منتديات الحزين فلسطين

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات الحزين فلسطين

مرحبا بكم في منتديات الحزين فلسطين


    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون Empty السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:25 pm

    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون




    الثانية على مصر وهي سنة أربع وسبعمائة‏.‏
    فيها توجه الأمير بيبرس الجاشنكير إلى الحجاز مرة ثانية ومعه علاء الدين أيدغدي الشهرزوري رسول ملك الغرب والأمير بيبرس المنصوري الدوادار والأمير بهاء الدين يعقوبًا وجماعة كثيرة من الأمراء وخرج ركب الحاج في عالم كثير من الناس مع الأمير عز الدين أيبك الخازندار زوج بنت الملك الظاهر بيبرس‏.‏
    وفيها ظهر في معدن الزمرد قطعة زنتها مائة وخمسة وسبعون مثقالًا فأخفاها الضامن ثم حملها إلى بعض الملوك فدفع فيها مائة ألف وعشرين ألف درهم فأبى أن يبيعها فأخذها الملك منه غصبًا وبعث بها إلى السلطان فمات الضامن غمًا‏.‏
    وفيها توفي القاضي فتح الدين أحمد بن محمد بن سلطان القوصي الشافعي وكيل بيت المال بقوص وأحد أعيانها‏.‏
    كان من الرؤساء ومات بها في حادي عشر المحرم‏.‏
    وفيها توفي القاضي زين الدين أحمد ابن الصاحب فخر الدين محمد ابن الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم بن حنا في ليلة الخميس ثامن صفر وكان فقيهًا فاضلًا متدينًا وافر الحرمة‏.‏
    وفيها توفي شمس الدين أحمد بن علي بن هبة الله بن السديد الإسنائي خطيب إسنا ونائب الحكم بها وبأدفو وقوص في شهر رجب وكانت قد آنتهت إليه رياسة الصعيد وبنى بقوص مدرسة وكان قوي النفس كثير العطاء مهابًا ممدوحًا يبذل في بقاء رياسته الآلاف الكثيرة يقال إنه بذل في نيابة الحكم بالصعيد مائتي ألف وصادره الأمير كراي المنصوري وأخذ منه مائة وستين ألف درهم فقدم القاهرة ومات بها‏.‏
    وفيها توفي الأمير بيبرس الموفقي المنصوري أحد الأمراء بدمشق بها في يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة مخنوقًا وهو سكران‏.‏
    نسأل الله حسن الخاتمة بمنه وكرمه‏.‏
    وفيها توفي الأمير الشريف عز الدين جماز بن شيحة أمير المدينة وقد تقدم في الماضية‏.‏
    والأصح أنه في هذه السنة‏.‏
    وفيها توفي الأمير شمس الدين محمد آبن الصاحب شرف الدين إسماعيل بن أبي سعيد بن التيتي الآمدي أحد الأمراء ونائب دار العدل بقلعة الجبل كان رئيسًا فاضلًا‏.‏
    وفيها توفي الأمير مبارز الدين سوار الرومي المنصوري أمير شكار وكان من أعيان الأمراء وفيه شجاعة وحشمة ورياسة وكان معظمًا في الدول‏.‏
    وفيها توفي الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله المنصوري المعروف بسمز أعني سمينًا مقتولًا بأيدي عرب الشام بعد أن قتل منهم مقتلة كبيرة‏.‏
    أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأصابع‏.‏
    مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا وكان الوفاء رابع توت‏.‏
    السنة الثامنة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة خمس وسبعمائة‏.‏
    فيها قدمت هدية الملك المؤيد هزبر الدين داود صاحب اليمن فوجدت قيمتها أقل من العادة فكتب بالإنكار عليه والتهديد‏.‏
    وفيها آستسقى أهل دمشق لقلة الغيث فسقوا بعد ذلك ولله الحمد‏.‏
    وفيها توفي خطيب دمشق شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباغ الفزاري الفقيه المقرىء النحوي المحدث الشافعي في شوال عن خمس وسبعين سنة‏.‏
    وفيها توفي الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي الشافعي أحد الأئمة الأعلام والحفاظ والثقات‏.‏
    مولده في سنة ثلاث عشرة وستمائة بتونة وهي بلدة في بحيرة تنيس من عمل دمياط وقيل في سنة عشر وستمائة وآشتغل بدمياط وحفظ التنبيه في الفقه وسمع بها وبالقاهرة من الحافظ عبد العظيم المنذري وأخذ عنه علم الحديث وقرأ القرآن بالروايات وبرع في عدة فنون وسمع من خلائق آستوعبنا أسماء غالبهم في ترجمته في المنهل الصافي‏.‏
    ورحل إلى الحجاز ودمشق وحلب وحماة وبغداد وحدث وسمع منه خلائق مثل اليوبيني والقونوي والمزي وأبي حيان والبرزالي والذهبي وابن سيد الناس وخلق سواهم وصنف مصنفات كثيرة ذكرنا غالبها في المنهل الصافي وله كتاب فضل الخيل وقد سمعت أنا هذا الكتاب بقراءة الحافظ قطب الدين الخيضري في أربعة مجالس آخرها في سلخ شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة بالقاهرة في منزل المسمع بحارة برجوان على الشيخ الإمام العلامة مؤرخ الديار المصرية تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي بسماعه جميعه على الشيخ ناصر الدين محمد بن علي بن الطبردار الحراوي بسماعه جميعه على الشيخ مؤلفه الحافظ شرف الدين الدمياطي صاحب الترجمة - رحمه الله - وكانت وفاته فجأة بالقاهرة‏:‏ بعد أن صلى العصر غشي عليه في موضعه فحمل إلى منزله فمات من ساعته في يوم الأحد خامس عشر ذي القعدة‏.‏
    ومن شعره‏:‏ روينا بإسناد عن آبن مغفل حديثًا شهيرًا صح من علة القدح بأن رسول الله حين مسيره لثامنة وافته من ليلة الفتح وفيها توفي الملك الأوحد وقيل الزاهر تقي الدين شادي آبن الملك الزاهر مجير الدين داود آبن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه الصغير ابن الأمير ناصر الدين محمد آبن الملك المنصور أسد الدين شيركوه الكبير آبن شادي بن مروان الأيوبي في ثالث صفر وهو يوم ذاك أحد أمراء دمشق‏.‏
    وفيها توفي المسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الحراني الحنبلي‏.‏
    مولده بحران سنة ثماني عشرة وستمائة وسمع من آبن روزبة والمؤتمن بن قميرة وسمع بمصر من ابن الجميزي وغيره وتفرد بأشياء وكان فيه دعابة ودين وتلا بمكة ألف ختمة‏.‏
    وفيها توفي قاضي قضاة الشافعية بحلب شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام بها في أول جمادى وفيها توفي الشيخ الإمام شرف الدين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن عبد العزيز الجذامي الإسكندراني المالكي شيخ القراءات بها في هذه السنة وكان إمامًا عالمًا بالقراءات وله مشاركة في فنون‏.‏
    رحمه الله‏.‏
    أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم لم يحرر وزاد البحر حتى بلغ ثماني أذرع ونصفًا ثم توقف إلى ثامن مسري ثم زاد حتى أوفى في رابع توت‏.‏
    وبلغ ست عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏
    السنة التاسعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة ست وسبعمائة‏.‏
    فيها وقع بين الأميرين‏:‏ علم الدين سنجر البرواني وسيف الدين الطشلاقي على باب قلعة الجبل مخاصمة بحضرة الأمراء لأجل آستحقاقهما في الإقطاعات لأن الطشلاقي نزل على إقطاع البرواني وكان كل منهما في ظلم وعسف‏.‏
    والبرواني من خواص بيبرس الجاشنكير والطشلاقي من ألزام سلار لأنه خشداشه كلاهما مملوك الملك الصالح علي ابن الملك المنصور قلاوون - ومات في حياة والده قلاوون - فسطا الطشلاقي على البرواني وسفه عليه فقام البرواني إلى بيبرس وآشتكى منه فطلبه بيبرس وعنفه فأساء الطشلاقي في رد الجواب وأفحش في حق البرواني وقال‏:‏ أنت واحد منفي تجعل نفسك مثل مماليك السلطان‏!‏ فاستشاط بيبرس غضبًا وقام ليضربه فجرد الطشلاقي سيفه يريد ضرب بيبرس فقامت قيامة بيبرس وأخذ سيفه ليضربه فترامى عليه من حضر من الأمراء وأمسكوه عنه وأخرجوا الطشلاقي من وجهه بعدما كادت مماليك بيبرس وحواشيه تقتله بالسيوف وفي الوقت طلب بيبرس الأمير سنقر الكمالي الحاجب وأمر بنفي الطشلاقي إلى دمشق فخشي سنقر من النائب سلار ودخل عليه وأخبره فأرسل سلار جماعة من أعيان الأمراء إلى بيبرس وأمرهم بملاطفته حتى يرضى عن الطشلاقي وأن الطشلاقي يلزم داره فلما سمع بيبرس ذلك من الذين حضروا صرخ فيهم وحلف إن بات الطشلاقي الليلة بالقاهرة عملت فتنة كبيرة فعاد الحاجب وبلغ سلار ذلك فلم يسعه إلا السكوت لأنهما أعني بيبرس وسلار كانا غضبا على الملك الناصر محمد وتحقق كل منهما متى وقع بينهما الخلف وجد الملك الناصر طريقًا لأخذهما واحدًا بعد واحد فكان كل من بيبرس وسلار يراعي الآخر وقد اقتسما مملكة مصر وليس للناصر معهما إلا مجرد الاسم في السلطنة فقط‏.‏
    انتهى‏.‏
    وأخرج الطشلاقي من وقته وأمر سلار الحاجب بتأخيره في بلبيس حتى يراجع بيبرس في أمره فعندما اجتمع سلار مع بيبرس في الخدمة السلطانية من الغد بدأ بيبرس سلار بما كان من الطشلاقي في حقه من الإساءة وسلار يسكنه ولا يسكن بل يشتد فأمسك سلار عن الكلام على حقد في الباطن وصار السلطان يريد إثارة الفتنة بينهما فلم يتم له ذلك‏.‏
    وتوجه الطشلاقي إلى الشام منفيًا‏.‏
    وفيها قدم البريد على الملك الناصر من حماة بمحضر ثابت على القاضي بأن ضيعة تعرف ببارين بين جبلين فسمع للجبلين في الليل قعقعة عظيمة فتسارع الناس في الصباح إليهما وإذا أحد الجبلين قد قطع الوادي وآنتقل منه قدر نصفه إلى الجبل الأخر والمياه فيما بين الجبلين تجري في الوادي فلم يسقط من الجبل المنتقل شيء من الحجارة ومقدار النصف المنتقل من الجبل مائة ذراع وعشر أذرع ومسافة الوادي الذي قطعه هذا الجبل مائة ذراع وأن قاضي حماة خرج بالشهود حتى عاين ذلك وكتب به محضرًا‏.‏
    فكان هذا من الغرائب‏.‏
    وفيها وقعت الوحشة بين بيبرس الجاشنكير وسلار بسبب كاتب بيبرس التاج ابن سعيد الدولة فإنه كان أساء السيرة ووقع بين هذا الكاتب المذكور وبين الأمير سنجر الجاولي وكان الجاولي صديقًا لسلار إلى الغايه فقام بيبرس في نصرة كاتبه وقام سلار في نصرة صاحبه الجاولي ووقع بينهما بسبب ذلك أمور وكان بيبرس من عادته أنه يركب لسلار عند ركوبه وينزل عند نزوله فمن يومئذ لم يركب معه وكادت الفتنة أن تقع بينهما ثم استدركا أمرها خوفًا من الملك الناصر وآصطلحا بعد أمور يطول شرحها وتكلما في أمر الوزر ومن يصلح لها فعين سلار كاتب بيبرس التاج ابن سعيد الدولة المقدم ذكره تقربًا لخاطر بيبرس بذلك فقال بيبرس‏:‏ ما يرضى فقال سلار‏:‏ دعني وإياه فقال بيبرس‏:‏ دونك وتفرقا‏.‏
    فبعث سلار للتاج المذكور وأحضره فلما دخل عليه عبس وجهه وصاح بإزعاج‏:‏ هاتوا خلعة الوزارة فأحضروها وأشار إلى تاج الدولة المذكور بلبسها فتمنع فصرخ فيه وحلف لئن لم يلبسها ضرب عنقه فخاف الإخراق به لما يعلمه بغض سلار له فلبس التشريف وكان ذلك يوم الخميس خامس عشر المحرم من السنة وقبل يد سلار فبش في وجهه ووصاه وخرج تاج الدولة بخلعة الوزارة من دار النيابة بقلعة الجبل إلى قاعة الصاحب بها وبين يديه النقباء والحجاب وأخرجت له دواة الوزارة والبغلة فعلم على الأوراق وصرف الأمور إلى بعد العصر ثم نزل إلى داره‏.‏
    وهذا كله بعد أن أمسك بيبرس سنجر الجاولي وصادره ثم نفاه إلى دمشق على إمرة طبلخاناه وولى مكانه أستادارًا الأمير أيدمر الخطيري صاحب الجامع ببولاق‏.‏
    وفيها توفي الصاحب شهاب الدين أحمد بن أحمد بن عطاء الله الأذرعي الدمشقي الحنفي محتسب دمشق ووزيرها وكان رئيسًا فاضلًا حسن السيرة‏.‏
    وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله الطويل الخازندار المنصوري في حادي عشر شهر ربيع الأول بدمشق وكان دينًا كثير البر والصدقات والمعروف‏.‏
    وفيها توفي الأمير بدر الدين بكتاش بن عبد الله الفخري الصالحي النجمي أمير سلاح‏.‏
    أصله من مماليك الأمير فخر الدين يوسف ابن نجم الدين أيوب فترقى في الخدم حتى صار من أكابر الأمراء وغزا غير مرة وعرف بالخير وعلو الهمة وسداد الرأي وكثرة المعروف‏.‏
    ولما قتل الملك المنصور لاجين أجمعوا على سلطنته فامتنع وأشار بعود السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وبعدها ترك الإمرة في حال مرضه الذي مات فيه‏.‏
    رحمه الله تعالى‏.‏
    وفيها توفي الأمير سيف الدين كاوركا المنصوري أحد أعيان الأمراء بالديار المصرية‏.‏
    وفيها توفي الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصوري وكان ولي نيابة قلعة صفد وشد دواوين دمشق ثم نيابة قلعتها ثم نقل إلى نيابة حمص فمات بها وكان مشكور السيرة‏.‏
    وفيها توفي القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله بن مجلي العمري الدمشقي أخو كاتب السر القاضي شرف الدين عبد الوهاب ومحيي الدين يحيى وقد جاوز سبعين سنة‏.‏
    وهذا أول بدر الدين من بني فضل الله ويأتي ذكر ثان وثالث والثالث هو كاتب السر بمصر‏.‏
    وفيها توفي الأمير فارس الدين أصلم الردادي في نصف ذي القعدة وكان رئيسًا حشيمًا من وفيها توفي الأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزوري بالقاهرة في سابع عشر ذي الحجة وكان أميرًا حشيمًا شجاعًا وهو من حواشي بيبرس الجاشنكير‏.‏
    وفيها توفي الطواشي عز الدين دينار العزيزي الخازندار الظاهري في يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول وكان دينًا خيرًا كثير الصدقات والمعروف‏.‏
    وفيها توفي ملك الغرب الناصر أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني وثب عليه سعادة الخصي أحد مواليه في بعض حجره وقد خضب رجليه بالحناء وهو مستلق على قفاه فطعنه طعنات قطع بها أمعاءه وخرج فأدرك وقتل ومات السلطان من جراحه في آخر يوم الأربعاء سابع ذي القعدة وأقيم بعده في الملك أبو ثابت عامر ابن الأمير أبي عامر عبد الله ابن السلطان أبي يعقوب - هذا أعني حفيده‏.‏
    وكان مدة ملكه إحدى وعشرين سنة‏.‏
    وفيها توفي الطواشي شمس الدين صواب السهيلي بالكرك عن مائة سنة وكان مشكور السيرة‏.‏
    وفيها توفي الشيخ ضياء الدين عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي الفقيه الشافعي بدمشق في تاسع عشرين جمادى الأولى وكان فقيهًا نحويًا مصنفًا‏.‏
    شرح ‏"‏ الحاوي ‏"‏ في الفقه و ‏"‏ مختصر ابن الحاجب ‏"‏ وغير ذلك‏.‏
    الماء القديم أربع أذرع وعدة أصابع‏.‏
    مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وسبع أصابع وكان الوفاء في رابع عشر مسري‏.‏
    السنة العاشرة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة سبع وسبعمائة‏.‏
    فيها ورد الخبر عن ملك اليمن هزبر الدين داود بأمور تدل على عصيانه فكتب السلطان والخليفة بالإنذار ثم رسم السلطان للأمراء أن يعمل كل أمير مركبًا يقال لها‏:‏ جلبة وعمارة قياسة يقال لها‏:‏ فلوة برسم حمل الأزواد وغيرها لغزو بلاد اليمن‏.‏
    وفيها عمر الأمير بيبرس الجاشنكير الخانقاه الركنية داخل باب النصر موضع دار الوزارة برحبة باب العيد من القاهرة ووقف عليها أوقافًا جليلة ومات قبل فتحها فأغلقها الملك الناصر في سلطنته الثالثة مدة ثم أمر بفتحها ففتحت‏.‏
    وفيها عمر الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصغير نائب دمشق جامعًا بالصالحية وبعث يسأل في أرض يوقفها عليه فأجيب إلى ذلك‏.‏
