربية في محرم سنة اثنتين وسبعمائة ففعل ذلك ونجزت عمارة الشواني وجهزت بالمقاتلة وآلات الحرب مع الأمير جمال الدين آقوش القارىء العلائي وإلى البهنسا واجتمع الناس لمشاهدة لعب الشواني في يوم السبت ثاني عشر المحرم ونزل السلطان والأمراء لمشاهدة ذلك وآجتمع من العالم ما لا يحصيه إلا الله تعالى حتى بلغ كراء المركب التي تحمل عشرة أنفس إلى مائة درهم وآمتلأ البر من بولاق إلى الصناعة حتى لم يوجد موضع قدم ووقف العسكر على بر بستان الخشاب وركب الأمراء الحراريق إلى الروضة وبرزت الشواني تجاه المقياس تلعب كأنها في الحرب فلعب الشيني الأول والثاني والثالث وأعجب الناس إعجابًا زائدًا لكثرة ما كان فيها من المقاتلة والنفوط وآلات الحرب وتقدم الرابع وفيه الأمير آقوش فما هو إلا أنه خرج من الصناعة بمصر وتوسط في النيل إذا بالريح حركته فمال به ميلة واحدة آنقلب وصار أعلاه أسفله فصرخ الناس صرخة واحدة كادت تسقط منها الحبالى وتكدر ما كانوا فيه من الصفو فتلاحق الناس بالشيني وأخرجوا ما سقط منه في الماء فلم يعدم منه سوى الأمير آقوش وسلم الجميع فتكدر السلطان والأمراء بسببه وعاد السلطان بأمرائه إلى القلعة وآنفض الجمع‏.‏
    وبعد ثلاثة أيام أخرج الشيني فإذا امرأة الريس وابنها وهي ترضعه في قيد الحياة فاشتد عجب الناس من سلامتها طول هذه الأيام‏!‏ قاله المقريزي وغيره والعهدة عليهم في هذا النقل‏.‏
    ثم شرع العمل في إعادة الشيني الذي غرق حتى نجز وندب السلطان الأمير سيف الدين كهرداش الزراق المنصوري إلى السفر فيه عوضًا عن آقوش الذي غرق رحمه الله تعالى وتوجه الجميع إلى طرابلس ثم إلى جزيرة أرواد المذكورة وهي بالقرب من أنطرطوس فأخربوها وسبوا وغنموا وكان الأسرى منها مائتين وثمانين نفرًا وقدم الخبر بذلك إلى السلطان فسر وسر الناس قاطبة ودقت البشائر لذلك أيامًا وآتفق في ذلك اليوم أيضًا حضور الأمير ثم بعد ذلك بأيام ورد الخبر من حلب بأن قازان على عزم الحركة إلى الشام فوقع الاتفاق على خروج العساكر من الديار المصرية إلى الشام وعين من الأمراء الأمير بيبرس الجاشنكير وطغريل الإيغاني وكراي المنصوري وحسام الدين لاجين أستادار بمضافيهم وثلاثة آلاف من الأجناد وساروا من مصر في ثامن عشر شهر رجب وتواترت الأخبار بنزول قازان على الفرات ووصل عسكره إلى الرحبة وبعث أمامه قطلوشاه من أصحابه على عساكر عظيمة إلى الشام تبلغ ثمانين ألفًا وكتب إلى الأمير عز الدين أيبك الأفرم نائب الشام يرغبه في طاعته‏.‏
    ودخل الأمير بيبرس الجاشنكير بمن معه إلى دمشق في نصف شعبان ولبث يستحث السلطان على الخروج‏.‏
    وأقبل الناس من حلب وحماة إلى دمشق جافلين من التتار فاستعد أهل دمشق للفرار ولم يبق إلا خروجهم فنودي بدمشق‏:‏ من خرج منها حل ماله وعمه‏.‏
    وخرج الأمير بهادر آص والأمير قطلوبك المنصوري وأنس الجمدار في عسكر إلى حماة ولحق بهم عساكر طرابلس وحمص فاجتمعوا على حماة عند نائبها الملك العادل كتبغا المنصوري وبلغ التتار ذلك فبعثوا طائفة كثيرة إلى القريتين فأوقعوا بالتركمان فتوجه إليهم أسندمر كرجي نائب طرابلس وبهادر آص وكجكن وغرلوا العادلي وتمر الساقي وأنص الجمدار ومحمد بن قرا سنقر في ألف وخمسمائة فارس فطرقوهم بمنزلة عرض في حادي عشر شعبان‏.‏
    على غفلة فافترقوا عليهما أربع فرق وقاتلوهم قتالًا شديدًا من نصف النهار إلى العصر حتى كسروهم وأفنوهم - وكانوا التتار فيما يقال أربعة آلاف - وآستنقذوا التركمان وحريمهم وأولادهم من أيدي التتار وهم نحو ستة آلاف أسير ولم يفقد من العسكر الإسلامي إلا الأمير أنص الجمدار المنصوري ومحمد بن باشقرد الناصري وستة وخمسون من الأجناد وعاد من آنهزم من التتار إلى قطلوشاه وأسر العسكر المصري مائة وثمانين من التتار وكتب إلى السلطان بذلك ودقت البشائر بدمشق‏.‏
    وكان السلطان الملك الناصر محمد قد خرج بعساكره وأمرائه من الديار المصرية إلى جهة البلاد الشامية في ثالث شعبان وخرج بعده الخليفة المستكفي بالله واستناب السلطان بديار مصر الأمير عز الدين أيبك البغدادي‏.‏
    وجد قطلوشاه مقدم التتار بالعساكر في المسير حتى نزل قرون حماة في ثالث عشر شعبان فآندفعت العساكر المصرية التي كانت بحماة بين يديه إلى دمشق وركب نائب حماة الأمير كتبغا الذي كان تسلطن وتلقب بالملك العادل في محفة لضعفه واجتمع الجميع بدمشق وآختلف رأيهم في الخروج إلى لقاء العدو أو آنتظار قدوم السلطان ثم خشوا من مفاجأة العدو فنادوا بالرحيل وركبوا في أول شهر رمضان من دمشق فاضطربت دمشق بأهلها وأخذوا في الرحيل منها على وجوههم واشتروا الحمار بستمائة درهم والجمل بألف درهم وترك كثير منهم حريمه وأولاده ونجا بنفسه إلى القلعة فلم يأت الليل إلا وبوادر التتار في سائر نواحي المدينة‏.‏
    وسار العسكر مخفًا وبات الناس بدمشق في الجامع يضجون بالدعاء إلى الله تعالى فلما أصبحوا رحل التتار عن دمشق بعد أن نزلوا بالغوطة‏.‏
    وبلغ الأمراء قدوم السلطان فتوجهوا إليه من مرج راهط فلقوه على عقبة الشحورا في يوم السبت ثاني عشر رمضان وقبلوا له الأرض‏.‏
    ثم ورد عند لقائهم به الخبر بوصول التتار في خمسين ألفًا مع قطلوشاه نائب غازان فلبس العسكر بأجمعه السلاح واتفقوا على قتال التتار بشقحب تحت جبل غباغب وكان قطلوشاه قد وقف على أعلى النهر فصفت العساكر الإسلامية‏:‏ فوقف السلطان في القلب وبجانبه الخليفة والأمير سلار النائب والأمير بيبرس الجاشنكير وعز الدين أيبك الخازندار وبكتمر الجوكندار وآقوش الأفرم نائب الشام والأمير برلغي والأمير أيبك الحموي وبكتمر الأبو بكري وقطلوبك ونوغاي السلاح دار ومبارز الدين أمير شكار ويعقوبا الشهرزوري ومبارز الدين أوليا بن قرمان ووقف في الجناح الأيمن الأمير قبجق بعساكر حماة والعربان وجماعة كثيرة من الأمراء ووقف في الميسرة الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح والأمير قرا سنقر نائب حلب بعساكرها والأمير بتخاص نائب صفد بعساكرها والأمير طغريل الإيغاني وبكتمر السلاح دار وبيبرس الدوادار بمضافيهم‏.‏
    ومشى السلطان على التتار والخليفة بجانبه ومعهما القراء يتلون القرآن ويحثون على الجهاد ويشوقون إلى الجنة وصار الخليفة يقول‏:‏ ‏"‏ يا مجاهدون لا تنظروا لسلطانكم‏.‏
    قاتلوا عن دين نبيكم صلى الله عليه وسلم وعن حريمكم‏!‏ ‏"‏ والناس في بكاء شديد ومنهم من سقط عن فرسه إلى الأرض‏!‏ وتواصى بيبرس وسلار على الثبات في الجهاد‏.‏