    وفيها وقع الاهتمام على سفر اليمن وعول الأمير سلار أن يتوجه إليها بنفسه خشية من السلطان الملك الناصر وذلك بعد أن أراد السلطان القبض عليه وعلى بيبرس الجاشنكير عندما اتفق السلطان مع بكتمر الجوكندار وقد تقدم ذكر ذلك كله في أصل هذه الترجمة وأيضًا أنه شق عليه ما صار إليه بيبرس الجاشنكير من القوة والاستظهار عليه بكثرة خشداشيته البرجية والبرجية كانت يوم ذاك مثل مماليك الأطباق الآن وصار غالب البرجية أمراء فآشتدت شوكة بيبرس بهم بحيث إنه أخرج الأمير سنجر الجاولي وصادره بغير آختيار سلار وعظمت مهابته وآنبسطت يده بالتحكم وانفرد بالركوب في جمع عظيم وقصد البرجية في نوبة بكتمر الجوكندار إخراج الملك الناصر محمد إلى الكرك وسلطنة بيبرس لولا ما كان من منع سلار لسياسة وتدبير كانا فيه‏.‏
    فلما وقع ذلك كله خاف سلار عواقب الأمور من السلطان ومن بيبرس وتحيل في الخلاص من ذلك بأنه يحج في جماعته ثم يسير إلى اليمن فيملكها ويمتنع بها ففطن بيبرس لهذا فدس عليه جماعة من الأمراء من أثنى عزمه عن ذلك ثم آقتضى الرأي تأخير السفر حتى يعود جواب صاحب اليمن‏.‏
    وفيها حبس تقي الدين بن تيمية بعد أمور وقعت له‏.‏
    وفيها توفي الأمير عز الدين أيدمر السناني بدمشق وكان فاضلًا وله شعر وخبرة بتفسير المنامات‏.‏
    ومن شعره‏:‏ تجد النسيم إلى الحبيب رسولا دنف حكاه رقة ونحولا تجري العيون من العيون صبابة فتسيل في إثر الغريق سيولا وتقول من حسد له‏:‏ يا ليتني كنت آتخذت مع الرسول سبيلا وفيها توفي الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي المعروف بالجالق والجالق باللغة التركية‏:‏ آسم للفرس الحاد المزاج الكثير اللعب وكان أحد البحرية وكبير الأمراء بدمشق ومات في نصف جمادى الأولى بمدينة الرملة عن نحو الثمانين سنة وكان دينًا فيه مروءة وخير‏.‏
    وجالق بفتح الجيم وبعد الألف لام مكسورة وقاف ساكنة‏.‏
    وفيها توفي الأمير الطواشي شهاب الدين فاخر المنصوري مقدم المماليك السلطانية وكانت له سطوة ومهابة على المماليك السلطانية بحيث إنه كان لا يستجرىء أحد منهم أن يمر من بين يديه كائنًا من كان بحاجة أو بغير حاجة وحيثما وقع بصره عليه أمر بضربه‏.‏
    قلت‏:‏ لله در ذلك الزمان وأهله‏!‏ ما كان أحسن تدبيرهم وأصوب حدسهم من جودة تربية صغيرهم وتعظيم كبيرهم‏!‏ حتى ملكوا البلاد ودانت لهم العباد وآستجلبوا خواطر الرعية فنالوا الرتب السنية‏.‏
    وأما زماننا هذا فهو بخلاف ذلك كله فالمقدم مؤخر والصغير متنمر والقلوب متنافرة والشرور متظاهرة وإن شئت تعلم صدق مقالتي حرك تر‏.‏
    انتهى‏.‏
    وفيها توفي المعتقد عمر بن يعقوب بن أحمد السعودي في جمادى الآخرة‏.‏
    وفيها توفي الشيخ فخر الدين عثمان بن جوشن السعودي في يوم الأربعاء من شهر رجب وكان رجلًا صالحًا معتقدًا‏.‏
    وفيها توفي الصاحب تاج الدين محمد آبن الصاحب فخر الدين محمد آبن الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم بن حنا ومولده في تاسع شعبان سنة أربعين وستمائة وجده لأمه الوزير شرف الدين صاعد الفائزي‏.‏
    وكانت له رياسة ضخمة وفضيلة ومات بالقاهرة في يوم السبت خامس جمادى الآخرة‏.‏
    أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست أصابع‏.‏
    مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبع واحدة‏.‏
    السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة ثمان وسبعمائة وهي التي خلع فيها الملك الناصر المذكور من ملك مصر وأقام فيها أفرج عن الملك المسعود خضر ابن الملك الظاهر بيبرس البندقداري من البرج بقلعة الجبل وأسكن بدار الأمير عز الدين الأفرم الكبير بمصر وذلك في شهر ربيع الأول‏.‏
    وفيها كان خروج الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة من القاهرة قاصدًا الحج وسار إلى الكرك وخلع نفسه‏.‏
    وفيها توفي الشيخ علم الدين إبراهيم بن الرشيد بن أبي الوحش رئيس الأطباء بالديار المصرية والبلاد الشامية وكان بارعًا في الطب محظوظًا عند الملوك ونالته السعادة من ذلك حتى إنه لما مات خلف ثلاثمائة ألف دينار غير القماش والأثاث‏.‏
    وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك الشجاعي الأشقر شاد الدواوين بالقاهرة في المحرم‏.‏
    وفيها توفي الأمير علاء الدين ألطبرس المنصوري والي باب القلعة والملقب بالمجنون المنسوب إليه العمارة فوق قنطرة المجنونة على الخليج الكبير خارج القاهرة عمرها للشيخ شهاب الدين العابر ولفقرائه وعقدها قبوًا‏.‏
    وفي ذلك يقول علم الدين ابن الصاحب‏:‏ ولقد عجبت من الطبرس وصحبه وعقولهم بعقوده مفتونه عقدوه عقدًا لا يصح لأنهم عقدوا لمجنون على مجنونه وكان ألطبرس المذكور عفيفًا دينًا غير أنه كان له أحكام قراقوشية من تسلطه على النساء ومنعهن من الخروج إلى الأسواق وغيرها وكان يخرج أيام الموسم إلى القرافة وينكل بهن فامتنعن من الخروج في زمانه إلا لأمر مهم مثل الحمام وغيره‏.‏
    وفيها توفي الأمير عز الدين أيدمر الرشيدي أستادار الأمير سلار نائب السلطنة بالديار المصرية في تاسع عشر شوال وكان عاقلًا رئيسًا وله ثروة واسعة وجاه عريض‏.‏
    وفيها توفي الشيخ المعتقد عبد الغفار بن أحمد بن عبد المجيد بن نوح القوصي القائم بخراب الكنائس بقوص وغيرها في ليلة الجمعة سابع ذي القعدة وكان له أتباع ومريدون وللناس فيه آعتقاد‏.‏
    وفيها توفي ظهير الدين أبو نصر بن الرشيد بن أبي السرور بن أبي النصر السامري الدمشقي الكاتب في حادي عشرين شهر رمضان بدمشق ومولده سنة آثنتين وعشرين وستمائة كان أولًا سامريًا ثم أسلم في أيام الملك المنصور قلاوون وتنقل في الخدم حتى ولي نظر جيش دمشق إلى أن مات‏.‏
    أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع‏.‏
    مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبع واحدة مثل السنة الماضية‏.‏
    السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصوري الجاشنكير أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون البرجية وكان جركسي الجنس ولم نعلم أحدًا ملك مصر من الجراكسة قبله إن صح أنه كان جركسيًا‏.‏
    وتأمر في أيام أستاذه المنصور قلاوون وبقي على ذلك إلى أن صار من أكابر الأمراء في دولة الملك الأشرف خليل بن قلاوون‏.‏
    ولما تسلطن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد قتل أخيه الأشرف خليل صار بيبرس هذا أستادارًا إلى أن تسلطن الملك العادل زين الدين كتبغا عزله عن الأستادارية بالأمير بتخاص وقيل‏:‏ إنه قبض على بيبرس هذا وحبسه مدة ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية‏.‏
    واستمر على ذلك حتى قتل الملك المنصور حسام الدين لاجين فكان بيبرس هذا أحد من أشار بعود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الملك‏.‏
    فلما عاد الناصر إلى ملكه تقرر بيبرس هذا أستادارًا على عادته وسلار نائبًا فأقاما على ذلك سنين إلى أن صار هو وسلار كفيلي الممالك الشريفة الناصرية والملك الناصر محمد معهما آلة في السلطنة إلى أن ضجر الملك الناصر منهما وخرج إلى الحج فسار إلى الكرك وخلع نفسه من الملك‏.‏
    وقد ذكرنا ذلك كله في ترجمة الملك الناصر محمد‏.‏
    فعند ذلك وقع الاتفاق على سلطنة بيبرس هذا بعد أمور نذكرها فتسلطن وجلس على تخت الملك في يوم السبت الثالث والعشرين من شوال من سنة ثمان وسبعمائة‏.‏
    وهو السلطان الحادي عشر من ملوك الترك والسابع ممن مسهم الرق والأول من الجراكسة إن صح أنه جركسي الجنس ودقت البشائر وحضر الخليفة أبو الربيع سليمان وفوض إليه تقليد السلطنة وكتب له عهدًا وشمله بخطه وكان من جملة عنوان التقليد‏:‏ ‏"‏ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏‏.‏
    ثم جلس الأمير بتخاص والأمير قلي والأمير لاجين الجاشنكير لاستحلاف الأمراء والعساكر فحلفوا الجميع وكتب بذلك إلى الأقطار‏.‏
    والآن نذكر ما وعدنا بذكره من سبب سلطنة بيبرس هذا مع وجود سلار وآقوش قتال السبع وهما أكبر منه وأقدم وأرفع منزلة فنقول‏:‏ لما خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية إلى الحج ثم ثنى عزمه عن الحج وتوجه إلى الكرك خلع نفسه فلما حضر كتابه الثاني بتركه السلطنة - وقد تقدم ذكر ذلك في أواخر ترجمة الناصر بأوسع من هذا - أثبت الكتاب على القضاة‏.‏
    فلما أصبح نهار السبت الثالث والعشرين من شوال جلس الأمير سلار النائب بشباك دار النيابة بالقلعة وحضر إلى عنده الأمير بيبرس الجاشنكير هذا وسائر الأمراء وآشتوروا فيمن يلي السلطنة فقال الأمير آقوش قتال السبع والأمير بيبرس الدوادار والأمير أيبك الخازندار وهم أكابر الأمراء المنصورية‏:‏ ينبغي آستدعاء الخليفة والقضاة وإعلامهم بما وقع فخرج الطلب لهم وحضروا وقرىء عليهم كتاب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وشهد عند قاضي القضاة زين الدين بن مخلوف الأميران‏:‏ عز الدين أيدمر الخطيري والأمير الحاج آل ملك ومن كان توجه معهم إلى الكرك في الرسلية بنزول الملك الناصر عن الملك وتركه ‏"‏ مملكة مصر والشام فأثبت ذلك‏.‏
    وأعيد الكلام فيمن يصلح للسلطنة من الأمراء فأشار الأمراء الأكابر بالأمير سلار فقال سلار‏:‏ نعم على شرط‏:‏ كل ما أشير به لا تخالفوه‏.‏
    وأحضر المصحف وحلفهم على موافقته وألا يخالفوه في شيء فقلق البرجية من ذلك ولم يبق إلا إقامتهم الفتنة فكفهم الله عن ذلك وآنقضى الحلف فعند ذلك قال الأمير سلار‏:‏ والله يا أمراء أنا ما أصلح للملك ولا يصلح له إلا أخي هذا وأشار إلى بيبرس الجاشنكير ونهض قائمًا إليه فتسارع البرجية بأجمعهم‏:‏ صدق الأمير سلار وأخذوا بيد الأمير بيبرس وأقاموه كرهًا وصاحوا بالجاويشية فصرخوا بآسمه وكان فرس النوبة عند الشباك فألبسوه تشريف السلطنة الخليفتي وهي فرجية أطلس سوداء وطرحة سوداء وتقلد بسيفين ومشى سلار والأمراء بين يديه من عند سلار من دار النيابة بالقلعة وهو راكب وعبر من باب القلعة إلى الإيوان بالقلعة وجلس على تخت الملك وهو يبكي بحيث يراه الناس وذلك في يوم السبت المذكور ولقب بالملك المظفر وقبل الأمراء الأرض بين يديه طوعًا وكرهًا ثم قام إلى القصر وتفرق الناس بعد ما ظنوا كل الظن من وقوع الفتنة بين وقيل في سلطنته وجه آخر وهو أنه لما آشتوروا الأمراء فيمن يقوم بالملك فاختار الأمراء سلار لعقله وآختار البرجية بيبرس فلم يجب سلار إلى ذلك وآنفض المجلس وخلا كل من أصحاب بيبرس وسلار بصاحبه وحسن له القيام بالسلطنة وخوفه عاقبة تركها وأنه متى ولي غيره لا يوافقونه بل يقاتلونه‏.‏
    وبات البرجية في قلق خوفًا من ولاية سلار وسعى بعضهم إلى بعض وكانوا أكثر جمعًا من أصحاب سلار وأعدوا السلاح وتأهبوا للحرب‏.‏
    فبلغ ذلك سلار فخشي سوء العاقبة واستدعى الأمراء إخوته وحفدته ومن ينتمي إليه وقرر معهم سرًا موافقته على ما يشير به وكان مطاعًا فيهم فأجابوه ثم خرج في شباك النيابة ووقع نحو مما حكيناه من عدم قبوله السلطنة وقبول بيبرس الجاشنكير هذا وتسلطن حسب ما ذكرناه وتم أمره وآجتمع الأمراء على طاعته ودخلوا إلى الخدمة على العادة في الاثنين خامس عشرين شوال فأظهر بيبرس التغمم بما صار إليه‏.‏
    وخلع على الأمير سلار خلعة النيابة على عادته بعد ما استعفى وطلب أن دون من جملة الأمراء وألح في ذلك حتى قال له الملك المظفر بيبرس‏:‏ إن تكن أنت نائبًا فلا أعمل أنا السلطنة أبدًا فقامت الأمراء على سلار إلى أن قبل ولبس خلعة النيابة‏.‏
    ثم عينت الأمراء للتوجه إلى النواب بالبلاد الشامية وغيرها فتوجه إلى نائب دمشق - وهو الأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير المنصوري - الأمير أيبك البغدادي ومعه آخر يسمى شادي ومعهما كتاب وأمرهما أن يذهبا إلى دمشق ويحلفا نائبه المذكور وسائر الأمراء بدمشق وتوجه إلى حلب الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي وطيبرس الجمدار وعلى يديهما كتاب مثل ذلك وتوجه إلى حماة الأمير سيف الدين بلاط الخوكندار وطيدمر الجمدار وتوجه إلى صفد عز الدين أزدمر الإسماعيلي وبيبرس بن عبد الله وتوجه إلى طرابلس عز الدين أيدمر اليونسي وأقطاي الجمدار‏.‏
    وخطب له بالقاهرة ومصر في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شوال المذكور وتوجه الأمراء المذكورون إلى البلاد الشامية‏.‏
    فلما قرب من سار إلى دمشق خرج النائب آقوش الأفرم ولاقاهما خارج دمشق وعاد بهما فلما قرأ الكتاب بسلطنة بيبرس كاد أن يطير فرحًا لأنه كان خشداش بيبرس وكان أيضًا جاركسي الجنس وكانا يوم ذاك بين الأقراك كالغرباء‏.‏
    بنت دمشق زينة هائلة كما زينت القاهرة لسلطنته‏.‏
    ثم أخرج كتاب السلطان بالحلف وفيه أن يحلفوا ويبعثوا لنا نسخة الأيمان فأجاب جميع الأمراء بالسمع والطاعة وسكت منهم أربعة أنفس ولم يتحدثوا بشيء وهم‏:‏ بيبرس العلائي وبهادر آص وآقجبا الظاهري وبكتمر الحاجب بدمشق فقال لهم الأفرم‏:‏ يا أمراء كل الناس ينتظرون كلامكم فتكلموا فقال بهادر آص‏:‏ نريد الخط الذي كتبه الملك الناصر بيده وفيه عزل نفسه فأخرج النائب خط الملك الناصر فرآه بهادر ثم قال‏:‏ يا مولانا ملك الأمراء لا تستعجل فممالك الشام فيها أمراء غيرنا مثل الأمير قرا سنقر نائب حلب وقبجق نائب حماة وأسندمر نائب طرابلس وغيرهم فنرسل إليهم ونتفق معهم على المصلحة فإذا شاورناهم تطيب خواطرهم وربما يرون من المصلحة ما لا نرى نحن ثم قام بهادر المذكور وخرج فخرجت الأمراء كلهم في أثره فقال الأمير أيبك البغدادي القادم من مصر للأفرم‏:‏ لو مسكت بهادر آص لا نصلح الأمر على ما نريد‏!‏ فقال له الأفرم‏:‏ والله العظيم لو قبضت عليه لقامت فتنة عظيمة تروح فيها روحك وتغيير الدول يا أيبك ما هو هين‏!‏ وأنا ما أخاف من أمراء الشام من أحد إلا من قبجق المنصوري فإنه ربما يقيم فتنة من خوفه على روحه‏.‏
    قلت‏:‏ وقبجق هذا هو الذي كان نائب دمشق في أيام المنصور لاجين وتوجه إلى غازان وأقدمه إلى الشام‏.‏
    وقد تقدم ذكر ذلك كله‏.‏
    ولما كان اليوم الثاني طلب الأفرم هؤلاء الأمراء الأربعة وآختلى بهم وقال لهم‏:‏ اعلموا أن هذا أمر انقضى ولم يبق لنا ولا لغيرنا فيه مجال وأنتم تعلمون أن كل من يجلس على كرسي مصر كان هو السلطان ولو كان عبدًا حبشيًا فما أنتم بأعظم من أمراء مصر وربما يبلغ هذا إليه فيتغير قلبه عليكم ولم يزل يتلاطف بهم حتى حلفوا له فلما حلفوا حلف باقي الأمراء وخلع الأفرم على جميع الأمراء والقضاة خلعًا سنية وكذلك خلع على الأمير أيبك البغدادي وعلى رفيقه شادي وأعطاهما ألفي دينار وزودهما وردهما في أسرع وقت‏.‏
    وكتب معهما كتابًا يهنىء بيبرس بالملك ويقول‏:‏ عن قريب تأتيك نسخة الأيمان‏.‏
    وقدما القاهرة وأخبرا الملك المظفر بيبرس بذلك فسر وآنشرح صدره بذلك‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون Empty رد: السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:26 pm