    وكل ذلك والسلطان والخليفة يكر في العساكر يمينًا وشمالًا‏.‏
    ثم عاد السلطان والخليفة إلى مواقفهما ووقف خلفه الغلمان والأحمال والعساكر صفًا واحدًا وقال لهم‏:‏ من خرج من الأجناد عن المصاف فاقتلوه ولكم سلبه‏.‏
    فلما تم الترتيب زحفت كراديس التتار كقطع الليل وكان ذلك وقت الظهر من يوم السبت ثاني رمضان المذكور‏.‏
    وأقبل قطلوشاه بمن معه من الطوامين وحملوا على الميمنة فثبتت لهم الميمنة وقاتلوهم أشد قتال حتى قتل من أعيان الميمنة الأمير حسام الدين لاجين الأستادار وأوليا بن قرمان والأمير سنقر الكافوري والأمير أيدمر الشمسي القشاش والأمير آقوش الشمسي الحاجب وحسام الدين علي بن باخل ونحو الألف فارس كل ذلك وهم في مقابلة العدو والقتال عمال بينهم‏.‏
    فلما وقع ذلك أدركتهم الأمراء من القلب ومن الميسرة وصاح سلار‏:‏ ‏"‏ هلك والله أهل الإسلام‏!‏ ‏"‏ وصرخ في بيبرس الجاشنكير وفي البرجية فأتوه دفعة واحدة فأخذهم وصدم بهم العدو وقصد مقدم التتار قطلوشاه وتقدم عن الميمنة حتى أخذت الميمنة راحة وأبلى سلار في ذلك اليوم هو وبيبرس الجاشنكير بلاء حسنًا وسلموا نفوسهم إلى الموت‏.‏
    فلما رأى باقي الأمراء منهم ذلك ألقوا نفوسهم إلى الموت واقتحموا القتال وكانت لسلار والجاشنكير في ذلك اليوم اليد البيضاء على المسلمين - رحمهما الله تعالى - واستمروا في القتال إلى أن كشفوا التتار عن المسلمين‏.‏
    وكان جوبان وقرمجي وهما من طوامين التتار قد ساقا تقوية لبولاي وهو خلف المسلمين فلما عاينوا الكسرة على قطلو شاه أتوه نجدة ووقفوا في وجه سلار وبيبرس فخرج من عسكر السلطان أسندمر والأمير قطلوبك والأمير قبجق والمماليك السلطانية وأردفوا سلار وبيبرس وقاتلوا أشد قتال حتى أزاحوهم عن مواقفهم فمالت التتار على الأمير برلغي في موقفه فتوجهوا الجماعة المذكورون إلى برلغي واستمر القتال بينهم‏.‏
    وأما سلار فإنه قصد قطلوشاه مقدم التتار وصدمه بمن معه وتقاتلا وثبت كل منهما‏.‏
    وكانت الميمنة لما قتل الأمراء منها آنهزم من كان معهم ومرت التتار خلفهم فجفل الناس وظنوا أنها كسرة وأقبل السواد الأعظم على الخزائن السلطانية فكسروها ونهبوا ما فيها من الأموال وجفل النساء والأطفال وكانوا قد خرجوا من دمشق عند خروج الأمراء منها وكشف النساء عن وجوههن وأسبلن الشعور‏.‏
    وضج ذلك الجمع العظيم بالدعاء وقد كادت العقول أن تطيش وتذهب عند مشاهدة الهزيمة‏!‏ وآستمر القتال بين التتار والمسلمين إلى أن وقف كل من الطائفتين ومال قطلوشاه بمن معه إلى جبل قريب منه وصعد عليه وفي نفسه أنه انتصر وأن بولاي في أثر المنهزمين من المسلمين فلما صعد الجبل رأى السهل والوعر كله عساكر والميسرة السلطانية ثابتة وأعلامها تخفق فبهت قطلوشاه وتحير وآستمر بموضعه حتى كمل معه جمعه وأتاه من كان خلف المنهزمين من الميمنة السلطانية ومعهم عدة من المسلمين قد أسروهم منهم‏:‏ الأمير عز الدين أيدمر نقيب المماليك السلطانية فأحضره قطلوشاه وسأله‏:‏ ‏"‏ من أين أنت ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏ من أمراء مصر ‏"‏ وأخبره بقدوم السلطان وكان قطلوشاه ليس له علم بقدوم السلطان بعساكر مصر إلا ذلك الوقت فعند ذلك جمع قطلوشاه أصحابه وشاورهم فيما يفعل وإذا بكوسات السلطان والبوقات قد زحفت وأزعجت الأرض وأرجفت القلوب بحسها فلم يثبت بولاي وخرج من تجاه قطلوشاه في نحو العشرين ألفًا من التتار ونزل من الجبل بعد المغرب ومر هاربًا‏.‏