    يتـبــــــــــــــع



    ثم إن الأفرم نائب الشام أرسل إلى قرا سنقر وإلى قبجق شخصًا من مماليكه بصورة الحال فأما قراسنقر نائب حلب فإنه لما سمع الواقعة وقرأ كتاب الأفرم قال‏:‏ أيش الحاجة إلى مشاورتنا‏!‏ أستاذك بعثك بعد أن حلف وكان ينبغي أن يتأنى في ذلك وأما قبجق نائب حماة فإنه لما قرأ كتاب الأفرم قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أيش جرى على آبن أستاذنا حتى عزل نفسه‏!‏ والله لقد دبرتم أنحس تدبير هذه والله نوبة لاجين‏.‏
    ثم قال لمملوك الأفرم‏:‏ اذهب إلى أستاذك وقل له‏:‏ الآن بلغت مرادك وسوف تبصر من يصبح ندمان وفي أمره حيران‏!‏ وكذلك لما بعث الأفرم لأسندمر نائب طرابلس فلما قرأ كتابه أطرق رأسه إلى الأرض ثم قال‏:‏ أذهب لأستاذك وقل له‏:‏ يا بعيد الذهن وقليل العلم بعد أن دبرت أمرًا فما الحاجة إلى مشاورتنا‏!‏ فوالله ليكونن عليك أشأم التدبير وسيعود وباله عليك ولم يكتب له جوابًا‏.‏
    وأما قرا سنقر نائب حلب فإنه أرسل إلى قبجق وإلى أسندمر يعلمهما أن الأفرم حلف عساكر دمشق على طاعة بيبرس ولا نأمن أن يعمل الأفرم علينا فهلموا نجتمع في موضع واحد فنتشاور ونرى أمرًا يكون فيه المصلحة فاتفقوا الجميع على أن يجتمعوا في حلب عند قرا سنقر وعينوا ليلة يكون اجتماعهم فيها‏.‏
    فأما قبجق فإنه ركب إلى الصيد بمماليكه خاصة وتصيد إلى الليل فسار إلي حلب‏.‏
    وأما أسندمر أظهر أنه ضعيف وأمر ألا يخلي أحدًا يدخل عليه وفي الليل ركب بمماليكه الذين يعتمد عليهم وقد غيروا ملابسهم وسار يطلب حلب‏.‏
    واجتمع الجميع عند قرا سنقر فقال لهم قرا سنقر‏:‏ ما تقولون في هذه القضية التي جرت‏.‏
    فقال قبجق‏:‏ والله لقد جرى أمر عظيم وإن لم نحسن التدبير نقع في أمور‏!‏ يعزل آبن أستاذنا ويأخذها بيبرس‏!‏ ويكون الأفرم هو مدبر الدولة‏!‏ وهو على كل حال عدونا ولا نأمن شره فقالوا‏:‏ فما نفعل قال‏:‏ الرأي أن نكتب إلى ابن أستاذنا في الكرك ونطلبه إلى حلب ونركب معه فإما نأخذ له الملك وإما أن نموت على خيولنا‏!‏ ففال أسندمر‏:‏ هذا هو الكلام فحلف كل من الثلاثة على هذا الاتفاق ولا يقطع واحد منهم أمرًا إلا بمشورة أصحابه وأنهم يموت بعضهم على بعض ثم إنهم تفرقوا في الليل كل واحد إلى بلده‏.‏
    وأما الأمراء الذين خرجوا من مصر إلى النواب بالبلاد الشامية بالخلع وبسلطنة بيبرس فإنهم لما وصلوا إلى دمشق قال لهم الأفرم‏:‏ أنا أرسلت إليهم مملوكي فردوا علي جوابًا لا يرضى به مولانا السلطان‏.‏
    وكان الأفرم أرسل إلى الملك المظفر بيبرس نسخة اليمين التي حلف بها أمراء دمشق مع مملوكه مغلطاي فأعطاه الملك المظفر إمرة طبلخاناه وخلع عليه وأرسل معه خلعة لأستاذه الأفرم بألف دينار وأطلق له شيئًا كثيرًا كان لبيبرس في الشام قبل سلطنته من الحواصل والغلال فسر الأفرم بذلك غاية السرور ثم قال الأميران اللذان وصلا إلى دمشق للأفرم‏:‏ ما تشير به علينا فقال لهما‏:‏ ارجعا إلى مصر ولا تذهبا إلى هؤلاء فإن رؤوسهم قوية وربما يثيرون فتنة فقالا‏:‏ لا غنى لنا عن أن نسمع كلامهم ثم إنهما ركبا من دمشق وسارا إلى حماة ودخلا على قبجق ودفعا له كتاب الملك المظفر فقرأه ثم قال‏:‏ وأين كتاب الملك الناصر فأخرجا له الكتاب فلما وقف عليه بكى ثم قال‏:‏ من قال إن هذا خط الملك الناصر والله واحد يكون وكيلًا في قرية ما يعزل نفسه منها بطيبة من خاطره‏!‏ ولا بد لهذا الأمر من سبب اذهبا إلى الأمير قرا سنقر فهو أكبر الأمراء وأخبرهم بالأحوال فركبا وسارا إلى حلب واجتمعا بقراسنقر فلما قرأ كتاب المظفر قال‏:‏ يا إخوتي إنا على أيمان آبن أستاذنا لا نخونه ولا نحلف لغيره ولا نواطىء عليه ولا نفسد ملكه فكيف نحلف لغيره‏!‏ والله لا يكون هذا أبدًا ودعوا يجري ما يجري وكل شيء ينزل من السماء تحمله الأرض ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏!‏ فخرجا من عنده وسارا إلى طرابلس ودخلا على أسندمر فقال لهما مثل مقالة قبجق وقراسنقر فخرجا وركبا وسارا نحو الديار المصرية ودخلا على الملك المظفر بيبرس وأعلماه بما كان فضاق صدر المظفر وأرسل خلف الأمير سلار النائب وقص عليه القصة فقال له سلار‏:‏ هذا أمر هين ونقدر أن نصلح هؤلاء فقال‏:‏ وكيف السبيل إلى ذلك‏.‏
    قال‏:‏ تكتب إلى قرا سنقر كتابًا وترقق له في الكلام وأرسل إليه تقليدًا بنيابة حلب وبلادها وأنه لا يحمل منه الدرهم الفرد وكذا لقبجق بحماة ولأسندمر بطرابلس والسواحل فقال بيبرس‏:‏ إذا فرقت البلاد عليهم ما يساوي ملكي شيئًا‏!‏ فقال له سلار‏:‏ وكم أمن يد تقبل عن ضرورة وهي تستحق القطع‏!‏ فآسمع مني وأرضهم في هذا الوقت فإذا قدرت عليهم بعد ذلك افعل بهم ما شئت فمال المظفر إلى كلامه وأمر أن يكتب بما قاله سلار لكل واحد على حدته فكتب ذلك وأرسله مع بعض خواصه‏.‏
    وأما أمر الملك الناصر محمد بن قلاوون فإن الملك المظفر لما تسلطن وتم أمره كتب له تقليدًا بالكرك وسيره له على يد الأمير آل ملك ومنشورًا بما عين له من الإقطاعات‏.‏
    وأما أمر قرا سنقر فإنه جهز ولده محمدًا إلى الملك الناصر محمد بالكرك وعلى يده كتابه وكتاب قبجق نائب حماه وكتاب أسندمر نائب طرابلس‏.‏
    ومضمون كتاب قرا سنقر‏:‏ أنه يلوم الملك الناصر عن نزوله عن الملك وكيف وقع له ذلك ولم يشاوره في أول الأمر ثم وعده برجوع ملكه إليه عن قريب وأنه هو وقبجق وأسندمر ما حلفوا للمظفر وأنهم مقيمون على أيمانهم له‏.‏
    وكذلك كتاب قبجق وكتاب أسندمر فأخذ الأمير ناصر الدين محمد بن قرا سنقر كتب الثلاثة وسار مسرعًا ومعه نجاب خبير بتلك الأرض فلم يزالا سائرين في البرية والمفاوز إلى أن وصلا إلى الكرك وآبن قرا سنقر عليه زي العرب فلما وقفا على باب الكرك سألوهما من أين أنتما فقالا‏:‏ من مصر فدخلوا وأعلموا الملك الناصر محمدًا بهما واستأذنوه في إحضارهما فأذن لهما بالدخول فلما مثلا بين يديه كشف ابن قرا سنقر لثامه عن وجهه فعرفه السلطان وقال له‏:‏ محمد فقال‏:‏ لبيك يا مولانا السلطان وقبل الأرض وقال‏:‏ لا بد من خلوة فأمر السلطان لمن حوله بالانصراف فعند ذلك حدث ابن قرا سنقر السلطان بما جرى من أبيه وقبجق وأسندمر وأنهم آجتمعوا في حلب وتحالفوا بأنهم مقيمون على الأيمان التي حلفوها للملك الناصر ثم دفع له الكتب الثلاثة فقرأها ثم قال‏:‏ يا محمد ما لهم قدرة على ما آتفقوا عليه فإن كل من في مصر والشام قد آتفقوا على سلطنة بيبرس فلما سمع ابن قراسنقر ذلك حلف بأن كل واحد من هؤلاء الثلاثة كفء لأهل مصر والشام ومولانا السلطان أخبر بذلك مني فتبسم السلطان وقال صدقت يا محمد ولكن القائل يقول‏:‏
    # كن جريًا إذا رأيت جبانًا ** وجبانًا إذا رأيت جريا
    لا تقاتل بواحد أهل بيت فضعيفان يغلبان قويا وهذه البلاد كلها دارت مع بيبرس ولا يتم لنا الحال إلا بحسن التدبير والمداراة والصبر على الأمور‏.‏
    ثم إنه أنزله في موضع وأحسن إليه وقال له‏:‏ استرح اليوم وغدًا ثم سافر فأقام يومين ثم طلبه الملك الناصر في صبيحة اليوم الثالث وأعطاه جواب الكتب وقال له‏:‏ سلم على أبي يعني على قرا سنقر وقل له‏:‏ اصبر ثم خلع عليه خلعة سنية وأعطاه ألف دينار مصرية وخلع على معن النجاب الذي أتى به أيضًا وأعطاه ألف درهم فخرج آبن قرا سنقر والنجاب معه وأسرعا في السير إلى أن وصلا إلى حلب فدخل آبن قراسنقر إلى أبيه ودفع له كتاب الملك الناصر ففتحه فإذا فيه‏:‏ ‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ حرس الله تعالى نعمة المقر العالي الأبوي الشمسي ومتعنا بطول حياته فقد علمنا ما أشار به وما عول عليه وقد علمنا قديمًا وحديثًا أنه لم يزل على هذه الصورة وأريد منك أنك تطول روحك علي فهذا الأمر ما ينال بالعجلة لأنك قد علمت انتظام أمراء مصر والشام في سلك واحد ولا سيما الأفرم ومن معه من اللئام فهذه عقدة لا تنحل إلا بالصبر وإن حضر إليك أحد من جهة المظفر وطلب منك اليمين له فقدم النية أنك مجبور ومغصوب واحلف‏.‏
    ولا تقطع كتبك عني في كل وقت وعرفني بجميع ما يجري من الأمور قليلها وكثيرها ‏"‏‏.‏
    وكذلك كتب في كتاب قبجق وأسندمر فعرف قرا سنقر مضمون كتابه ثم بعد قليل وصل إلى قرا سنقر من الملك المظفر بيبرس تقليد بنيابه حلب وبلادها دربست على يد أمير من أمراء مصر‏.‏
    ومن