    وبات السلطان وسائر عساكره على ظهور الخيل والطبول تضرب وتلاحق بهم من كان آنهزم شيئًا بعد شيء وهم يقصدون ضرب الطبول السلطانية والكوسات وأحاط عسكر السلطان بالجبل الذي بات عليه التتار وصار بيبرس وسلار وقبجق والأمراء والأكابر في طول الليل دائرين على الأمراء والأجناد يوصونهم ويرتبونهم ويؤكدون عليهم في التيقظ ووقف كل أمير في مصافه مع أصحابه والحمل والأثقال قد وقف على بعد وثبتوا على ذلك حتى آرتفعت الشمس‏.‏
    وشرع قطلوشاه في ترتيب من معه ونزلوا مشاة وفرسانًا وقاتلوا العساكر‏.‏
    فبرزت المماليك السلطانية بمقدميها إلى قطلوشاه وجوبان وعملوا في قتالهم عملًا عظيمًا فصاروا تارة يرمونهم بالسهام وتارة يواجهونهم بالرماح واشتغل الأمراء أيضًا بقتال من في جهتهم وصاروا يتناوبون في القتال أميرًا بعد أمير‏.‏
    وألحت المماليك السلطانية في القتال وأظهروا في ذلك اليوم من الشجاعة والفروسية ما لا يوصف حتى إن بعضهم قتل تحته الثلاثة من الخيل‏.‏
    وما زال الأمراء على ذلك حشى انتصف نهار الأحد صعد قطلوشاه الجبل وقد قتل من عسكره نحو ثمانين رجلًا وجرح الكثير واشتد عطشهم‏.‏
    واتفق أن بعض من كان أسره التتار هرب ونزل إلى السلطان وعرفه أن التتار قد أجمعوا على النزول في السحر لمصادمة العساكر السلطانية وأنهم في شدة من العطش فاقتضى الرأي أن يفرج لهم عند نزولهم ويركب الجيش أقفيتهم‏.‏
    فلما باتوا على ذلك وأصبحوا نهار الاثنين ركب التتار في الرابعة من النهار ونزلوا من الجبل فلم يتعرض لهم أحد وساروا إلى النهر فاقتحموه فعند ذلك ركبهم بلاء الله من المسلمين وأيدهم الله تعالى بنصره حتى حصدوا رؤوس التتار عن أبدانهم ووضعوا فيهم السيف ومروا في أثرهم قتلًا وأسرًا إلى وقت العصر‏.‏
    وعادوا إلى السلطان وعرفوه بهذا النصر العظيم فكتبت البشائر في البطائق وسرحت الطيور بهذا النصر العظيم إلى غزة‏.‏
    وكتب إلى غزة بمنع المنهزمين من عساكر السلطان من الدخول إلى مصر وتتبع من نهب الخزائن السلطانية والاحتفاظ بمن يمسك منهم وعين السلطان الأمير بدر الدين بكتوت الفتاح للمسير بالبشارة إلى مصر ثم كتب بهذا الفتح العظيم إلى سائر الأقطار‏.‏
    ثم ركب السلطان في يوم الاثنين من مكان الواقعة وبات ليلته بالكسوة وأصبح يوم الثلاثاء وقد خرج إليه أهل دمشق فسار إليها ومعه الخليفة في عالم عظيم من الفرسان والأعيان والعامة والنساء والصبيان لا يحصيهم إلا الله تعالى وهم يضجون بالدعاء والهناء والشكر لله سبحانه وتعالى على هذه المنة‏!‏ وتساقطت عبرات الناس فرحًا ودقت البشائر بسائر الممالك وكان هذا اليوم يومًا لم يشاهد مثله‏.‏
    وسار السلطان حتى نزل بالقصر الأبلق وقد زينت المدينة‏.‏