    مضمون الكتاب الذي من المظفر إلى قرا سنقر
    ‏:‏ ‏"‏ أنت خشداشي ولو علمت أن هذا الأمر يصعب عليك ما عملت شيئًا حتى أرسلت إليك وأعلمتك به لأن ما في المنصورية أحد أكبر منك غير أنه لما نزل ابن أستاذنا عن الملك آجتمع الأمراء والقضاة وكافة الناس وقالوا‏:‏ ما لنا سلطان إلا أنت وأنت تعلم أن البلاد لا تكون بلا سلطان فلو لم أتقدم أنا كان غيري يتقدم فآجعلني واحدًا منكم ودبرني برأيك‏.‏
    وهذه حلب وبلادها دربست لك وكذا لخشداشيتك‏:‏ الأمير قبجق والأمير أسندمر ‏"‏‏.‏
    وسير الملك المظفر لكل من هؤلاء الثلاثة خلعة بألف دينار وفرشًا قماشه بألف دينار وعشرة رؤوس من الخيل‏.‏
    فعند ذلك حلف قرا سنقر وقبجق وأسندمر ورجع الأمير المذكور إلى مصر بنسخة اليمين‏.‏
    فلما وقف عليها الملك المظفر فرح غاية الفرح وقال‏:‏ الآن تم لي الملك‏.‏
    ثم شرع من يومئذ في كشف أمور البلاد وإزالة المظالم والنظر في أحوال الرعية‏.‏
    ثم آستهلت سنة تسع وسبعمائة وسلطان الديار المصرية الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير المنصوري والخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان ونائب السلطنة بديار مصر الأمير سلار ونائب الشام الأمير آقوش الأفرم الصغير ونائب حلب الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري ونائب حماة الأمير سيف الدين قبجق المنصوري ونائب طرابلس الأمير سيف الدين أسندمر المنصوري‏.‏
    ثم فشا في الناس في السنة المذكورة أمراض حادة وعم الوباء الخلائق وعز سائر ما يحتاج إليه المرضى‏.‏
    ثم توقفت زيادة النيل إلى أن دخل شهر مسري وآرتفع سعر القمح وسائر الغلال ومنع الأمراء البيع من شونهم إلا الأمير عز الدين أيدمر الخطيري الاستادار فإنه تقدم إلى مباشريه ألا يتركوا عنده سوى مؤونة سنة واحدة وباع ما عداه قليلًا قليلًا‏.‏
    والخطيري هذا هو صاحب الجامع الذي بخط بولاق‏.‏
    انتهى‏.‏
    وخاف الناس أن يقع نظير غلاء كتبغا وتشاءموا بسلطنة الملك المظفر بيبرس المذكور‏.‏
    ثم إن الخطيب نور الدين علي بن محمد بن الحسن بن علي القسطلاني خرج بالناس وآستسقى وكان يومًا مشهودًا فنودي من الغد بثلاث أصابع ثم توقفت الزيادة مدة ثم زاد وانتهت زيادة النيل فيه إلى خمس عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا في سابع عشرين توت ثم نقص في أيام النسيء وجاء النوروز ولم يوف النيل ست عشرة ذراعًا ففتح سد الخليج في يوم الجمعة ثامن توت وهو ثامن عشرين شهر ربيع الأول‏.‏
    وذكر بعضهم أنه لم يوف إلى تاسع عشر بابه وهو يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى وذلك بعد اليأس منه وهذا القول هو الأشهر‏.‏
    قال‏:‏ وآنحط مع سلطاننا ركين ونائبنا دقين يجينا الماء منين جيبوا لنا الأعرج يجيء الماء ويدحرج ومن يومئذ وقعت الوحشة بين المظفر وبين عامة مصر وأخذت دولة الملك المظفر بيبرس في آضطراب وذلك أنه كثر توهمه من الملك الناصر محمد بن قلاوون وقصد في أيامه كل واحد من خشداشيته أن يترقى إلى أعلى منزلة واتهموا الأمير سلار بمباطنة الملك الناصر محمد وحذروا الملك المظفر منه وحسنوا له القبض على سلار المذكور فجبن بيبرس عن ذلك‏.‏
    ثم ما زالوا حتى بعث الأمير مغلطاي إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك ليأخذ منه الخيل والمماليك التي عنده وتغلظ في القول فغضب الملك الناصر من ذلك غضبًا شديدًا وقال له‏:‏ أنا خليت ملك مصر والشام لبيبرس ما يكفيه حتى ضاقت عينه على فرس عندي ومملوك لي ويكرر الطلب‏!‏ ارجع إليه وقل له‏:‏ والله لئن لم يتركني وإلا دخلت بلاد التتار وأعلمهم أني تركت ملك أبي وأخي وملكي لمملوكي وهو يتابعني ويطلب مني ما أخذته‏.‏
    فجافاه مغلطاي وخشن له في القول بحيث اشتد غضب الملك الناصر وصاح به‏:‏ ويلك وصلت إلى هنا‏!‏ وأمر أن يجر ويرمى من سور القلعة فثار به المماليك يسبونه ويلعنونه وأخرجوه إلى السورة فلم يزل به أرغون الدوادار والأمير طغاي إلى أن عفا عنه وحبسه ثم أخرجه ماشيًا‏.‏
    وعظم ذلك على الملك الناصر وكتب ملطفات إلى نواب البلاد الشامية بحلب وحماة وطرابلس وصفد ثم إلى مصر ممن يثق به وذكر ما كان به من ضيق اليد وقلة الحرمة وأنه لأجل هذا ترك ملك مصر وقنع بالإقامة بالكرك وأن السلطان الملك المظفر في كل وقت يرسل يطالبه بالمماليك والخيل التي عنده‏.‏
    ثم ذكر لهم في ضمن الكتاب‏:‏ ‏"‏ أنتم مماليك أبي وربيتموني فإما أن تردوه عني وإلا سرت إلى بلاد التتار ‏"‏ وتلطف في مخاطبتهم غاية التلطف وسير لهم بالكتب على يد العربان فأوصلوها إلى أربابها‏.‏
    وكان قد أرسل الملك المظفر قبل ذلك يطلب منه المال الذي كان بالكرك والخيل والمماليك التي عنده حسب ما يأتي ذكره في ترجمة الملك الناصر محمد فبعث إليه الملك الناصر بالمبلغ الذي أخذه من الكرك فلم يقنع المظفر بذلك وأرسل ثانيًا وكان الملك الناصر لما أقام بالكرك صار يخطب بها للملك المظفر بيبرس بحضرة الملك الناصر والملك الناصر يتأدب معه ويسكت بحضرة مماليكه وحواشيه‏.‏
    وصار الملك الناصر إذا كاتب الملك المظفر يكتب إليه‏:‏ ‏"‏ الملكي المظفري ‏"‏ وقصد بذلك سكون الأحوال وإخماد الفتن والمظفر يلح عليه لأمر يريده الله تعالى حتى كان من أمره ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏
    وأما النواب بالبلاد الشامية فإن قرا سنقر نائب حلب كتب إلى الملك الناصر الجواب‏:‏ ‏"‏ بأني مملوك السلطان في كل ما يرسم به ‏"‏ وسأل أن يبعث إليه بعض المماليك السلطانية وكذلك نائب حماة ونائب طرابلس وغيرهما ما خلا بكتمر الجوكندار نائب صفد فإنه طرد قاصد الملك الناصر ولم يجتمع به‏.‏
    ثم أرسل الملك الناصر مملوكه أيتمش المحمدي إلى الشام وكتب معه ملطفات إلى الأمير قطلوبك المنصوري وبكتمر الحسامي الحاجب بدمشق ولغيرهما ووصل أيتمش إلى دمشق خفية ونزل عند بعض مماليك قطلوبك المذكور ودفع إليه الملطف فلما أوصله إلى قطلوبك أنكر عليه وأمره بالاحتفاظ على أيتمش المذكور ليوصله إلى الأفرم نائب الشام ويتقرب إليه بذلك فبلغ أيتمش الخبر فترك راحلته التي قدم عليها ومضى إلى دار الأمير بهادر آص في الليل فآستأذن عليه فأذن له فدخل إليه أيتمش وعرفه ما كان من قطلوبك في حقه فطيب بهادر آص خاطره وأنزله عنده وأركبه من الغد معه إلى الموكب وقد سبق قطلوبك إلى الأفرم نائب الشام وعرفه قدوم مملوك الملك الناصر إليه وهروبه من عنده ليلًا فقلق الأفرم من ذلك وألزم والي المدينة بتحصيل المملوك المذكور فقال بهادر آص‏:‏ ‏"‏ هذا المملوك عندي ‏"‏ وأشار إليه فنزل عن فرسه وسلم على الأفرم وسار معه في الموكب إلى دار السعادة وقال له بحضرة الأمراء‏:‏ السلطان الملك الناصر يسلم عليك ويقول‏:‏ ما منكم أحد إلا وأكل خبز الملك الشهيد قلاوون وما منكم إلا من إنعامه عليه وأنتم تربية الشهيد والده وأنه قاصد الدخول إلى دمشق والإقامة بها فإن كان فيكم من يقاتله ويمنعه العبور فعرفوه‏.‏
    فلم يتم هذا القول حتى صاح الكوكندي الزراق أحد أكابر أمراء دمشق‏:‏ ‏"‏ وا ابن أستاذاه‏!‏ ‏"‏ وبكى فغضب الأفرم نائب الشام عليه وأخرجه ثم قال الأفرم لأيتمش‏:‏ قل له يعني الملك الناصر‏:‏ كيف يجيء إلى الشام أو إلى غير الشام‏!‏ كأن الشام ومصر الآن تحت حكمك أنا لما أرسل إلي السلطان الملك المظفر أن أحلف له ما حلفت حتى سيرت أقول له‏:‏ كيف يكون ذلك وآبن أستاذنا باق‏!‏ فأرسل يقول‏:‏ أنا ما تقدمت عليه حتى خلع آبن أستاذنا نفسه وكتب خطه وأشهد عليه بنزوله عن الملك فعند ذلك حلفت له‏.‏
    ثم في هذا الوقت تقول‏:‏ من يردني عن الشام‏!‏ ثم أمر به الأفرم فسلم إلى استاداره الطنقش‏.‏
    فلما كان الليل آستدعاه ودفع له خمسين دينارًا وقال‏:‏ قل له‏:‏ ‏"‏ لا تذكر الخروج من الكرك ‏"‏ وأنا أكتب إلى المظفر وأرجعه عن الطلب ثم أطلقه فعاد أيتمش إلى الكرك وأعلم الملك الناصر بما وقع‏.‏
    فأعاده الملك الناصر على البريد ومعه أركتمر وعثمان الهجان ليجتمع بالأمير قرا سنقر نائب حلب ويواعده على المسير إلى دمشق ثم خرج الملك الناصر من الكرك وسار إلى بركة زيزاء فنزل بها‏.‏
    وأما الملك المظفر بيبرس صاحب الترجمة فإنه لما بلغه أن الملك الناصر حبس قاصده مغلطاي المقدم ذكره قلق من ذلك واستدعى الأمير سلار وعرفه ذلك وكانت البرجية قد أغروا المظفر بيبرس بسلار واتهموه أنه باطن الملك الناصر وحسنوا له القبض عليه حسب ما ذكرناه فجبن الملك المظفر من القبض عليه‏.‏
    وبلغ ذلك سلار فخاف من البرجية لكثرتهم وقوتهم وأخذ في مداراتهم وكان أشدهم عليه الأمير بيكور وقد شرق إقطاعه فبعث إليه سلار بستة آلاف إردب غلة وألف دينار فكف عنه‏.‏
    ثم هادى خواص المظفر وأنعم عليهم‏.‏
    فلما حضر سلار عند المظفر وتكلما فيما هم فيه فآقتضى الرأي إرسال قاصد إلى الملك الناصر بتهديده ليفرج عن مغلطاي‏.‏
    وبينما هم في ذلك قدم البريد من دمشق بأن الملك الناصر سار من الكرك إلى البرج الأبيض ولم يعرف أحد مقصده فكتب الجواب في الحال بحفظ الطرقات عليه‏.‏
    وآشتهر بالديار المصرية حركة الملك الناصر محمد وخروجه من الكرك فماجت الناس وتحرك الأمير نوغاي القبجاقي وكان شجاعًا مقدامًا حاد المزاج قوي النفس وكان من ألزام الأمير سلار النائب وتواعد مع جماعة من المماليك السلطانية أن يهجم بهم على السلطان الملك المظفر إذا ركب ويقتله‏.‏
    فلما ركب المظفر ونزل إلى بركة الجب آستجمع نوغاي بمن وافقه يريدون الفتك بالمظفر في عوده من البركة وتقرب نوغاي من السلطان قليلًا قليلًا وقد تغير وجهه وظهر فيه أمارات الشر ففطن به خواص المظفر وتحلقوا حول المظفر فلم يجد نوغاي سبيلًا إلى ما عزم عليه‏.‏
    وعاد الملك المظفر إلى القلعة فعرفه ألزامه ما فهموه من نوغاي وحسنوا له القبض عليه وتقريره على من معه‏.‏
    فاستدعى السلطان الأمير سلار وعرفه الخبر وكان نوغاي قد باطن سلار بذلك فحذر سلار الملك المظفر وخوفه عاقبة القبض على نوغاي وأن فيه فساد قلوب جميع الأمراء وليس الرأي إلا الإغضاء فقط‏.‏
    وقام سلار عنه فأخذ البرجية بالإغراء بسلار وأنه باطن نوغاي ومتى لم يقبض عليه فسد الحال‏.‏
    وبلغ نوغاي الحديث فواعد أصحابه على اللحاق بالملك الناصر وخرج هو والأمير مغلطاي القازاني الساقي ونحو ستين مملوكًا وقت المغرب عند غلق باب القلعة في ليلة الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من سنة تسع وسبعمائة المذكورة‏.‏
    وقيل في أمر نوغاي وهروبه وجه آخر‏:‏ قال الأمير بيبرس الدوادار في تاريخه‏:‏ تسحب من الديار المصرية إلى الكرك المحروس سيف الدين نوغاي القفجاقي أحد المماليك السلطانية وسيف الدين تقطاي الساقي وعلاء الدين مغلطاي القازاني وتوجه معهم من المماليك السلطانية بالقلعة مائة وستة وثلاثون نفرًا وخرجوا طلبًا واحدًا بخيلهم وهجنهم وغلمانهم وتركوا بيوتهم وأولادهم‏.‏
    انتهى‏.‏
    وقال غيره‏:‏ لما ولي الملك المظفر بيبرس السلطنة بقي سلار هو الملك الظاهر بين الناس والملك المظفر بيبرس من وراء حجاب فلما كان في بعض الأيام دخل على الملك المظفر أميران‏:‏ أحدهما يسمى نوغاي والآخر مغلطاي فباسا الأرض بين يديه وشكوا له ضعف أخبازهما فقال لهما المظفر‏:‏ اشكوا إلى سلار فهو أعلم بحالكما مني فقالا‏:‏ خلد الله ملك مولانا السلطان أهو مالك البلاد أم مولانا السلطان‏!‏ فقال‏:‏ اذهبا إلى سلارة ولم يزدهما على ذلك‏.‏
    فخرجا من عنده وجاءا إلى سلار وأعلماه بقول الملك المظفر فقال سلار‏:‏ ولله يا أصحابي أبعدكما بهذا الكلام وأنتما تعلمان أن النائب ما له كلام مثل السلطان‏.‏
    وكان نوغاي شجاعًا وعنده قوة بأس فأقسم بالله لئن لم يغيروا خبزه ليقيمن شرًا تهرق فيه الدماء ثم خرجا من عند سلار‏.‏
    وفي الحال ركب سلار وطلع إلى عند الملك المظفر وحدثه بما جرى من أمر نوغاي ومغلطاي وقال‏:‏ هذا نوغاي يصدق فيما يقول لأنه قادر على إثارة الفتنة فالمصلحة قبضه وحبسه في الحبس فاتفقوا على قبضه‏.‏
    وكان في ذلك الوقت أمير يقال له أنس فسمع الحديث فلما خرج أعلم نوغاي بذلك فلما سمع نوغاي الكلام طلب مغلطاي وجماعة من مماليك الملك الناصر وقال لهم‏:‏ يا جماعة هذا الرجل قد عول على قبضنا وأما أنا فلا أسلم نفسي إلا بعد حرب تضرب فيه الرقاب فقالوا له‏:‏ على ماذا عولت فقال‏:‏ عولت على أني أسير إلى الكرك إلى الملك الناصر أستاذنا فقالوا له‏:‏ ونحن معك فحلف كل منهم على ذلك فقال نوغاي وكان بيته خارج باب النصر‏:‏ كونوا عندي وقت الفجر الأول راكبين وأنتم لابسون وتفرقا فجهز نوغاي حاله في تلك الليلة وركب بعد الثلث الأخير مع مماليكه وحاشيته ثم جاءه مغلطاي القازاني بمماليكه ومعه جماعة من مماليك السلطان الملك الناصر والكل ملبسون على ظهر الخيل‏.‏
    ثم إن نوغاي حرك الطبلخاناه حربيًا وشق من الحسينية فماجت الناس وركبوا من الحسينية وأعلموا الأمير سلار فركب سلار وطلع إلى القلعة وأعلم السلطان بذلك‏.‏
    قال آبن كثير‏:‏ وكان ذلك بمباطنة سلار مع نوغاي‏.‏
    فلما بلغ المظفر ذلك قال‏:‏ على أيش توجها ‏"‏ فقال سلار‏:‏ ‏"‏ على نباح الجراء في بطون الكلاب ‏"‏ والله ما ينظر في عواقب الأمور ولا يخاف آثار المقدور فقال المظفر‏:‏ ‏"‏ أيش المصلحة ‏"‏ فآتفقوا على تجريد عسكر خلف المتسحبين فجرد في أثرهم جماعة من الأمراء صحبة الأمير علاء الدين مغلطاي المسعودي والأمير سيف الدين قلي في جماعة من المماليك فساروا سيرًا خفيفًا قصدًا في عدم إدراكهم وحفظًا لسلطانهم وآبن سلطانهم الملك الناصر محمد بن قلاوون فلم يدركوهم وأقاموا على غزة أيامًا وعادوا إلى القاهرة‏.‏
    وقال صاحب نزهة الألباب‏:‏ وجرد السلطان الملك المظفر وراءهم خمسة آلاف فارس صحبة الأمير أخي سلار وقال له المظفر‏:‏ ‏"‏ لا ترجع إلا بهم ولو غاصوا في البحر‏!‏ ‏"‏ وكان فيهم الأمير شمس الدين دباكوز وسيف الدين بجاس وجنكلي بن البابا وكهرداش وأيبك البغدادي وبلاط وصاروجا والقرماني وأمير آخر وهؤلاء الأمراء هم خيار عسكر مصر فساروا‏.‏
    وكان نوغيه قد وصل إلى بلبيس وطلب واليها وقال له‏:‏ ‏"‏ إن لم تحضر لي في هذه الساعة خمسة آلاف دينار من مال السلطان وإلا سلخت جلدك من كعبك إلى أذنك ‏"‏‏.‏
    ففي الساعة أحضر الذهب وكان نوغيه قد أرصد أناسًا يكشفون له الأخبار فجاؤوا له وذكروا أن عسكرًا عظيمًا قد وصل من القاهرة وهم سائقون فلما سمع نوغيه ذلك ركب هو وأصحابه وقال لوالي بلبيس‏:‏ قل للأمراء الجائين خلفي‏:‏ أنا رائح على مهل حتى تلحقوني وأنا أقسم بالله العظيم لئن وقعت عيني عليهم لأجعلن عليهم يومًا يذكر إلى اليوم القيامة‏!‏ ولم يبعد نوغيه حتى وصل أخو سلار وهو الأمير سمك ومعه العساكر فلاقاهم والي بلبيس وأخبرهم بما جرى له مع نوغيه وقال لهم‏:‏ ما ركب إلا من ساعة فلما سمعوا بذلك ساقوا إلى أن وصلوا إلى مكان بين الخطارة والسعيدية فإذا بنوغاي واقف وقد صف رجاله ميمنة وميسرة وهو واقف في القلب قدام الكل فلما رآهم سمك أرسل إليه فارسًا من كبار الحلقة وسار إليه الفارس وآجتمع بنوغيه وقال له‏:‏ أرسلني سمك إليك وهو يقول‏:‏ ‏"‏ السلطان الملك المظفر يسلم عليك ويقول لك‏:‏ سبحان الله‏!‏ أنت كنت أكبر أصحابه فما الذي غيرك عليه‏.‏
    فإن كان لأجل الخبز فما يأكل الخبز أحد أحق منك فإن عدت إليه فكل ما تشتهي يفعله لك ‏"‏‏.‏
    فلما سمع نوغيه هذا الكلام ضحك وقال‏:‏ ‏"‏ أيش هذا الكلام الكذب‏!‏ لما أمس سألته أن يصلح خبزي بقرية واحدة ما أعطاني وأنا تحت أمره فكيف يسمح لي اليوم بما أشتهي وأنا صرت عدوه‏!‏ فخل عنك هذا الهذيان وما لكم عندي إلا السيف ‏"‏ فرجع الرسول وأعلم سمك بمقالته ثم إن نوغيه دكس فرسه وتقدم إلى سمك وأصحابه وقال له‏:‏ ‏"‏ إن هؤلاء الذين معي أنا الذي أخرجتهم من بيوتهم وأنا المطلوب فمن كان يريدني يبرز لي وهذا الميدان‏!‏ ‏"‏ فنظرت الأمراء بعضهم إلى بعض ثم قال‏:‏ ‏"‏ يا أمراء ما أنا عاص على أحد وما خرجت من بيتي إلا غبنًا وأنتم أغبن مني ولكن ما تظهرون ذلك وها أنتم سمعتم مني الكلام فمن أراد الخروج إلي فليخرج وإلا احملوا علي بأجمعكم ‏"‏ وكان آخر النهار فلم يخرج إليه أحد فرجع إلى أصحابه ونزل سمك في ذلك المكان‏.‏
    فلما أمسى الليل رحل نوغيه بأصحابه وسار مجدًا ليله ونهاره حتى وصل قطيا فوجد واليها قد جمع العربان لقتاله لأن البطاقة وردت عليه من مصر بذلك والعربان الذين جمعهم الوالي نحو ثلاثة آلاف فارس فلما رآهم نوغاي قال لأصحابه‏:‏ احملوا عليهم وبادروهم حتى لا يأخذهم الطمع فيكم يعني لقلتهم وتأتي الخيل التي وراءكم فحملوا عليهم وكان مقدم العرب نوفل البياضي وفيهم نحو الخمسمائة نفر بلبوس فحملت الأتراك أصحاب نوغاي عليهم وتقاتلا قتالًا عظيمًا حتى ولت العرب وانتصر نوغيه عليهم هو وأصحابه وولت العرب الأدبار طالبين البرية ولحق نوغيه والي قطيا فطعنه وألقاه عن فرسه وأخذه أسيرًا‏.‏
    ثم رجعت الترك من خلف العرب وقد كسبوا وأما سمك فإنه لم يزل يتبعهم بعساكر مصر منزلة بعد منزلة حتى وصلوا إلى قطيا فوجدوها خرابًا وسمعوا ما جرى من نوغيه على العرب فقال الأمراء‏:‏ الرأي أننا نسير إلى غزة ونشاور نائب غزة في عمل المصلحة فساروا إلى غزة فلاقاهم نائب غزة وأنزلهم على ظاهر غزة وخدمهم فقال له سمك‏:‏ ‏"‏ نحن ما جئنا إلا لأجل نوغاي وأنه من العريش سار يطلب الكرك فما رأيك نسير إلى الكرك أو نرجع إلى مصر فقال لهم نائب غزة‏:‏ ‏"‏ رواحكم إلى الكرك ما هو مصلحة وأنتم من حين خرجتم من مصر سائرون وراءهم ورأيتموهم في الطريق فما قدرتم عليهم وقد وصلوا إلى الكرك وانضموا إلى الملك الناصر والرأي أنكم ترجعون إلى مصر وتقولون للسلطان ما وقع وتعتذرون له ‏"‏ فرجعوا وأخبروا الملك المظفر بالحال فكاد يموت غيظًا وكتب من وقته كتابًا للملك الناصر فيه‏:‏ ‏"‏ إنه من ساعة وقوفك على هذا الكتاب وقبل وضعه من يدك ترسل لنا نوغاي ومغلطاي ومماليكهما وتبعث المماليك الذين عندك ولا تخل منهم عندك سوى خمسين مملوكًا فإنك آشتريت الكل من بيت المال وإن لم تسيرهم سرت إليك وأخذتك وأنفك راغم‏!‏ ‏"‏ وسير الكتاب مع بدوي إلى الملك الناصر‏.‏
    وأما نوغيه فإنه لما وصل إلى الكرك وجد الملك الناصر في الصيد فقال نوغيه لمغلطاي‏:‏ ‏"‏ انزل أنت ها هنا وأسير أنا للسلطان ‏"‏ وركب هجينا وأخذ معه ثلاثة مماليك وسار إلى ناحية عقبة أيلة وإذا بالسلطان نازل في موضع وعنده خلق كثير من العرب والترك فلما رأوا نوغيه وقد أقبل من صدر البرية أرسلوا إليه خيلًا فكشفوا خبره فلما قربوا منه عرفه مماليك السلطان فرجعوا وأعلموا السلطان أنه نوغاي فقال السلطان‏:‏ ‏"‏ الله أكبر‏!‏ ما جاء هذا إلا عن أمر عظيم ‏"‏ فلما حضر نزل وباس الأرض بين يدي الملك الناصر ودعا له فقال له الملك الناصر‏:‏ ‏"‏ أراك ما جئت لي في مثل هذا الوقت إلى هذا المكان إلا لأمر فحدثني حقيقة أمرك ‏"‏ فأنشأ نوغيه يقول‏:‏ أنت المليك وهذه أعناقنا خضعت لعز علاك يا سلطاني أنت المرجى يا مليك فمن لنا أسد سواك ومالك البلدان في أبيات أخر ثم حكى له ما وقع له منذ خرج الملك الناصر من مصر إلى يوم تاريخه فركب الملك الناصر وركب معه نوغيه وعادا إلى الكرك وخلع عليه وعلى رفقته وأنزلهم عنده ووعدهم بكل خير‏.‏
    ثم إن الملك الناصر جمع أمراءه ومماليكه وشاورهم في أمره فقال نوغيه‏:‏ ‏"‏ من ذا الذي يعاندك أو يقف قدامك والجميع مماليكك‏!‏ والذي خلق الخلق إذا كنت أنت معي وحدي ألتقي بك كل من خرج من مصر والشام‏!‏ ‏"‏ فقال السلطان‏:‏ ‏"‏ صدقت فيما قلت ولكن من لم ينظر في وقال آبن كثير في تاريخه‏:‏ وصل المتوجهون إلى الكرك إلى الملك الناصر في الحادي والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة فقبلهم الناصر أحسن قبول وكان حين وصلوا إلى قطيا أخذوا ما بها من المال ووجدوا أيضًا في طريقهم تقدمة لسيف الدين طوغان نائب البيرة فأخذوها بكمالها وأحضروا الجميع بين يدي الملك الناصر محمد ولما وصلت إليه الأمراء المذكورون أمر الملك الناصر بالخطبة لنفسه ثم كاتب النواب فآجتمعوا وأجابوه بالسمع والطاعة‏.‏
    ولما عاد الأمراء من غزة إلى مصر اشتد خوف السلطان الملك المظفر وكثر خياله من أكثر عسكر مصر فقبض على جماعة تزيد على ثلاثمائة مملوك وأخرج أخبازهم وأخباز المتوجهين مع نوغيه إلى الكرك لمماليكه وتحلقوا عليه البرجية وشؤشوا فكره بكثرة تخيله بمخامرة العسكر المصري عليه وما زالوا به حتى أخرج الأمير بينجار والأمير صارم الدين الجرمكي في عدة من الأمراء مجردين وأخرج الأمير آقوش الرومي بجماعته إلى طريق السويس ليمنع من عساه يتوجه من الأمراء والمماليك إلى الملك الناصر‏.‏
    ثم قبض الملك المظفر على أحد عشر مملوكًا وقصد أن يقبض على آخرين فآستوحش الأمير بطرا فهرب فأدركه الأمير جركتمر بن بهادر رأس نوبة فأحضره فحبس وعند إحضاره طلع الأمير ألديكز السلاح دار بملطف من عند الملك الناصر محمد وهو جواب الكتاب الذي كان أرسله الملك المظفر للملك الناصر يطلب نوغيه وأصحابه‏.‏
    وقد ذكرنا معناه وما أغلظ فيه وأفحش في الخطاب للملك الناصر وكان في وقت وصول كتاب المظفر حضر إلى الملك الناصر الأمير أسندمر نائب طرابلس كأنهما كانا على ميعاد فأخذ الناصر الكتاب وأسندمر إلى جانبه وعليه لبس العربان وقد ضرب اللثام فقرأ الناصر الكتاب ثم ناوله إلى أسندمر فقرأه وفهم معناه ثم أمر الملك الناصر الناس بالانصراف وبقي هو وأسندمر وقال لأسندمر‏:‏ ما يكون الجواب فقال له أسندمر‏:‏ المصلحة أن تخادعه في الكلام وتترقق له في الخطاب حتى نجهز أمرنا ونستظهر فقال له السلطان‏:‏ اكتب له الجواب مثل ما تختاره فكتب أسندمر‏:‏ ‏"‏ المملوك محمد بن قلاوون يقبل اليد العالية المولوية السلطانية المظفرية أسبغ الله ظلها ورفع قدرها ومحلها وينهي بعد رفع دعائه وخالص عبوديته وولائه أنه وصل إلي المملوك نوغيه ومغلطاي وجماعة من المماليك فلما علم المملوك بوصولهم أغلق باب القلعة ولم يمكن أحدًا منهم يعبر إليه وسيرت إليهم ألومهم على ما فعلوه وقد دخلوا على المملوك بأن يبعث ويشفع فيهم فأخذ المملوك في تجهيز تقدمة لمولانا السلطان ويشفع فيهم والذي يحيط به علم مولانا السلطان أن هؤلاء من مماليك السلطان خلد الله ملكه وأن الذي قيل فيهم غير صحيح وإنما هربوا خوفًا على أنفسهم وقد استجاروا بالمملوك والمملوك يستجير بظل الدولة المظفرية والمأمول ألا يخيب سؤاله ولا يكسر قلبه ولا يرده فيما قصده‏.‏
    وفي هذه الأيام يجهز المملوك تقدمة مع المماليك الذين طلبهم مولانا السلطان وأنا ما لي حاجة بالمماليك في هذا المكان وإن رسم مولانا مالك الرق أن يسير نائبًا له وينزل المملوك بمصر ويلتجىء بالدولة المظفرية ويحلق رأسه ويقعد في تربة الملك المنصور‏.‏
    والمملوك قد وطن نفسه على مثل هذا وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏:‏ ‏"‏ ما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعم والموت من الحياة ‏"‏‏.‏
    وقال بعضهم‏:‏ إياك وما يسخط سلطانك ويوحش إخوانك فمن أسخط سلطانه فقد تعرض للمنية ومن أوحش إخوانه فقد تبرأ عن الحرية‏.‏
    والمملوك يسأل كريم العفو والصفح الجميل‏!‏ والله تعالى قال في كتابه الكريم وهو أصدق القائلين‏:‏ والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ‏"‏‏.‏
    والمملوك ينتظر الأمان والجواب‏.‏
    أنهى المملوك ذلك ‏"‏‏.‏
    فلما قرأ الملك المظفر الكتاب خص ما كان عنده وكان سلار حاضرًا فقال له سلار‏:‏ ما قلت لك إن الملك الناصر ما بقيت له قدرة على المعاندة‏!‏ وقد أصبح ملك الشام ومصر طوع يدك ولكن عندي رأي‏:‏ وهو أن تسير إلى الأفرم بأن يجعل باله من الأمراء فإنهم ربما يهربون إلى بلاد التتار فآستصوب المظفر ذلك وكتب إلى الأفرم في الحال بالغرض فلما وصل الكتاب إلى الأفرم اجتهد في ذلك غاية الاجتهاد‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون Empty رد: السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:29 pm