    وآستمرت الأمراء وبقيت العساكر في طلب التتار إلى القريتين وقد كلت خيول التتار وضعفت نفوسهم وألقوا أسلحتهم وآستسلموا للقتل والعساكر تقتلهم بغير مدافعة حتى إن أراذل العامة والغلمان قتلوا منهم خلقًا كثيرًا وغنموا عذ غنائم وقتل الواحد من العسكر العشرين من التتار فما فوقها ثم أدركت عربان البلاد التتار وأخذوا في كيدهم‏:‏ فيجيء منهم الاثنان والثلاثة إلى العدة الكثير من التتار كأنهم يهدونهم إلى طريق قريبة مفازة فيوصلونهم إلى البرية ويتركونهم بها فيموتوا عطشًا ومنهم من دار بهم وأوصلوهم إلى غوطة دمشق فخرجت إليهم عامة دمشق فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا‏.‏
    ثم تتبعت الحكام النهبة وعاقبوا منهم جماعة كثيرة حتى تحصل أكثر ما نهب من الخزائن ولم يفقد منه إلا القليل‏.‏
    ثم خلع السلطان على الأمراء جميعهم ثم حضر الأمير برلغي وقد كان آنهزم فلم يأذن له السلطان في الدخول عليه وقال‏:‏ بأي وجه تدخل علي أو تنظر في وجهي‏!‏ فما زال به الأمراء حتى رضي عنه‏.‏
    ثم قبض على رجل من أمراء حلب كان قد انتمى إلى التتار وصار يدلهم على الطرقات فسمر على جمل وشهر بدمشق وضواحيها‏.‏
    وآستمر الناس في شهر رمضان كله في مسرات تتجدد ثم صلى السلطان صلاة عيد الفطر وخرج في ثالث شوال من دمشق يريد الديار المصرية‏.‏
    وأما التتار فإنه لما قتل أكثرهم ودخل قطلوشاه الفرات في قليل من أصحابه‏.‏
    ووصل خبر كسرته إلى همذان ووقعت الصرخات في بلادهم وخرج أهل تبريز وغيرها إلى لقائهم واستعلام خبر من فقد منهم حتى علموا ذلك فقامت النياحة في مدينة تبريز شهرين على القتلى‏.‏
    ثم بلغ الخبر غازان فاغتم غمًا عظيمًا وخرج من منخريه دم كثير حتى أشفى على الموت وآحتجب عن حواشيه فإنه لم يصل إليه من عساكره من كل عشرة واحد ممن كان آنتخبهم من خيار جيشه‏.‏
    ثم بعد ذلك بمدة جلس غازان وأوقف قطلوشاه مقدم عساكره وجوبان وسوتاي ومن كان معهم من الأمراء وأنكر على قطلوشاه وأمر بقتله فما زالوا به حتى عفا عنه وأبعده من قدامه حتى صار على مسافة بعيدة بحيث يراه وقام إليه وقد مسكه الحجاب سائر من حضر - وهم خلق كثير جدًا - وصار كل منهم يبصق في وجهه حتى بصق الجميع‏!‏ ثم أبعده عنه إلى كيلان ثم ضرب بولاي عدة عصي وأهانه‏.‏
    وفي الجملة فإنه حصل على غازان بهذه الكسرة من القهر والهم ما لا مزيد عليه ولله الحمد‏.‏
    وسار السلطان الملك الناصر بعساكره وأمرائه حتى وصل إلى القاهرة ودخلها في يوم ثالث عشرين شوال حسب ما يأتي ذكره‏.‏
    وكان نائب الغيبة رسم بزينة القاهرة من باب النصر إلى باب السلسلة من القلعة وكتب بإحضار سائر مغاني العرب بأعمال الديار المصرية كلها‏.‏
    وتفاخر الناس في الزينة ونصبوا القلاع واقتسمت أستادارية الأمراء شوارع القاهرة إلى القلعة وزينوا ما يخص كل واحد منهم وعملوا به قلعة بحيث نودي‏:‏ من آستعمل صانعًا في غير صنعة القلاع كانت عليه جناية للسلطان‏.‏
    وتحسن سعر الخشب والقصب وآلات النجارة وتفاخروا في تزيين القلاع المذكورة وأقبل أهل الريف إلى القاهرة للفرجة على قدوم السلطان وعلى الزينة فإن الناس كانوا أخرجوا الحلي والجواهر واللآلىء وأنواع الحرير فزينوا بها‏.‏
    ولم ينسلخ شهر رمضان حتى تهيأ أمر القلاع وعمل ناصر الدين محمد بن الشيخي والي القاهرة قلعة بباب النصر فيها سائر أنواع الخد والهزل ونصب عدة أحواض ملأها بالسكر والليمون وأوقف مماليكه بشربات حتى يسقوا العسكر‏.‏