    يتبــــــــــــــــــــــــع

    وأخذ الملك الناصر في تدبير أمره
    وبينما المظفر في دلك ورد عليه الحبر من الأفرم بخروج الملك الناصر من الكرك فقلق المظفر من ذلك وزاد توهمه ونفرت قلوب جماعة من الأمراء والمماليك منه وخشوا على أنفسهم واجتمع كثير من المنصورية والأشرفية والأويراتية وتواعدوا على الحرب وخرج منهم مائة وعشرون فارسًا بالسلاح وساروا على حمية إلى الملك الناصر فخرج في أثرهم الأمير بينجار والصارم الجرمكي بمن معهم وقاتلوا المماليك وجرح الجرمكي بسيف في خده سقط منه إلى الأرض ومضى المماليك إلى الكرك ولم يستجرىء أحد أن يتعرض إليهم فعظم بذلك الخطب على الملك المظفر وآجتمع عنده البرجية وقالوا‏:‏ هذا الفساد كله من الأمير سلار ومتى لم تقبض عليه خرج الأمر من يدك فلم يوافق على ذلك وجبن من القبض على سلار لشوكته ولاضطراب دولته ثم طلب الملك المظفر الأمير سلار وغيره من الأمراء واستشارهم في أمر الملك الناصر فاتفق الرأي على خروج تجريدة لقتال الملك الناصر‏.‏
    وأما الملك الناصر فإنه أرسل الأمير أيتمش المحمدي الناصري إلى الأمير قبجق نائب حماة فأحال الأمير قبجق الأمر على الأمير قراسنقر نائب حلب فاجتمع أيتمش بقرا سنقر فأكرمه ووافق على القيام مع الملك الناصر ودخل في طاعته وأعلن بذلك وهو أكبر المماليك المنصورية وواعد الملك الناصر على المسير إلى دمشق في أول شعبان‏.‏
    ثم كتب قرا سنقر إلى الأفرم نائب الشام يحثه على طاعة الملك الناصر ويرغبه في ذلك ويحذره مخالفته وأشار قرا سنقر على الملك الناصر أنه يكاتب الأمير بكتمر الجوكندار نائب صفد والأمير كراي المنصوري نائب القدس‏.‏
    ثم عاد أيتمش إلى أستاذه الملك الناصر وأخبره بكل ما وقع فسر الملك الناصر بذلك هو وكل من عنده غاية السرور وتحقق كل أحد من حواشي الملك الناصر بإتمام أمره‏.‏
    وكان نوغيه منذ قدم على الملك الناصر بالكرك لا يبرح يحرضه على المسير إلى دمشق حتى إنه ثفل على الملك الناصر من مخاشنته في المخاطب بسبب توجهه إلى دمشق وغضب منه وقال له‏:‏ ‏"‏ ليس لي بك حاجة ارجع حيث جئت ‏"‏ فترك نوغاي الخدمة وانقطع وحقد له الملك الناصر ذلك حتى قتله بعد عوده إلى الملك بمدة حسب ما يأتي ذكره من كثرة ما وبخه نوغيه المذكور وأسمعه من الكلام الخشن‏.‏
    ولما قدم أيتمش بالأجوبة على الملك الناصر قوي عزم الملك الناصر على الحركة ثم إن الملك الناصر أيضًا أرسل مملوكه أيتمش المحمدي المذكور إلى الأمير بكتمر الجوكندار نائب صفد حسب ما أشار به قرا سنقر فسار أيتمش إليه واجتمع بالأمير محمد بن بكتمر الجوكندار فجمع محمد المذكور بين أيتمش وبين أبيه ليلًا في مقابر صفد فعتبه أيتمش على رده أولًا قاصد السلطان الملك الناصر فآعتذر له بكتمر بالخوف من بيبرس وسلار كما كان وقع له مع الناصر أولًا بالديار المصرية حين آتفقا على قبض بيبرس وسلار ولم يتم لهم ذلك وأخرج بكتمر بسبب ذلك من الديار المصرية وقد تقدم ذكر ذلك كله‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم قال له بكتمر‏:‏ ولولا ثقتي بك ما اجتمعت عليك فلما عرفه أيتمش طاعة الأمير قرا سنقر والأمير قبجق والأمير أسندمر أجاب بالسمع والطاعة وأنه على ميعاد النواب إلى المضي إلى الشام وعاد أيتمش إلى الملك الناصر بجواب بكتمر فسر به غاية السرور‏.‏
    وأما السلطان الملك المظفر بيبرس هذا فإنه أخذ في تجهيز العساكر إلى قتال الملك الناصر محمد حتى تم أمرهم وخرجوا من الديار المصرية في يوم السبت تاسع شهر رجب وعليهم خمسة أمراء من مقدمي الألوف وهم‏:‏ الأمير برلغي الأشرفي والأمير جمال الدين آقوش الأشرفي نائب الكرك كان والأمير عز الدين أيبك البغدادي والأمير سيف الدين طغريل الإيغاني والأمير سيف الدين ألدكز السلاح دار ومعهم نحو ثلاثين أميرًا من أمراء الطبلخاناه بعد ما أنفق فيهم الملك المظفر‏:‏ فأعطى برلغي عشرة آلاف دينار وأعطى لكل مقدم الذي دينار ولكل من الطبلخاناه ألف دينار ولكل واحد من مقدمي الحلقة ألف درهم ولكل واحد من أجناد الحلقة خمسمائة درهم‏.‏
    ونزلوا بمسجد التبن خارج القاهرة ولم يتقدموا ثم عادوا بعد أربعة أيام إلى القاهرة‏.‏
    وكان الباعث على عودهم أن كتب آقوش الأفرم نائب الشام وردت على الملك المظفر تتضمن وصول الملك الناصر إلى البرج الأبيض ثم عاد إلى الكرك فآطمأن الملك المظفر وأرسل إلى برلغي ومن معه من المجردين بالعود فعادوا بعد أربعة أيام‏.‏
    فلم يكن إلا أيام وورد الخبر ثانيًا بمسير الملك الناصر محمد من الكرك إلى نحو دمشق فتجهز العسكر المذكور في أربعة آلاف فارس وخرجوا من القاهرة في العشرين من شعبان إلى العباسة‏.‏
    فورد البريد من دمشق بقدوم أيتمش المحمدي من قبل الملك الناصر بمشافهة إلى الأفرم ذكرها للمظفر‏.‏
    ثم إن الأفرم بعد قدوم أيتمش بعث الأمير علاء الدين أيدغدي شقير الحسامي والأمير جوبان لكشف خبر الملك الناصر وأنهما توجها من الشام إلى جهة الكرك فوجدا الملك الناصر يتصيد وأنه عوق أيتمش عنده فسر المظفر بذلك‏.‏
    وكان الأمر بخلاف ذلك وهو أن أمرهما‏:‏ أنه لما سيرهما الأفرم لكشف خبر الملك الناصر قدما على الملك الناصر ودخلا تحت طاعته وعرفاه أنهما جاءا لكشف خبره وحلفا له على القيام بنصرته سرًا وعادا إلى الأفرم بالجواب المذكور‏.‏
    وكان الناصر هو الذي أمرهما بهذا القول فظن الأفرم أن أخبارهما على الصدق فكتب به إلى المظفر‏.‏
    ثم إن الأفرم خاف أن يطرق الملك الناصر دمشق على غفلة فجرد إليه ثمانية أمراء من أمراء دمشق وهم‏:‏ الأمير سيف الدين قطلوبك المنصوري والأمير سيف الدين الحماج بهادر الحلبي الحاجب والأمير جوبان والأمير كجكن والأمير علم الدين سنجر الجاولي وغيرهم ليقيموا على الطرقات لحفظها على من يخرج من الشام وغيره إلى الملك الناصر‏.‏
    وكتب إلى الملك المظفر يستحثه على إخراج عساكر مصر لتجتمع عنده مع عساكر دمشق على قتال الملك الناصر وأنه قد جدد اليمين للمظفر وحلف أمراء دمشق ألا يخونوه ولا ينصروا الملك الناصر‏.‏
    فلما قرأ المظفر كتاب الأفرم اضطرب وزاد قلقه‏.‏
    ثم ورد عليه كتاب الأمير برلغي من العباسة بأن مماليك الأمير آقوش الرومي تجمعوا عليه وقتلوه وساروا ومعهم خزائنه إلى الملك الناصر وأنه لحق بهم بعض أمراء الطبلخاناه في جماعة من مماليك الأمراء وقد فسد الحال والرأي أن يخرج السلطان بنفسه‏.‏
    فلما سمع الملك المظفر ذلك أخرج تجريدة أخرى فيها عدة أمراء أكابر وهم‏:‏ الأمير بجاس وبكتوت وكثير من البرجية ثم بعث إلى برلغي بألفي دينار ووعده بأنه عازم على التوجه إليه بنفسه‏.‏
    فلما ورد كتاب الملك المظفر بذلك وبقدوم التجريدة إليه عزم على الرحيل إلى جهة الكرك فلما كان الليل رحل كثير ممن كان معه يريدون الملك الناصر فثنى عزمه عن الرحيل ثانيًا وكتب إلى المظفر يقول بأن نصف العسكر سار إلى الملك الناصر وخرج عن طاعة الملك المظفر ثم حرض الملك المظفر على الخروج بنفسه‏.‏
    وقبل أن يطلع الفجر من اليوم المذكور وصل إلى القاهرة الأمير بهادرجك بكتاب الأمير برلغي المذكور وطلع إلى السلطان فلما قضى الملك المظفر صلاة الصبح تقدم إليه بهادرجك وعرفه بوصول أكثر العسكر إلى الملك الناصر وناوله الكتاب فلما قرأه بيبرس تبسم وقال‏:‏ ‏"‏ سلم على الأمير برلغي وقل له‏:‏ لا تخش من شيء فإن الخليفة أمير المؤمنين قد عقد لنا بيعة ثانية وجدد لنا عهدًا وقد قرىء على المنابر وجددنا اليمين على الأمراء وما بقي أحد يجسر أن يخالف ما كتب به أمير المؤمنين‏!‏ ‏"‏ ثم دفع إليه العهد الخليفتي وقال‏:‏ لا امض به إليه حتى يقرأه على الأمراء والجند ثم يرسله إلي فإذا فرغ من قراءته يرحل بالعساكر إلى الشام ‏"‏ وجهز له بألفي دينار أخرى وكتب جوابه بنظير المشافهة فعاد بهادر جك إلى برلغي فلما قرأ عليه الكتاب وآنتهى إلى قوله‏:‏ ‏"‏ وأن أمير المؤمنين ولاني تولية جديدة وكتب لي عهدًا وجدد لي بيعة ثانية ‏"‏ وفتح العهد فإذا أوله‏:‏ ‏"‏ إنه من سليمان وإنه بسم آلله آلرحمن آلرحيم ‏"‏ فقال برلغي‏:‏ ولسليمان الريح‏!‏ ثم آلتفت إلى بهادرجك وقال له‏:‏ ‏"‏ قل له‏:‏ يا بارد الذقن‏!‏ والله ما بقي أحد يلتفت إلى الخليفة ‏"‏ ثم قام وهو مغضب‏.‏
    وكان سبب تجديد العهد للملك المظفر هذا أن الأفرم نائب الشام لما ورد كتابه على المظفر أنه حلف الأمراء بدمشق ثانيًا وبعث بالشيخ صدر الدين محمد ابن عمر بن مكي بن عبد الصمد الشهير بابن المرحل إلى الملك المظفر في الرسلية صار صدر الدين يجتمع به هو وآبن عدلان وصار الملك المظفر يشغل وقته بهما فأشارا عليه بتجديد العهد والبيعة وتحليف الأمراء وأن ذلك يثبت به قواعد ملكه ففعل الملك المظفر ذلك وحلف الأمراء بحضور الخليفة وكتب له عهد جديد عن الخليفة أبي الربيع سليمان العباسي‏.‏
    ‏.‏
    ‏.‏
    ونسخة العهد‏:‏ ‏"‏ إنه من سليمان وإنه بسم آلله آلرحمن آلرحيم من عبد الله وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي الربيع سليمان بن أحمد العباسي لأمراء المسلمين وجيوشها‏.‏
    ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا آلله وأطيعوا آلرسول وأولي الأمر منكم ‏"‏ وإني رضيت لكم بعبد الله تعالى الملك المظفر ركن الدين نائبًا عني لملك الديار المصرية والبلاد الشامية وأقمته مقام نفسي لدينه وكفاءته وأهليته ورضيته للمؤمنين وعزلت من كان قبله بعد علمي بنزوله عن الملك ورأيت ذلك متعينًا علي وحكمت بذلك الحكام الأربعة واعلموا رحمكم الله أن الملك عقيم ليس بالوراثة لأحد خالف عن سالف ولا كابر عن كابرة وقد آستخرت الله تعالى ووليت عليكم الملك المظفر فمن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى أبا القاسم ابن عمي صلى الله عليه وسلم‏.‏
    وبلغني أن الملك الناصر آبن السلطان الملك المنصور شق العصا على المسلمين وفرق كلمتهم وشتت شملهم وأطمع عدوهم فيهم وعرض البلاد الشامية والمصرية إلى سبي الحريم والأولاد وسفك الدماء فتلك دماء قد صانها الله تعالى من ذلك‏.‏
    وأنا خارج إليه ومحاربه أن آستمر على ذلك وأدافع عن حريم المسلمين وأنفسهم وأولادهم لهذا الأمر العظيم وأقاتله حتى يفيء إلى أمر الله تعالى وقد أوجبت عليكم يا معاشر المسلمين كافة الخروج تحت لوائي اللواء الشريف فقد أجمعت الحكام على وجوب دفعه وقتاله إن آستمر على ذلك وأنا مستصحب معي الملك المظفر فجهزوا أرواحكم والسلام ‏"‏‏.‏
    وقرىء هذا العهد على منابر الجوامع بالقاهرة فلما بلغ القارىء إلى ذكر الملك الناصر صاحت العوام‏:‏ نصره الله نصره الله‏!‏ وكررت ذلك‏.‏
    وقرأ فلما وصل إلى ذكر الملك المظفر صاحوا‏:‏ لا ما نريده ووقع في القاهرة ضجة وحركة بسبب ذلك‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم قدم على الملك المظفر من الشام على البريد الأمير بهادر آص يحث الملك المظفر على الخروج إلى الشام بنفسه فإن النواب قد مالوا كلهم إلى الملك الناصر فأجاب أنه لا يخرج واحتج بكراهيته للفتنة وسفك الدماء وأن الخليفة قد كتب بولايته وعزل الملك الناصر فإن قبلوا وإلا ترك الملك‏.‏
    ثم قدم أيضًا الأمير بلاط بكتاب الأمير برلغي وفيه أن جميع من خرج معه من أمراء الطبلخاناه لحقوا بالملك الناصر وتبعهم خلق كثير ولم يتأخر غير برلغي وآقوش نائب الكرك وأيبك البغدادي وألدكز والفتاح وذلك لأنهم خواص الملك المظفر‏.‏
    وأما الملك الناصر فإنه سار من الكرك بمن معه في أول شعبان يريد دمشق بعد أمور وقعت له نذكرها في أوائل ترجمته الثالثة‏.‏
    فلما سار دخل في طاعته الأمير قطلوبك المنصوري والحاج بهادر وبكتمر الحسامي حاجب حجاب دمشق وعلم الدين سنجر الجاولي‏.‏
    وصار الملك الناصر يتأنى في مسيره من غير سرعة حتى يتبين ما عند أمراء دمشق الذين أخرجهم الأفرم لحفظ الطرقات قبل ذلك فكتبوا أمراء دمشق المذكورون إلى الأفرم أنه لا سبيل لهم إلى محاربة الملك الناصر وأرادوا بذلك إما أن يخرج بنفسه فيقبضوه أو يسير عن دمشق إلى جهة أخرى فيأتيهم بقية الجيش وكان كذلك‏.‏
    فإنه لما قدم كتابهم عليه بدمشق شاع بين الناس مجيء الملك الناصر من الكرك فثارت العوام وصاحوا‏:‏ ‏"‏ نصر الله الملك الناصر‏!‏ ‏"‏ وتسلل عسكره من دمشق طائفة بعد طائفة إلى الملك الناصر وانفرط الأمر من الأفرم‏.‏
    وآتفق الأمير بيبرس العلائي والأمير بيبرس المجنون بمن معهما على الوثوب على الأفرم والقبض عليه فلم يثبت عندما بلغه ذلك واستدعى علاء الدين علي بن صبيح وكان من خواصه وخرج ليلًا وتوجه إلى جهة الشقيف فركب قطلوبك والحاج بهادر عندما سمعا خبر الأفرم وتوجها إلى الملك الناصر وكانا كاتباه بالدخول في طاعته قبل ذلك فسر بهما وأنعم على كل واحد منهما بعشرة آلاف درهم وقدم على الناصر أيضًا الجاولي وجوبان وسائر من كان معهم فسار بهم الملك الناصر حتى نزل الكسوة وخرج إليه بقية الأمراء والأجناد‏.‏
    وقد عمل له سائر شعار السلطنة من السناجق وسار يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان يريد مدينة دمشق فدخلها من غير مدافع بعدما زينت له زينة عظيمة وخرج جميع الناس إلى لقائه على اختلاف طبقاتهم حتى صغار الكتاب وبلغ كراء البيت من البيوت التي بميدان الحصى إلى قلعة دمشق للتفرج على السلطان من خمسمائة درهم إلى مائة درهم وفرشت الأرض بشقاق الحرير الملونة وحمل الأمير قطلوبك المنصوري الغاشية وحمل الأمير الحاج بهادر الجتر وترجل الأمراء والعساكر بأجمعهم ومشوا بين يديه حتى نزل بالقصر الأبلق‏.‏
    وفي وقت نزوله قدم مملوك الأمير قرا سنقر نائب حلب لكشف الخبر وأن قراسنقر خرج من حلب وقبجق خرج من حماة فخلع عليه وكتب لهما بسرعة الحضور إليه‏.‏
    ثم كتب إلى الأفرم أمانًا وتوجه به علم الدين سنجر الجاولي فلم يثق بذلك لما كان وقع منه في حق الناصر لما قدم عليه تنكز وطلب يمين السلطان فحلف السلطان له وبعث إليه نسخة الحلف‏.‏
    وكان قبل ذلك بعث الملك الناصر خازنداره وتنكز مملوكه إلى الأفرم هذا صحبة عثمان الركاب يستدعيه إلى طاعته بكل ما يمكن ثم أمره الملك الناصر إن لم يطع يخشن له في القول وكذلك كتب في المطالعة التي على يد تنكز‏:‏ ‏"‏ أولها وعد وآخرها وعيد ‏"‏‏.‏
    فلما قرأ الأفرم الكتاب المذكور آسود وجهه من الغضب ثم آلتفت إلى تنكز وقال‏:‏ ‏"‏ أنت وأمثالك الذين حمقوا هذا الصبي حتى كتب لي هذا الكتاب ويلك‏!‏ من هو الذي وافقه من أمراء دمشق على ذلك ‏"‏ وكان الناصر قد كتب له في جملة الكلام أن غالب أمراء البلاد الشامية أطاعوني وكان الأفرم لما حضر إليه تنكز قبل أن يقرأ الكتاب جمع أمراء دمشق ثم قرأ الكتاب فلما وصل إلى ذلك قال الأفرم‏:‏ ‏"‏ قل لي من هو الذي أطاعه حتى أقبض عليه وأرسله إلى مصر ‏"‏ فنظر أمراء دمشق بعضهم إلى بعض وأمعن الأفرم في الكلام فقام الأمير بيبرس المجنون وقال‏:‏ ‏"‏ ما هذا الكلام مصلحة تجاوب آبن استاذك بهذا الجواب‏!‏ ولكن لاطفه وقل له‏:‏ أنت تعلم أننا متبعون مصر وما يبرز منها فإن أردت الملك فاطلبه من مصر ولا تبتلش بنا وارجع عنا ‏"‏ وذكر له أشياء من هذا النمط فقال الأفرم‏:‏ لا أنا ما أقول هذا الكلام وليس له عندي إلا السيف إن جاءنا‏!‏ ‏"‏ ثم طلب الأفرم تنكز في خلوة وقال له‏:‏ ‏"‏ سر إلى أستاذك وقل له‏:‏ ‏"‏ ارجع وإلا يسمع الملك المظفر فيمسكك ويحبسك فتبقى تتمنى أن تشبع الخبز‏!‏ ولا ينفعك حينئذ أحد فإن كان لك رأي فاقبض على نوغيه ومن معه وسيرهم للملك المظفر فإن فعلت ذلك يصلح حالك ولا تفعل غير هذا تهلك ‏"‏‏.‏