    قلت‏:‏ لو فعل هذا في زماننا والي القاهرة لكان حصل عليه الإنكار بسبب إضاعة المال وقيل له‏:‏ لم لا حملت إلينا ما صرفته فإنه كان أنفع وخيرًا من هذا الفشار وإنما كانت نفوس أولئك غنية وهممهم علية وما كان جل قصدهم إلا إظهار النعمة والتفاخر في الحشم والأسمطة والإنعامات حتى يشاع عنهم ذلك ويذكر إلى الأبد فرحم الله تلك الأيام وأهلها‏!‏‏.‏
    وقدم السلطان إلى القاهرة في يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال وقد خرج الناس إلى لقائه وللفرجة عليه وبلغ كراء البيت الذي يمر عليه السلطان من خمسين درهمًا إلى مائة درهم‏.‏
    فلما وصل السلطان إلى باب النصر ترجل الأمراء كلهم وأول من ترجل منهم الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح وأخذ يحمل سلاح السلطان فأمره السلطان أن يركب لكبر سنه ويحمل السلاح خلفه فامتنع ومشى‏.‏
    وحمل الأمير مبارز الدين سوار الرومي أمير شكار القبة والطير على رأس السلطان وحمل الأمير بكتمر أمير جاندار العصا والأمير سنجر الجمقدار الدبوس ومشى كل أمير في منزلته وفرش كل منهم الشقق من قلعته إلى قلعة غيره التي أنشأوها بالشوارع‏.‏
    وكان السلطان إذا تجاوز قلعة فرشت القلعة المجاورة لها الشقق حتى يمشي عليها بفرسه مشيًا هينًا من غير هرج بسكون ووقار لأجل مشي الأمراء بين يديه‏.‏
    وكان السلطان كلما رأى قلعة أمير أمسك عن المشي ووقف حتى يعاينها ويعرف ما آشتملت عليه هو والأمراء حتى يجبر خاطر فاعلها بذلك‏.‏
    هذا والأمراء من التتار بين يديه مقيدون ورؤوس من قتل منهم معلقة في رقابهم وألف رأس على ألف رمح وعدة الأسرى ألف وستمائة وفي أعناقهم أيضًا ألف وستمائة رأس وطبولهم قدامهم مخرقة‏.‏
    وكانت القلاع التي نصبت أولها قلعة الأمير ناصر الدين ابن الشيخي والي القاهرة بباب النصر ويليها قلعة الأمير علاء الدين مغلطاي أمير مجلس ويليها قلعة آبن أيتمش السعدي ثم يليها قلعة الأمير سنجر الجاولي وبعده قلعة الأمير طغريل الإيغاني ثم قلعة بهادر اليوسفي ثم قلعة سودي ثم قلعة بيليك الخطيري ثم قلعة برلغي ثم قلعة مبارز الدين أمير شكار ثم قلعة أيبك الخازندار ثم قلعة سنقر الأعسر ثم قلعة بيبرس الدوادار ثم قلعة سنقر الكاملي ثم قلعة موسى ابن الملك الصالح ثم قلعة الأمير آل ملك ثم قلعة علم الدين الصوابي ثم قلعة الأمير جمال الدين الطشلاقي ثم قلعة الأمير سيف الدين آدم ثم قلعة الأمير سلار النائب ثم قلعة الأمير بيبرس الجاشنكير ثم قلعة بكتاش أمير سلاح ثم قلعة الطواشي مرشد الخازندار - وكانت قلعته على باب المدرسة المنصورية - ثم بعده قلعة بكتمر أمير جاندار ثم قلعة أيبك البغدادي نائب الغيبة ثم قلعة آبن أمير سلاح ثم قلعة بكتوت الفتاح ثم قلعة تباكر الطغريلي ثم قلعة قلي السلاح دار ثم قلعة لاجين زيرباج الجاشنكير ثم قلعة طيبرس الخازنداري نقيب الجيش ثم قلعة بلبان طرنا ثم قلعة سنقر العلائي ثم قلعة بهاء الدين يعقوبا ثم قلعة الأبوبكري ثم قلعة بهادر العزي ثم قلعة كوكاي ثم قلعة قرا لاجين ثم قلعة كراي المنصوري ثم قلعة جمال الدين آقوش قتال السبع وقلعته كانت على باب زويلة وكان عدتها سبعين قلعة‏.‏