    وكتب له كتابًا بمعنى هذا ودفعه إلى تنكز فلم يخرج تنكز من دمشق إلى أثناء الطريق‏.‏
    حتى خرج في أثره جماعة من أمراء دمشق إلى طاعة الناصر‏.‏
    وكان كلام الأفرم لتنكز أكبر الأسباب لخروج الملك الناصر من الكرك إلى دمشق فلما قدم الناصر دمشق وكتب الأمان للأفرم فتخوف الأفرم مما كان وقع منه من القول لما قدم عليه تنكز وطلب الحلف‏.‏
    انتهى‏.‏
    وقال بيبرس في تاريخه‏:‏ وأرسل السلطان إلى الأفرم رسلا بالأمان والأيمان وهما الأميران عز الدين أيدمر الزردكاش والأمير سيف الدين جوبان‏.‏
    وقال غيره‏:‏ بعث إليه السلطان نسخة الحلف مع الأمير الحاج أرقطاي الجمدار فما زال به حتى قدم معه هو وابن صبيح فركب السلطان إلى لقائه حتى قرب منه نزل كل منهما عن فرسه فأعظم الأفرم نزول السلطان له وقبل الأرض وكان الأفرم قد لبس كاملية وشد وسطه وتوشح بنصفية يعني أنه حضر بهيئة البطالين من الأمراء وكفنه تحت إبطه وعندما شاهدته الناس على هذه الحالة صرخوا بصوت واحد‏:‏ يا مولانا السلطان بتربة والدك الملك الشهيد قلاوون لا تؤذه ولا تغير عليه‏!‏ فبكى سائر من حضر وبالغ السلطان في إكرامه وخلع عليه وأركبه وأقره على نيابة دمشق فكثر الدعاء له وسار إلى القصر‏.‏
    فلما كان من الغد أحضر الأفرم خيلًا وجمالًا وثيابًا بمائتي ألف درهم تقدمة إلى السلطان الملك الناصر‏.‏
    وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شعبان خطب للملك الناصر بدمشق وانقطع منها آسم المظفر وصليت الجمعة بالميدان فكان يومًا مشهودًا‏.‏
    وفي ذلك اليوم قدم الأمير قرا سنقر نائب حلب والأمير قبجق نائب حماة والأمير أسندمر كرجي نائب طرابلس وتمر الساقي نائب حمص فركب السلطان إلى لقائهم وترجل إلى قرا سنقر وعانقه وشكر الأمراء وأثنى عليهم‏.‏
    ثم قدم الأمير كراي المنصوري نائب القدس والأمير بكتمر الجوكندار نائب صفد ثم قدم كل من الأمراء والنواب تقدمته بقدر حاله ما بين ثياب أطلس وحوائص ذهب وكلفتاة زركش وخيول مسرجة في عنق كل فرس كيس فيه ألف دينار وعليه مملوك وعدة بغال وجمال بخاتي وغير ذلك‏.‏
    وشرع الملك الناصر في النفقة على الأمراء والعساكر الواردة عليه مع النواب فلما آنتهت النفقة قدم بين يديه الأمير كراي المنصوري على عسكره إلى غزة فسار إليها وصار كراي يمد في كل يوم سماطًا عظيمًا للمقيمين والوارعين عليه فأنفق في ذلك أموالًا جزيلة من حاصله وآجتمع عليه بغزة عالم كثير وهو يقوم بكلفهم ويعدهم عن السلطان بما يرضيهم‏.‏
    وأما الملك المظفر فإنه قدم عليه الخبر في خامس عشرين شعبان باستيلاء الملك الناصر على دمشق بغير قتال فعظم ذلك على الملك المظفر وأظهر الذلة وخرجت عساكر مصر شيئًا بعد شيء تريد الملك الناصر حتى لم يبق عنده بالديار المصرية سوى خواصه من الأمراء والأجناد‏.‏
    وأما الأمير برلغي ومن معه من الأمراء صار عساكرهم تتسلل واحدًا بعد واحد حتى بقي برلغي في مماليكه وجماعة من خواص الملك المظفر بيبرس فتشاور برلغي مع جماعته حتى آقتضى رأيه ورأي آقوش نائب الكرك اللحاق بالملك الناصر أيضًا فلم يوافق على ذلك البرجية وعاد أيبك البغدادي وبكتوت الفتاح وقجقار ببقية البرجية إلى القاهرة وصاروا مع الملك المظفر بيبرس‏.‏
    وسار برلغي وآقوش إلى الملك الناصر فيمن بقي من الأمراء والعساكر فاضطربت القاهرة لذلك‏.‏
    وكان الملك المظفر قد أمر في مستهل شهر رمضان سبعة وعشرين أميرًا ما بين طبلخاناه وعشرات منهم من مماليكه‏:‏ صديق وصنقيجي وطوغان وقرمان وإغزلو وبهادر ومن المماليك السلطانية سبعة وهم‏:‏ قراجا الحسامي وطرنطاي المحمدي وبكتمر الساقي وبهادر قبجاق وأنكبار وطشتمر أخو بتخاص ولاجين وممن عداهم جركتمر بن بهادر وحسن بن الردادي ونزلوا الجميع إلى المدرسة المنصورية ليلبسوا الخلع على جاري العادة وآجتمع لهم النقباء والحجاب والعامة بالأسواق ينتظرون طلوعهم القلعة وكل منهم بقي لابس الخلعة فاتفق أن شخصًا من المنجمين كان بين يدي النائب سلار فرأى الطالع غير موافق فقال‏:‏ ‏"‏ هذا الوقت ركوبهم غير لائق ‏"‏ فلم يلتفت بعضهم ولبس وركب في طلبه فآستبردوهم العوام وقالوا‏:‏ ‏"‏ ليس له حلاوة ولا عليه طلاوة ‏"‏ وصار بعضهم يصيح ويقول‏:‏ ‏"‏ يا فرحة لا تمت ‏"‏‏.‏
    ثم أخرج الملك المظفر عدة من المماليك السلطانية إلى بلاد الصعيد وأخذ أخبازهم وظن الملك المظفر أنه ينشىء له دولة فلما بلغه مسير برلغي وآقوش نائب الكرك إلى الملك الناصر سقط في يده وعلم زوال ملكه فإن برلغي كان زوج ابنته وأحد خواصه وأعيان دولته بحيث إنه أنعم عليه في هذه الحركة بنيف وأربعين ألف دينار مصرية وقيل‏:‏ سبعين ألف دينار‏.‏
    وظهر عليه اختلال الحال وأخذ خواصه في تعنيفه على إبقاء سلار النائب وأن جميع هذا الفساد منه وكان كذلك‏:‏ فإنه لما فاتته السلطنة وقام بيبرس فيها حسده على ذلك ودبر عليه وبيبرس في غفلة عنه فإنه كان سليم الباطن لا يظن أن سلار يخونه‏.‏
    ثم قبض الملك المظفر ليلة الجمعة على جماعة من العوام وضربوا وشهروا لإعلانهم بسب الملك المظفر بيبرس فما زادهم ذلك إلا طغيانًا وفي كل ذلك تنسب البرجية فساد الأمور لسلار‏.‏
    فلما أكثر البرجية الإغراء بسلار قال لهم الملك المظفر‏:‏ ‏"‏ إن كان في خاطركم شيء فدونكم وإياه إذا جاء سلار للخدمة وأما أنا فلا أتعرض له بسوء قط ‏"‏‏.‏
    فاجتمعت البرجية على قبض سلار إذا حضر الخدمة في يوم الأثنين خامس عشره فبلغ سلار ذلك فتأخر عن حضور الخدمة واحترس على نفسه وأظهر أنه قد توعك فبعث الملك المظفر يسلم عليه ويستدعيه ليأخذ رأيه فاعتذر بأنه لا يطيق الحركة لعجزه عنها‏.‏
    فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان آستدعى الملك المظفر الأمراء كلهم وآستشارهم فيما يفعل فأشار الأمير بيبرس الدوادار المؤرخ والأمير بهادر آص بنزوله عن الملك والإشهاد عليه بذلك كما فعله الملك الناصر ‏"‏ وتسير إلى الملك الناصر بذلك وتستعطفه وتخرج إلى إطفيح بمن تثق به وتقيم هناك حتى يرد جواب الملك الناصر عليك ‏"‏ فأعجبه ذلك وقام ليجهز أمره وبعث بالأمير ركن الدين بيبرس الدوادار المذكور إلى الملك الناصر محمد يعرفه بما وقع‏.‏
    وقيل إنه كتب إلى الملك الناصر يقول مع غير بيبرس الدوادار‏:‏ ‏"‏ والذي أعرفك به أني قد رجعت أقلدك بغيك فإن حبستني علات ذلك خلوة وإن نفيتني عددت ذلك سياحة وإن قتلتني كان ذلك لي شهادة ‏"‏ فلما سمع الملك الناصر ذلك عين له صهيون على ما نذكره‏.‏
    وأما ما كتبه المظفر على يد بيبرس الدوادار يسأله في إحدى ثلاث‏:‏ إما الكرك وأعمالها أو حماة وبلادها أو صهيون ومضافاتها‏.‏
    ثم آضطربت أحوال المظفر وتحير وقام ودخل الخزائن وأخذ من المال والخيل ما أحب وخرج من يومه من باب الإسطبل في مماليكه وعدتهم سبعمائة مملوك ومعه من الأمراء‏:‏ الأمير عز الدين أيدمر الخطيري الأستادار والأمير بكتوت الفتاح والأمير سيف الدين قجماس والأمير سيف الدين تاكز في بقية ألزامه من البرجية فكأنما نودي في الناس بأنه خرج هاربًا فآجتمع العوام وعندما برز من باب الإسطبل صاحوا به وتبعوه وهم يصيحون عليه بأنواع الكلام وزادوا في الصياح حتى خرجوا عن الحد ورماه بعضهم بالحجارة‏.‏
    فشق ذلك على مماليكه وهموا بالرجوع إليهم ووضع السيف فيهم فمنعهم الملك المظفر من ذلك وأمر بنثر المال عليهم ليشتغلوا بجمعه عنه فأخرج كل من المماليك حفنة من الذهب ونثرها فلم يلتفت العامة لذلك وتركوه وأخذوا في العدو خلفه وهم يسبون ويصيحون فشهر المماليك حينئذ سيوفهم ورجعوا إلى العوام فآنهزموا منهم‏.‏
    وأصبح الحراس بقلعة الجبل في يوم الأربعاء سابع عشر شهر رمضان يصيحون باسم الملك الناصر وأسقط آسم الملك المظفر بإشارة الأمير سلار بذلك فإنه أقام بالقلعة ومهد أمورها بعد خروج المظفر إلى إطفيح‏.‏
    وفي يوم الجمعة تاسع عشره خطب على منابر القاهرة ومصر بآسم الملك الناصر والمسقط آسم الملك المظفر بيبرس هذا وزال ملكه‏.‏
    وأما الملك المظفر فإنه لما فارق القلعة أقام بإطفيح يومين ثم آتفق رأيه ورأي أيدمر الخطيري وبكتوت الفتاح إلى المسير إلى برقة وقيل بل إلى أسوان فأصبح حاله كقول القائل‏:‏ موكل ببقاع الأرض يذرعها من خفة الروع لا من خفة الطرب ولما بلغ مماليك الملك المظفر هذا الرأي عزموا على مفارقته‏.‏
    فلما رحل من إطفيح رجع المماليك عنه شيئًا بعد شيء إلى القاهرة فما وصل المظفر إلى إخميم حتى فارقه أكثر من كان معه فعند ذلك آنثنى عزمه عن التوجه إلى برقة وتركه الخطيري والفتاح وعادا نحو القاهرة‏.‏
    وبينما هو سائر قدم عليه الأميران‏:‏ بيبرس الدوادار وبهادر آص من عند الملك الناصر ليتوجه إلى بيبرس الدوادار فأخذ بيبرس المال وسار به في النيل إلى الملك الناصر وهو بقلعة الجبل وقدم بهادر آص في البر بالملك المظفر ومعه كاتبه كريم الدين أكرم وسأل المظفر في يمين السلطان مع من يثق به فحلف له الملك الناصر بحضرة الأمراء وبعث إليه بذلك مع أيتمش المحمدي فلما قدم عليه أيتمش بالغ المظفر في إكرامه وكتب الجواب بالطاعة وأنه يتوجه إلى ناحية السويس وأن كريم الدين يحضر بالخزانة والحواصل التي أخذها فلم يعجب السلطان ذلك وعزم على إخراج تجريدة إلى غزة ليردوه وأطلع على ذلك بكتمر الجوكندار النائب وقرا سنقر نائب دمشق والحاج بهادر وأسندمر نائب طرابلس‏.‏
    فلما كان يوم الخميس الذي قبض فيه الملك الناصر على الأمراء - على ما سيأتي ذكره مفصلًا في أول ترجمة الملك الناصر الثالثة إن شاء الله تعالى - جلس بعض المماليك الأشرفية خارج القلعة فلما خرج الأمراء من الخدمة قال‏:‏ ‏"‏ وأي ذنب لهؤلاء الأمراء الذين قبض عليهم‏!‏ وهذا الذي قتل أستاذنا الملك الأشرف ودمه الآن على سيفه قد صار اليوم حاكم المملكة ‏"‏ يعني عن قرا سنقر فقيل هذا لقرا سنقر فخاف على نفسه وأخذ في عمل الخلاص من مصر فآلتزم للسلطان أنه بتوجه ويحصل الملك المظفر بيبرس هو والحاج بهادر نائب طرابلس من غير إخراج تجريدة فإن في بعث الأمراء لذلك شناعة فمشى ذلك على السلطان ورسم بسفرهما فخرج قراسنقر ومعه سائر النواب إلى ممالكهم وعوق السلطان عنده أسندمر كرجي وقد استقر به في نيابة حماة وسار البقية‏.‏
    ثم جهز السلطان أسندمر كرجي لإحضار المظفر مقيدًا‏.‏
    وآتفق دخول قرا سنقر والأمراء إلى غزة قبل وصول المظفر إليها فلما بلغهم قربه ركب قرا سنقر وسائر النواب والأمراء ولقوه شرقي غزة وقد بقي معه عدة من مماليكه وقد تأهبوا للحرب فلبس الأمراء السلاح ليقاتلوهم فأنكر المظفر على مماليكه للقتال وقال‏:‏ ‏"‏ أنا كنت ملكًا وحولي أضعافك ولي عصبة كبيرة من الأمراء وما اخترت سفك الدماء‏!‏ ‏"‏ وما زال بهم حتى كفوا عن القتال وساق هو بنفسه حتى بقي مع الأمراء وسلم نفسه إليهم فسلموا عليه وساروا به إلى معسكرهم وأنزلوه بخيمة وأخذوا سلاح مماليكه ووكلوا بهم من يحفظهم وأصبحوا من الغد عائدين بهم معهم إلى مصر فأدركهم أسندمر كرجي بالخطارة فأنزل في الحال المظفر عن فرسه وقيده بقيد أحضره معه فبكى وتحدرت دموعه على شيبته فشق ذلك على قراسنقر وألقى الكلفتاة عن رأسه إلى الأرض وقال‏:‏ ‏"‏ لعن الله الدنيا فيا ليتنا متنا ولا رأينا هذا اليوم‏!‏ فترجلت الأمراء وأخذوا كلفتاته ووضعوها على رأسه‏.‏
    هذا مع أن قرا سنقر كان أكبر الأسباب في زوال دولة المظفر المذكور‏!‏ وهو الذي جسر الملك الناصر حتى كان من أمره ما ثم عاد قرا سنقر والحاج بهادر إلى محل كفالتهما وأخذ بهادر يلوم قرا سنقر كيف خالف رأيه فإنه كان أشار على قرا سنقر في الليل بعد القبض على المظفر بأن يخفي عن المظفر حتى يصل إلى صيهون ويتوجه كل منهما إلى محل ولايته ويخيفا الملك الناصر بأنه متى تغير عما كان وافق الأمراء عليه بدمشق قاموا بنصرة المظفر وإعادته إلى الملك فلم يوافق قرا سنقر وظن أن الملك الناصر لا يستحيل عليه ولا على المظفر فلما رأى ما حل بالمظفر نم على مخالفة بهادر‏.‏
    وبينما هما في ذلك بعث أسندمر كرجي إلى قراسنقر مرسوم السلطان بأن يحضر صحبة المظفر إلى القلعة - وكان عزم الناصر أن يقبض عليه - ففطن قرا سنقر بذلك وآمتنع من التوجه إلى مصر وآعتذر بأن العشير قد تجمعوا ويخاف على دمشق منهم وجد في السير وعرف أنه ترك الرأي في مخالفة بهادر‏.‏
    وقدم أسندمر بالمظفر إلى القلعة في ليلة الأربعاء الرابع عشر من ذي القعدة فلما مثل المظفر بين يدي السلطان قبل الأرض فأجلسه وعنفه بما فعل به وذكره بما كان منه إليه وعدد ذنوبه وقال له‏:‏ ‏"‏ تذكر وقد صحت علي يوم كذا بسبب فلان‏!‏ ورددت شفاعتي في حق فلان‏!‏ وآستدعيت بنفقة في يوم كذا من الخزانة فمنعتها‏!‏ وطلبت في وقت حلوى بلوز وسكر فمنعتني ويلك‏!‏ وزدت في أمري حتى منعتني شهوة نفسي ‏"‏ والمظفر ساكت‏.‏
    فلما فرغ كلام السلطان قال له المظفر‏:‏ ‏"‏ يا مولانا السلطان‏!‏ كل ما قلت فعلته ولم يبق إلا مراحم السلطان وإيش يقول المملوك لأستاذه ‏"‏ فقال له‏:‏ ‏"‏ يا ركن‏!‏ أنا اليوم أستاذك‏!‏ وأمس تقول لما طلبت إوزًا مشويًا‏:‏ إيش يعمل بالإوز‏!‏ الأكل هو عشرون مرة في النهار‏!‏ ‏"‏ ثم أمر به إلى مكان وكان ليلة الخميس فاستدعى المظفر بوضوء وقد صلى العشاء‏.‏
    ثم جاء السلطان الملك الناصر فخنق المظفر بين يديه بوتر حتى كاد يتلف ثم سيبه حتى أفاق وعنفه وزاد في شتمه ثم خنقه ثانيًا حتى مات وأنزل على جنوية إلى الإسطبل السلطاني فغسل ودفن خلف قلعة الجبل وذلك في ليلة الجمعة خامس عشر ذي القعدة سنة تسع وسبعمائة‏.‏
    وكانت أيام المظفر هذا في سلطنة مصر عشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا لم يتهن فيها من الفتن والحركة‏.‏
    وكان لما خرج المظفر من مصر هاربًا قبل دخول الملك الناصر - قال بعض الأدباء‏:‏ تثنى عطف مصر حين وافى قدوم الناصر الملك الخبير فذل الجشنكير بلا لقاء وأمسى وهو ذو جأش نكير إذا لم تعضد الأقدار شخصًا فأول ما يراع من النصير وقال النويري في تاريخه‏:‏ ولما وصلوا بالمظفر بيبرس إلى السلطان الناصر أوقفه بين يديه وأمر بدخوله الحمام وخنق في بقية من يومه ودفن بالقرافة وعفى أثر قبره مدة ثم أمر بآنتقاله إلى تربته بالخانقاه التي أنشأها فنقل إليها‏.‏
    وكان بيبرس هذا آبتدأ بعمارة الخانقاه والتربة داخل باب النصر موضع دار الوزارة في سنة ست وسبعمائة وأوقف عليها أوقافًا جليلة ولكنه مات قبل تمامها فأغلقها الملك الناصر مدة ثم فتحها‏.‏
    انتهى كلام النويري‏.‏
    وكان الملك المظفر ملكًا ثابتًا كثير السكون والوقار جميل الصفات ندب إلى المهمات مرارًا عديدة وتكلم في أمر الدولة مدة سنين وحسنت سيرته وكان يرجع إلى دين وخير ومعروف‏.‏
    تولى السلطنة على كره منه وله أوقاف على وجوه البر والصدقة وعمر ما هدم من الجامع الحاكمي داخل باب النصر بعد ما شعثته الزلازل‏.‏
    وكان من أعيان الأمراء في الدولة المنصورية قلاوون أستاذه ثم في الدولة الأشرفية خليل والدولة الناصرية محمد بن قلاوون‏.‏
    وكان أبيض اللون أشقر مستدير اللحية وهو جاركسي الجنس على ما قيل ولم يتسلطن أحد من الجراكسة قبله ولا بعده إلى الملك الظاهر برقوق وقيل إنه كان تركيًا والأقوى عندي أنه كان جاركسيًا لأنه كان بينه وبين آقوش الأفرم نائب الشام مودة ومحبة زائدة وقيل قرابة وكان الأفرم جاركسي الجنس‏.‏
    انتهى‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون Empty رد: السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:31 pm

    يــتـــبــــــــــــــــع


    واستولى السلطان الملك الناصر على جميع تعلقاته وآستقدم كاتبه كريم الدين أكرم بن العلم بن السديد فقدم على الملك الناصر بأموال المظفر بيبرس وحواصله فقربه السلطان وأثنى عليه ووعده بكل جميل إن أظهره على ذخائر المظفر بيبرس‏.‏
    فنزل كريم الدين إلى داره وتتبع أموال بيبرس وبذل جهده في ذلك‏.‏
    ثم انتمى كريم الدين إلى طغاي وكستاي وأرغون الدوادار الناصرية وبذل لهم مالًا كثيرًا حتى صاروا أكبر أعوانه وحموه من أستاذهم الملك الناصر‏.‏
    ثم قدم من كان مع المظفر بيبرس من المماليك وعدتهم ثلاثمائة ومعهم الهجن والخيل والسلاح ومبلغ مائتي ألف درهم وعشرين ألف دينار وستون بقجة من أنواع الثياب فأخذ السلطان جميع ذلك وفرق المماليك على الأمراء ما خلا بكتمر الساقي لجمال صورته وطوغان الساقي وقراتمر‏.‏
    ثم استدعى الملك الناصر القضاة وأقام عندهم البينة بأن جميع مماليك المظفر بيبرس وسلار وجميع ما وقفاه من الضياع والأملاك اشتري من بيت المال‏.‏
    فلما ثبت ذلك ندب السلطان جمال الدين آقوش الأشرفي نائب الكرك وكريم الدين أكرم لبيع تركة المظفر بيبرس وإحضار نصف ما يتحصل ودفع النصف الآخر لابنة المظفر زوجة الأمير برلغي الأشرفي فإن المظفر لم يترك من الأولاد سواها فشدد كريم الدين الطلب على زوجة المظفر وآبنته حتى أخذ منهما جواهر عظيمة القدر وذخائر نفيسة ثم تابع موجود المظفر فوجد له شيئًا كثيرًا‏.‏
    السنة التي حكم فيها الملك المظفر بيبرس وهي سنة تسع وسبعمائة على أن الملك المظفر بيبرس حكم من السنة الماضية أيامًا‏.‏
    فيها أعني سنة تسع وسبعمائة كانت الفتنة بين السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وبين الملك المظفر بيبرس‏.‏
    حسب ما تقدم ذكره مفصلًا حتى خلع المظفر وأعيد الناصر‏.‏
    وفيها كانت الفتنة أيضًا بالمدينة النبوية بين الشريف مقبل بن جماز بن شيحة وبين أخيه منصور بن جماز وكان مقبل قدم القاهرة فولاه المظفر نصف إمرة المدينة شريكًا لأخيه منصور فتوجه إليها فوجد منصورًا بنجد وقد ترك آبنه كبيشة بالمدينة فأخرجه مقبل فحشد كبيشة وقاتل مقبلًا حتى قتله وانفرد منصور بإمرة المدينة‏.‏
    وفيها كتب السلطان الملك الناصر لقرا سنقر نائب الشام بقتال العشير‏.‏
    وفيها أظهر خربندا ملك التتار الرفض في بلاده وأمر الخطباء إلا يذكروا في خطبهم إلا علي بن أبي طالب وولديه وأهل البيت‏.‏
    وفيها حج بالناس من القاهرة الأمير شمس الدين إلدكز السلاح دار ولم يحج أحد من الشام لاضطراب الدولة‏.‏
    وفيها توفي الأمير الوزير شمس الدين سنقر الأعسر المنصوري بالقاهرة في شهر ربيع الأول ودفن خارج باب النصر بعد ما استعفى ولزم داره مدة‏.‏
    وفيها توفي قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن نصر بن محمد بن أبي بكر الحراني الحنبلي في ليلة الجمعة الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول ودفن بالقرافة‏.‏
    ومولده بحران في سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه وقدم مصر فباشر نظر الخزانة وتدريس الصالحية ثم أضيف إليه قضاء الحنابلة فباشره وحمدت سيرته‏.‏
    وفيها توفي الشيخ نجم الدين محمد بن إدريس بن محمد القمولي الشافعي بقوص في جمادى الأولى وكان صالحًا عالمًا بالتفسير والفقه والحديث‏.‏
    وفيها توفي الأمير سيف الدين طغريل بن عبد الله الإيغاني بالقاهرة في عاشر شهر رمضان وكان من كبار الأمراء وأعيان الديار المصرية‏.‏
    وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك الخازندار في سابع شهر رمضان بالقاهرة وكان من أعيان أمراء مصر‏.‏
    وفيها توفي متملك تونس من بلاد الغرب الأمير أبو عبد الله محمد المعروف أبي عصيدة بن يحيى الواثق بن محمد المستنصر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص في عاشر شهر ربيع الآخر‏.‏
    وكانت مدة ملكه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وتولى بعده الأمير أبو بكر بن أبي يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الواحد المدعو بالشهيد لأنه قتل ظلمًا بعد ستة عشر يومًا من ملكه وبويع بعده أيضًا أبو البقاء خالد بن يحيى بن إبراهيم‏.‏
    وفيها توفي الوزير التاج أبو الفرج بن سعيد الدولة في يوم السبت ثاني شهر رجب وكان عند الملك المظفر بيبرس بمكانة عظيمة ولما تسلطن بيبرس قرره مشيرًا فكانت تحمل إليه فوطة العلامة فيمضي منها ما يختاره ويكتب عليه ‏"‏ عرض ‏"‏ فإذا رأى المظفر خطه علم وإلا فلا ولم يزل على ذلك حتى بعث إليه الأمير آقوش الأفرم نائب الشام يهدده بقطع رأسه فامتنع‏.‏
    وكان الأفرم صار يدبر غالب أمور الديار المصرية وهو بدمشق لأنه كان خشداش المظفر بيبرس وخصيصًا به والقائم بدولته والمعاند للناصر وغيره من نواب البلاد الشامية وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏
    كله في ترجمة الملك المظفر بيبرس‏.‏
    وفيها توفي الشيخ القدوة العارف بالله تعالى تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندري المالكي الصوفي الواعظ المذكر المسلك بالقاهرة في جمادى الآخرة ودفن بالقرافة وقبره معروف بها يقصد للزيارة‏.‏
    وكان رجلًا صالحًا عالمًا يتكلم على كرسي ويحضر ميعاده خلق كثير وكان لوعظه تأثير في القلوب وكان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق وأرباب الطريق وكان له نظم حسن على طريق القوم وكانت جنازته مشهودة حفلة إلى الغاية ومن يا صاح إن الركب قد سار مسرعًا ونحن قعود ما الذي أنت صانع أترضى بأن تبقى المخلف بعدهم صريع الأماني والغرام ينارع وهذا لسان الكون ينطق جهرة بأن جميع الكائنات قواطع وفيها توفي القاضي عز الدين عبد العزيز ابن القاضي شرف الدين محمد ابن فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني أحد كتاب الدرج ومدرس الفخرية في ثامن صفر بالقاهرة ودفن عند والده بالقرافة‏.‏
    وكان من أعيان الموقعين وهو ووالده وجده ومات وله دون الأربعين سنة وكان له فضيلة ونظم ونثر‏.‏
    ومن شعره في رد جواب‏:‏
    جاء الكتاب ومن سواد مداده مسك ** ومن قرطاسه الأنوار
    فتشرف الوادي به وتعطرت ** أرجاؤه وأنارت الأقطار
    قلت وأين هذا من قول البارع جمال الدين محمد بن نباتة المصري حيث يقول في هذا المعنى‏:‏ أفديه من ملك يكاتب عبده بأحرفه اللاتي حكتها الكواكب ملكت بها رقي وأنحلني الأسى فها أنذا عبد رقيق مكاتب والشيخ علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن العبيي رحمه الله‏:‏ أهلتني لجواب ما كان ظني أجاوب وفيها توفي القاضي بهاء الدين عبد الله بن نجم الدين أحمد بن علي ابن المظفر المعروف بابن الحلي ناظر ديوان الجيش المنصور واستقر عوضه القاضي فخر الدين صاحب ديوان الجيش‏.‏
    وفيها توفي الأديب إبراهيم بن علي بن خليل الحراني المعروف بعين بصل‏.‏
    كان شيخًا حائكًا أناف على الثمانين وكان عاميًا مطبوعًا وقصده آبن خلكان واستنشده من شعره فقال‏:‏ أما القديم فلا يليق إنشاده وأما نظم الوقت الحاضر فنعم وأنشده بديهًا‏:‏ وما كل وقت فيه يسمح خاطري بنظم قريض رائق اللفظ والمعنى وهل يقتضي الشرع الشريف تيممًا بترب وهذا البحر يا صاحبي معنا فقال له ابن خلكان‏.‏
    أنت عين بصر لا عين بصل‏.‏
    انتهى‏.‏