    وعندما وصل السلطان إلى باب البيمارستان المنصوري ببين القصرين نزل ودخل وزار قبر والده الملك المنصور قلاوون وقرأ القراء أمامه ثم ركب إلى باب زويلة ووقف حتى أركب الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح‏.‏
    ثم سار السلطان على شقق الحرير إلى داخل قلعة الجبل‏.‏
    هذا والتهاني في دور السلطان والأمراء وغيرهم قد امتلأت منهم البيوت والشوارع بحيث إن الرجل كان لا يسمع كلام من هو بجانبه إلا بعد جهد وكان يومًا عظيمًا عظم فيه سرور الناس قاطبة لا سيما أهل مصر فإنهم فرحوا بالنصر وأيضًا بسلامة سلطانهم الملك الناصر وأقام الملك الناصر بالديار المصرية إلى سنة ثلاث وسبعمائة فورد عليه الخبر بموت غازان بمدينة الري وقام بعده أخوه خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو في ثالث عشر شوال وجلس خربندا على تخت الملك في ثالث عشر ذي الحجة وتلقب غياث الدين محمدًا وكتب إلى السلطان بجلوسه وطلب الصلح وإخماد الفتنة‏.‏
    ثم في السنة آستأذن الأمير سلار نائب السلطنة في الحج فأذن له فحج كما حج الأمير بيبرس الجاشنكير في السنة الماضية اثنتين وسبعمائة إلا أن سلار صنع من المعروف في هذه السنة والإحسان إلى أهل مكة والمجاورين وغيرهم وعاد ثم حج الأمير بيبرس الجاشنكير ثانيًا في سنة أربع وسبعمائة‏.‏
    وورد الخبر على السلطان الملك الناصر بقدوم رجل من بلاد التتار إلى دمشق يقال له الشيخ براق في تاسع جمادى الأولى ومعه جماعة من الفقراء نحو المائة لهم هيئة عجيبة على رأسهم كلاوت لباد مقصص بعمائم فوقها وفيها قرون من لباد يشبه قرون الجواميس وفيها أجراس ولحاهم محلقة دون شواربهم ولبسهم لبابيد بيض وقد تقلدوا بحبال منظومة بكعاب البقر وكل منهم مكسور الثنية العليا وشيخهم من أبناء الأربعين سنة وفيه إقدام وجرأة وقوة نفس وله صولة ومعه طبلخاناه تدق له نوبة وله محتسب على جماعته يؤدب كل من يترك شيئًا من سنته بضرب عشرين عصا تحت رجليه وهو ومن معه ملازمون التعبد والصلاة وأنه قيل له عن زيه فقال‏:‏ أردت أن أكون مسخرة الفقراء‏.‏
    وذكر أن غازان لما بلغه خبره استدعاه وألقى عليه سبعًا ضاريًا فركب على ظهر السبع ومشى به فجل في عين قازان ونثر عليه عشرة آلاف دينار وأنه عندما قدم دمشق كان النائب بالميدان الأخضر فدخل عليه وكان هناك نعامة قد تفاقم ضررها وشرها ولم يقدر أحد على الدنو منها فأمر النائب بإرسالها عليه فتوجهت نحوه فوثب عليها وركبها فطارت به في الميدان قدر خمسين ذراعًا في الهواء حتى دنا من النائب وقال له‏:‏ أطير بها إلى فوق شيئًا آخر فقال له النائب‏:‏ لا وأنعم عليه وهاداه الناس فكتب السلطان بمنعه من القدوم إلى الديار المصرية فسار إلى القدس ثم رجع إلى بلاده‏.‏
    وفي فقرائه يقول سراج الدين عمر الوراق من موشحة طويلة أولها‏:‏ جتنا عجم من جوا الروم صور تحير فيها الأفكار لها قرون مثل التيران إبليس يصيح منهم زنهار وقد ترجمنا براق هذا في تاريخنا المنهل الصافي بأوسع من هذا انتهى‏.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء سبتمبر 24, 2024 4:20 am