    أمر النيل في هذه السنة
    ‏:‏ الماء القديم تأخر وتأخرت الزيادة إلى أن دخل شهر مسرى ووقع الغلاء واستسقى الناس فنودي بزيادة ثلاث أصابع ثم توقفت الزيادة ونقص في أيام النسيء ثم زاد حتى بلغ في سابع عشرين توت خمس عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا وفتح خليج السد بعد ما كان الوفاء في تاسع عشر بابه بعد النوروز بتسعة وأربعين يومًا‏.‏
    وكان مبلغ الزيادة في هذه السنة ست عشرة ذراعًا وإصبعين‏.‏
    وكان ذلك في أوائل سلطنة المظفر بيبرس الجاشنكير‏.‏
    فتشاءم الناس بكعبه عود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى ملك مصر ثالث مرة وقد تقدم ذكر نزوله عن الملك وتوجهه إلى الكرك وخلع نفسه وماوقع له بالكرك من مجيء نوغاي ورفقته ومكاتباته إلى نواب الشام وخروجه من الكرك إلى الشام طالبًا ملك مصر إلى أن دخل إلى دمشق كل ذلك ذكرناه مفصلًا في ترجمة الملك المظفر بيبرس الجاشنكير‏.‏
    ونسوق الآن ذكر دخوله إلى مصر فنقول‏:‏ لما كانت الثانية من نهار الثلاثاء السادس عشر من شهر رمضان سنة تسع وسبعمائة وهي الساعة التي خلع الملك المظفر بيبرس نفسه فيها من ملك مصر بديار مصر خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من دمشق يريد الديار المصرية فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب وإقبال سعد الناصر وإدبار سعد المظفر وسارا الملك الناصر يريد الديار المصرية وصحبته نواب البلاد الشامية بتمامهم وكمالهم والعساكر الشامية وخواصه ومماليكه‏.‏
    وأما أمر الديار المصرية فإن الملك المظفر بيبرس لما خلع نفسه وخرج من مصر إلى الإطفيحية جلس الأمير سلار بقاعة النيابة من قلعة الجبل وجمع من بقي من الأمراء واهتم بحفظ القلعة وأخرج المحابيس الذين كانوا فيها من حواشي الملك الناصر محمد وغيرهم وركب ونادى في الناس‏:‏ ‏"‏ ادعوا لسلطانكم الملك الناصر ‏"‏ وكتب إلى الملك الناصر بنزول المظفر عن الملك وفراره إلى إطفيح وسير بذلك أصلم الدوادار ومعه النمجاه وكان قد توجه قبل ذلك من القاهرة الأمير بيبرس المنصورفي الدوادار والأمير بهادر آص في رسالة المظفر بيبرس أنه قد ترك السلطنة وأنه سأل‏:‏ إما الكرك وإما حماة وإما صهيون‏.‏
    واتفق يوم وصولهما إلى غزة قدوم الملك الناصر أيضًا إليها وقدوم الأمير سيف الدين شاطي السلاح دار في طائفة من الأمراء المصريين إليها أيضًا‏.‏
    ثم قدمت العربان وقدم الأمير مهنا بن عيسى بجماعة كثيرة من آل فضل فركب السلطان إلى لقائه‏.‏
    ثم قدم الأمير برلغي الأشرفي مقدم عساكر المظفر بيبرس وزوج ابنته والأمير آقوش الأشرفي نائب الكرك فسر الملك الناصر بقدومهما فإنهما كانا عضدي المظفر‏.‏
    قال الأمير بيبرس الدوادار المقدم ذكره في تاريخه رحمه الله‏:‏ وأما نحن فإنا تقدمنا على البريد فوصلنا إلى السلطان يوم نزوله على غزة فمثلنا بين يديه وأعدنا المشافهة عليه وطالعناه بنزول الركن عن السلطنة والتماسه مكانًا من بعض الأمكنة فاستبشر لحقن دماء المسلمين وخمود الفتنة واتفق في ذلك النهار ورود الأمير سيف الدين برلغي والأمير عز الدين البغدادي ومن معهما من الأمراء والمقدمين واجتمعنا جميعًاأ بالدهليز المنصور وقد شملنا الابتهاج وزال عنا الانزعاج وأفاض السلطان على الأمراء التشاريف الجليلة على طبقاتهم والحوائص الذهب الثمينة لصلاتهم فلم يترك أميرًا إلأ وصله ولا مقدمًا حتى شرفه بالخلع وجمله‏.‏
    وجددنا استعطاف السلطان فيما سأله الركن من الأمان وكل من الأمراء الحاضرين بين يديه يتلطف في سؤاله ويتضرع في مقاله حتى أجاب وعدنا بالجواب‏.‏
    ورحل السلطان على الأثر قاصدًا الديار المصرية فوصلنا إلى القلعة يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان واجتمعنا بالأمير سيف الدين سلار ووجدنا الجاشنكير قد تجاوز موضع الميعاد وأخذ في الإصعاد وحمله الإجفال على الإبعاد ولم يدعه الرعب يستقر به قرار ولا تلقتة معه أرض ولا دار فاقتضى الحال أن أرسلنا إليه الكتب الشريفة الواردة على أيدينا وعدت أنا وسيف الدين بهادر آص إلى الخدمة السلطانية فوجدنا الدهليز على منزلة السعيدية‏.‏
    انتهى كلام بيبرس الدوادار باختصار‏.‏
    قلت‏:‏ ولما تكاملت العساكر بغزة سار الملك الناصر يريد الديار المصرية فوافاه أصلم دوادار سلار بالنمجاه ثم وصل رسلان الدوادار فسر السلطان بنزوله‏.‏
    وسار حتى نزل بركة الحجاج في سلخ شهر رمضان وقد جهز إليه الأمير سلار الطلب السلطاني والأمراء والعساكر ثم خرج الأمير سلار إلى لقائه‏.‏
    وصلى السلطان صلاة العيد بالدهليز ببركة الحاج في يوم الأربعاء مستهل شوال وخرج الناس إلى لقاء السلطان الملك الناصر‏.‏
    وأنشد الشعراء مدائحهم بين يديه فمن ذلك ما أنشده الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن موسى الداعي أبياتًا منها‏:‏ الكامل‏:‏ الملك عاد إلى حماه كما بدا ومحمد بالنصر سر محمدا وإيابه كالسيف عاد لغمده ومعاده كالورد عاوده الندى الحق مرتجع إلى أربابه من كف غاصبه وإن طال المدى ومنها‏:‏ يا وارث الملك العقيم تهنه واعلم بأنك لم تسد فيه سدى عن خير أسلاف ورثت سريره فوجدت منصبه السري ممهدا يا ناصرًا من خير منصور أتى كمهند خلف الغداة مهندا آنست ملكًا كان قبلك موحشًا وجمعت شملًا كان منه مبددا ومنها‏:‏ فالناس أجمع قد رضوك مليكهم وتضرعوا ألا تزال مخلدا وتباركوا بسناء غرتك التي وجدوا على نوار بهجتها هدى لا زلت منصور اللواء مؤيد إل - - عزمات ما هتف الحمام وغردا ثم قدم الأمير سلار سماطًا جليلًا بلغت النفقة عليه اثني عشر ألف درهم وجلس عليه السلطان والأمراء والأكابر والعساكر‏.‏
    فلما انقضىالسماط عزم السلطان على المبيت هناك والركوب بكرة النهار يوم الخميس فبلغه أن الأمير برلغي والأمير آقوش نائب الكرك قد اتفقا مع البرجية على الهجوم عليه وقتله فبعث السلطان إلى الأمراء عرفهم بما بلغه وأمرهم بالركوب فركبوا وركبت المماليك ودقت الكوسات‏.‏
    وسارالناصر وقت الظهر من يوم الأربعاء وقد احتفت به مماليكه كي لايصل إليه أحد من الأمراء حتى وصل إلى القلعة وخرج الناس بأجمعهم إلى مشاهدته‏.‏
    فلما وصل بين العروستين ترجل سلار عن فرسه وترجل سائر الأمراء ومشوا بين يديه إلى باب السر من القلعة وقد وقف جماعة من الأمراء بمماليكهم وعليهم السلاح حتى عبر السلطان إلى القلعة ثم أمر السلطان الأمراء بالانصراف إلى منازلهم وعين جماعة من الأمراء الذين يثق بهم أن يستمروا على ظهور خيولهم حول القلعة طول الليل فباتوا على ذلك‏.‏
    وأصبحوا من الغد وقد جلس السلطان الملك الناصر على كرسي الملك وهو يوم الخميس ثاني شؤال‏.‏
    وحضر الخليفة أبو الربيع سليمان والقضاة والأمراء وسائر أهل الدولة للهناء فقرأ الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن موسى الداعي‏:‏ ‏"‏ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ‏"‏ الآية 2‏.‏
    وأنشد بعض الشعراء هذه الأبيات‏:‏ الطويل تهنأت الدنيا بمقدمه الذي أضاءت له الآفاق شرقًا ومغربا وأما سرير الملك فاهتز رفعة ليبلغ في التشريف قصدًا ومطلبا وتاق إلى أن يعلو الملك فوقه كما قد حوى من قبله الأخ والأبا وكان ذلك بحضرة الأمراء والنواب والعساكر ثم حلف السلطان الجميع على طبقاتهم ومراتبهم الكبير منهم والصغير‏.‏
    ولما تقدم الخليفة ليسلم على السلطان نظر إليه وقال له‏:‏ كيف تحضر وتسلم على خارجي هل كنت أنا خارجيا وبيبرس من سلالة بني العباس فتغير وجه الخليفة ولا ينطق‏.‏
    قلت‏:‏ والخليفة هذا كان الملك الناصر هو الذي ولاه الخلافة بعد موت أبيه الحاكم بأمر الله‏.‏
    ثم التفت السلطان إلى القاضي علاء الدين علي بن عبد الظاهر الموقع وكان هو الذي كتب عهد المظفر بيبرس عن الخليفة وقال له‏:‏ يا أسود الوجه فقال ابن عبد الظاهر من غير توقف‏:‏ يا خوند أبلق خير من أسود‏.‏
    فقال السلطان‏:‏ ويلك حتى لا تترك رنكه أيضًا يعني أن ابن عبد الظاهر كان ممن ينتمي إلى سلار وكان رنك سلار أبيض وأسود‏.‏
    ثم التفت السلطان إلى قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة وقال له‏:‏ يا قاضي كنت تفتي المسلمين بقتالي فقال‏:‏ معاذ الله أن تكون الفتوى كذلك وإنما الفتوى على مقتضى كلام المستفتي‏.‏
    ثم حضر الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن المرحل وقبل يد السلطان فقال له السلطان‏:‏ كنت تقول في قصيدتك‏:‏ ما للصبي وما للملك يكفله فحلف ابن المرحل بالله ما قال هذا وإنما الأعداء أرادوا إتلافي فزادوا في قصيدتي هذا البيت والعفو من شيم الملوك فعفا عنه‏.‏
    وكان ابن المرحل قد مدح المظفر بيبرس بقصيدة عرض فيها بذكر الملك الناصر محمد من جملتها‏:‏ البسيط ما للصبي وما للملك يكفله شأن الصبي بغير الملك مألوف ثم استأذن شمس الدين محمد بن عدلان للدخول على السلطان فقال السلطان للدوادار قل له‏:‏ أنت أفتيت أنه خارجي وقتاله جائز ما لك عنده دخول ولكن عرفه هو وابن المرحل أنه يكفيهما ما قال الشار مساحي في حقهما وكان من خبر ذلك أن الأديب شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الشارمساحي الماجن مدح السلطان الملك الناصر بقصيدة يهجو فيها المظفر بيبرس ولى المظفر لما فاته الظفر وناصر الحق وافى وهو منتصر وقد طوى الله من بين الورى فتنًا كادت على عصبة الإسلام تنتشر فقل لبيبرس إن الدهر ألبسه أثواب عارية في طولها قصر لما تولى تولى الخير عن أمم لم يحمدوا أمرهم فيها ولا شكروا وكيف تمشي به الأحوال في زمن لا النيل وافى ولا وافاهم مطر ومن يقوم ابن عدلان بنصرته وابن المرحل قل لي كيف ينتصر وكان المطر لم يقع في تلك السنة بأرض مصر وقصر النيل وشرقت البلاد وارتفع السعر‏.‏
    واتفق أيضًا يوم جلوس السلطان الملك الناصر أن الأمراء لما اجتمعوا قبل خروج السلطان إليهم بالإيوان أشار الأفرم نائب الشام لمنشد يقال له مسعود أحضره معه من دمشق فقام مسعي وأنشد أبياتًا لبعض عوام القاهرة قالها عند توجه الملك الناصر من الديار المصرية إلى الكرك‏:‏ منها‏:‏ الطويل أحبة قلبي إنني لوحيد أريد لقاكم والمزار بعيد كفى حزنًا أني مقيم ببلدة ومن شف قلبي بالفراق فريد أجول بطرفي في الديار فلا أرى وجوه أحبائي الذين أريد فتواجد الأفرم وبكى وحسر عن رأسه ووضع الكلفتاة على الأرض فأنكر الأمراء ذلك وتناول الأمير قراسنقر الكلفتاة ووضعها بيده على رأس الأفرم ثم خرج السلطان فقام الجميع وصرخ الجاويشية فقبل الأمراء الأرض وجرى ما ذكرناه وانقضت الخدمة ودخل السلطان إلى الحريم‏.‏
    ثم بعد الخدمة قدم الأمير سلار النائب عدة من المماليك والخيول والجمال وتعابي القماش ما قيمته مائتا ألف درهم فقبل السلطان شيئًا ورد الباقي‏.‏
    وسأل سلار الإعفاء من الإمرة والنيابة وأن ينعم عليه بالشوبك فأجيب إلى ذلك بعد أن حلف أنه متى طلب حضر وخلع السلطان عليه وخرج سلار من مصر عصر يوم الجمعة ثالث شوال مسافرًا إلى الشوبك فكانت مدة نيابة سلار على مصر إحدى عشرة سنة‏.‏
    وكانت الخلعة التي خلعها السلطان عليه بالعزل عن النيابة أعظم من خلعة الولاية وأعطاه حياصة من الذهب مرضعة وتوجه معه الأمير نظام الدين مسفرًا له واستمر الأمير علي بن سلار بالقاهرة وأعطاه السلطان إمرة عشرة بمصر‏.‏
    ثم في خامس شؤال قدم رسول المظفر بيبرس يطلب الأمان فأمنه السلطان‏.‏
    وفيه خلع السلطان على الأمير شمس الدين قراسنقر المنصوري باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن الأمير آقوش الأفرم بحكم عزله‏.‏
    وخلع على الأمير سيف الدين قبجق المنصوري بنيابة حلب عوضًا عن قرا سنقر‏.‏
    وخلع على أسندمركرجي بنيابة حماة عوضًا عن قبجق وخلع على الحاج بهادر الحلبي بنيابة طرابلس عوضًا عن أسندمر كرجي‏.‏
    وخلع على قطلوبك المنصوري بنيابة صفد عوضًا عن بكتمر الجوكندار‏.‏
    واستقر سنقر الكمالي حاجب الحجاب بديار مصر على عادته وقرالاجين أمير مجلس على عادته‏.‏
    وبيبرس الدوادار على عادته وأضيف إليه نيابة دار العدل ونظر الأحباس‏.‏
    وخلع على الأمير جمال الدين آقوش الأفرم نائب الشام كان بنيابة صرخد على خبز مائة فارس‏.‏
    وأنعم السلطان على نوغاي القبجاقي بإقطاع الأمير قطلوبك المنصوري وهو إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق‏.‏
    ونوغاي هذا هو صاحب الواقعة مع المظفر والخارج من مصر إلى الكرك‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم رسم السلطان لشهاب الدين بن عبادة بتجهيز الخلع والتشاريف لسائر أمراء الشام ومصر فجهزت وخلع عليهم كلهم في يوم الاثنين سادس شوال وركبوا بالخلع والتشاريف فكان لركوبهم يوم عظيم‏.‏
    وفي يوم الأحد ثاني عشر شوال استقر فخر الدين عمر بن الخليلي في الوزارة عوضًا عن ضياء الدين النشائي‏.‏
    ثم رسم السلطان للنواب بالسفر فأول من سافر الأمير قبجق نائب حلب وخرجت معه تجريدة من العساكر المصرية خوفًا من طارق يطرق البلاد‏.‏
    والذي تجرد مع قبجق من أمراء مصر هم‏:‏ الأمير جبا أخو سلار وطرنطاي البغدادي وعلاء الدين أيدغدي وبهادر الحموي وبلبان الدمشقي وسابق الدين بوزنا الساقي وركن الدين بيبرس الشجاعي وكوري السلاح دار وأقطوان الأشرفي وبهادر الجوكندار وبلبان الشمسي وأيدغدي الزراق وكهرداش الزراق وبكتمر أستادار وأيدمر الإسماعيلي وأقطاي الجمدار وجماعة من أمراء العشرات‏.‏
    فلما وصلوا إلى حلب رسم بإقامة جماعة منهم بالبلاد الشامية عدتهم ستة من أمراء الطبلخاناه وعادت البقية‏.‏
    وفي يوم الخميس سادس عشر شوال حضر الأمراء للخدمة على العادة وقد قرر السلطان مع مماليكه القبض على عدة من الأمراء وأن كل عشرة يقبضون أميرًا ممن عينهم بحيث يكون العشرة عند دخول الأمير محتفة به فإذا رفع السماط واستدعى السلطان أمير جاندار قبض كل جماعة على من عين لهم‏.‏
    فلما حضر الأمراء في الخدمة أحاط بهم المماليك ففهموا القصد وجلسوا على السماط فلم يتناول أحد منهم لقمة وعندما نهضوا أشار السلطان إلى أمير جاندار فتقدم إليه وقبض المماليك على الأمراء المعينين وعدتهم اثنان وعشرون أميرًا فلم يتحرك أحد منهم فبهت الجميع ولم يفلت منهم سوى جركتمر بن بهادر رأس نوبة فإنه لما فهم القصد وضع يده على أنفه كأنه رعف وخرج من غير أن يشعر به أحد واختفى عند الأمير قراسنقر وكان زوج أخته فشفع فيه قراسنقر فقبل السلطان شفاعته‏.‏
    وكان الأمراء المقبوض عليهم‏:‏ الأمير باكير وأيبك البغدادي وقينغار التقوي وقجماس وصاروجا وبيبرس وبيدمروتينوا ومنكوبرس وإشقتمر والسيواسي وسنقر الكمالي الحاجب والحاج بيليك المطفري والغتمي وإكبار وحسن الردادي وبلاط وتمربغا وقيران ونوغاي الحموي وهو غير نوغاي القبجاقي صاحب الواقعة وجماعة أخر تتمة الاثنين وعشرين أميرًا‏.‏
    وفي ثالث عشرين شوال استقر الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار المنصوري في نيابة السلطنة بديار مصر عوضًا عن سلار‏.‏
    وفيه أمر السلطان اثنين وثلاثين أميرًا من مماليكه منهم‏:‏ تنكز الحسامي الذي ولي نيابة الشام بعد ذلك وطغاي وكستاي وقجليس وخاص ترك وطط قرا وأقتمر وأيدمر الشيخي وأيدمر الساقي وبيبرس أمير آخور وطاجار المارديني الناصري وخضر بن نوكاي وبهادر قبجق والحاج أرقطاي وأخوه أيتمش المحمدي وأرغون الدوادار الذي صار بعد ذلك نائب السلطنة بمصر وسنقر المرزوقي وبلبان الجاشنكير وأسنبغا بن عبد الله المحمودي الأمير سيف الدين وبيبغا المكي وأمير علي بن قطلوبك ونوروز أخو جنكلي وألجاي الحسامي وطيبغا حاجي ومغلطاي العزي صهر نوغاي وقرمشي الزيني وبكتمر قبجق وتينوا الصالحي ومغلطاي البهائي وسنقر السلاح دار ومنكلي بغا وركبوا الجميع بالخلع والشرابيش من المنصورية ببين القصرين وشقوا القاهرة وقد أوقدت الحوانيت كلها إلى الرميلة وسوق الخيل وصفت المغاني وأرباب الملاهي في عدة أماكن ونثرت عليهم الدراهم فكان يومًا مشهودًا‏.‏
    وكان المذكورون منهم أمراء طبلخاناه وعشراوات‏.‏
    وفيه قبض السلطان على برلغي الأشرفي وجماعة أخر‏.‏
    ثم بعد أيام أيضًا قبض السلطان على الأمير عز الدين أيدمر الخطيري الأستادار والأمير بدر الدين بكتوت الفتاح أمير جاندار بعدما حضرا من عند الملك المظفر بيبرس وخلع عليهما وذلك بعد الفتك بالمظفر بيبرس حسب ما ذكرناه في ترجمة المظفر بيبرس وسكتنا عنه هنا لطول قصته ولقصر مدة حكايته فإنه بالأمس ذكر فليس لتكراره محل ومن أراد ذلك فلينظر في ترجمة المظفر بيبرس‏.‏
    انتهى‏.‏
    وفيه سفر الأمراء المقبوض عليهم إلى حبس الإسكندرية وكتب بالإفراج عن المعتقلين بها وهم‏:‏ آقوش المنصوري قاتل الشجاعي والشيخ علي التتاري ومنكلي التتاري وشاورشي بن قنغر وهو الذي كان أثار فتنة الشجاعي وكتبغا وغازي وموسى أخوا حمدان بن صلغاي فلما حضر‏.‏
    خلع عليهم وأنعم عليهم بإمريات في الشام‏.‏
    ثم أحضر شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية من سجن الإسكنرية وبالغ في إكرامه وكان حبسه المظفر لأمر وقع بينه وبين علماء دمشق ذكرناه في غير هذا الكتاب وهو بسبب الاعتقاد وما يرمى به أوباش الحنابلة‏.‏
    وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرين صفر سنة عشر وسبعمائة عزل السلطان قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي عن قضاء الديار المصرية بقاضي القضاة جمال الدين أبي داود سليمان بن مجد الدين أبي حفص عمر الزرعي وعزل قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن إبراهيم السروجي الحنفي فأقام بعد عزله ستة أيام ومات‏.‏
    ثم كتب السلطان الملك الناصر بالقبض على الأمراء الذين كان أطلقهم من حبس الإسكندرية وأنعم عليهم بإمريات بالبلاد الشامية خوفًا من شرهم‏.‏
    ثم استقر السلطان بالأمير بكتمر الحسامي حاجب دمشق في نيابة غزة عوضًا عن بلبان البدري‏.‏
    ثم قبض السلطان على قطقطو والشيخ علي وضروط مماليك سلار وأمر عوضهم جماعة من مماليكه وحواشيه منهم‏:‏ بيبغا الأشرفي وجفتاي وطيبغا الشمسي وأيدمر الدوادار وبهادر النقيب‏.‏
    وفيها حضر ملك العرب حسام الدين مهنا أمير آل فضل فأكرمه السلطان وخلع عليه وسأل مهنا السلطان في أشياء وأجابه منها‏:‏ ولاية حماة للملك المؤيد إسماعيل ابن الملك الأفضل علي الأيوبي فأجابه إلى ذلك ووعده بها بعد أسندمر كرجي ومنها الشفاعة في أيدمر الشيخي فعفا عنه وأخرجه إلى قوص ومنها الشفاعة في الأمير برلغي الأشرفي وكان في الأصل مملوكه قد كسبه مهنا هذا من التتار ثم أهداه إلى الملك المنصور قلاوون فورثه منه ابنه الملك الأشرف خليل بن قلاوون فعدد السلطان الملك الناصر ذنوبه فما زال به مهنا حتى خفف عنه وأذن للناس في الدخول عليه ووعدده بالإفراج عنه بعد شهر فرضي بذلك وعاد إلى بلاده وهو كثير الشكر والثناء على الملك الناصر‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون Empty رد: السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 8:33 pm

    يتبع
    ولما فرغ السلطان الملك الناصر

    كل من أمر المظفر بيبرس وأصحابه ولم يبق عنده ممن يخشاه إلا سلار ندب إليه السلطان الأمير ناصر الدين محمد ابن أمير سلاح بكتاش الفخري وكتب على يده كتابًا بحضوره إلى مصر فاعتذر سلار عن الحضور إلى الديار المصرية بوجع في فؤاده وأنه يحضر إذا زال عنه‏.‏
    فتخيل السلطان من تأخره وخاف أن يتوخه إلى التتارة فكتب إلى قراسنقر نائب الشام وإلى أسندمر نائب حماة بأخذ الطرق على سلار لئلا يتوجه إلى التتار‏.‏
    ثم بعث الملك الناصر بالأميرين‏:‏ بيبرس الدوادار وسنجر الجاولي إلى الأمير سلار وأكد عليهما في إحضاره وأن يضمنا له عن السلطان أنه يريد إقامته عنده يستشيره في أمور المملكة فقدما على سلار وبلغاه عن السلطان ما قال فوعدهما أنه يحضر وكتب الجواب بذلك فلما رجعا اشتد قلق السلطان وكثر خياله منه‏.‏
    وأما سلار فإنه تحير في أمره واستشار أصحابه فاختلفوا عليه فمنهم من أشار بتوجهه إلى السلطان ومنهم من أشار بتوجهه إلى قطر من الأقطار إما إلى التتار أو إلى اليمن أو إلى برقة‏.‏
    فعول على المسير إلى اليمن ثم رجع عن ذلك وأجمع على الحضور إلى السلطان وخرج من الشوبك و عنده ممن سافر معه من مصر أربعمائة وستون فارسًا فسار إلى القاهرة فعندما قدم على الملك الناصر قبض عليه وحبسه بالبرج من قلعة الجبل وذلك في سلخ شهر ربيع الأول سنة عشر وسبعمائة‏.‏
    ثم ضيق السلطان على الأمير برلغي بعد رواح الأمير مهنا وأخرج حريمه من عنده ومنع ألا يدخل إليه أحد بأكل ولا شرب حتى أشفى على الموت ويبست أعضاؤه وخرس لسانه من شدة الجوع ومات ليلة الأربعاء ثاني شهر رجب‏.‏
    وأما أمر سلار فإنه لما حضر بين يدي الملك الناصر عاتبه عتابًا كثيرًا وطلب منه الأموال وأمر الأمير سنجر الجاولي أن ينزل معه ويتسلم منه مايعطيه من الأموال فنزل معه إلى داره ففتح سلار سربًا تحت الأرض فأخرج منه سبائك ذهب وفضة وجرب من الأديم الطائفي في كل جراب عشرة آلاف دينار فحملوا من ذلك السرب أكثر من حمل خمسين بغلًا من الذهب والفضة ثم طلع سلار إلى الطارمة التي كان يحكم عليها فحفروا تحتها فأخرجوا سبعًا وعشرين خابية مملوءة ذهبًا ثم أخرج من الجواهر شيئأ كثيرًا منها‏:‏ حجر بهرمان زنته أربعون مثقالًا وأخرج ألفي حياصة ذهب مجوهرة بالفصوص وألفي قلادة من الذهب كل قلادة تساوي مائة دينار وألفي كلفتاة زركش وشيئًا كثيرًا يأتي ذكره أيضًا بعد أن نذكر وفاته ومنها‏:‏ أنهم وجدوا له لجمًا مفضضة فنكتوا الفضة عن السيور ووزنوها فجاء وزنها عشرة قناطير بالشامي‏.‏
    ثم إن السلطان طلبه وأمر أن يبنى عليه أربع حيطان في مجلسه وأمر ألا يطعم ولايسقى وقيل‏:‏ إنه لما قبض عليه وحبسه بقلعة الجبل أحضر إليه طعامًا فأبى سلار أن يأكل وأظهر الغضب فطولع السلطان بذلك فأمر بألا يرسل إليه طعام بعد هذا فبقي سبعة أيام لا يطعم ولايسقى وهو يستغيث من الجوع فأرسل إليه السلطان ثلاثة أطباق مغطاة بسفر الطعام فلما أحضروها بين يديه فرح فرحًا عظيمًا وظن أن فيها أطعمة يأكل منها فكشفوها فإذا في طبق ذهب وفي الآخر فضة وفي الآخر لؤلؤ وجواهر فعلم سلار أنه ما أرسل إليه هذه الأطباق إلا ليقابله على ما كان فعله معه فقال سلار‏:‏ الحمد لله الذي جعلني من أهل المقابلة في الدنيا وبقي على هذه الحالة اثني عشر يومًا ومات فأعلموا الملك الناصر بموته فجاؤوا إليه فوجدوه قد أكل ساق خفه وقد أخذ السرموجة وحطها في فيه وقد عض عليها بأسنانه وهو ميت وقيل‏:‏ إنهم دخلوا عليه قبل موته وقالوا‏:‏ السلطان قد عفا عنك فقام من الفرح ومشى خطوات ثم خر ميتًا وذلك في يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة وقيل‏:‏ في العشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة‏.‏
    فأخذ الأمير علم الدين سنجر الجاولي بإذن السلطان وتولى غسله وتجهيزه ودفنه بتربته التي أنشأها بجانب مدرسته على الكبش خارج القاهرة بالقرب من جامع ابن طولون لصداقة كانت بين الجاولي و سلار قديمًا وحديثًا‏.‏
    وكان سلار أسمر اللون أسيل الخد لطيف القد صغير اللحية تركي الجنس وكان أصله من مماليك الملك الصالح علي بن قلاوون الذي مات في حياة والده قلاوون وكان سلار أميرًا جليلًا شجاعًا مقدامًا عاقلًا سيوسًا وفيه كرم وحشمة ورياسة وكانت داره ببين القصرين بالقاهرة‏.‏
    وقيل‏:‏ إن سلار لما حج المرة الثانية فرق في أهل الحرمين أموالًا كثيرة وغلالًا وثيابًا تخرج عن حد الوصف حتى إنه لم يدع بالحرمين فقيرًا وبعد هذا مات وأكبر شهواته رغيف خبز وكان في شونته يوم مات من الغلال ما يزيد على أربعمائة ألف إردب‏.‏
    وكان سلار ظريفًا لبيسًا كبير الأمراء في عصره اقترح أشياء من الملابس كثيرة مثل السلاري وغيره ولم يعرف لبس السلاري قبله وكان شهد وقعة شقحب مع الملك الناصر وأبلى في ذلك اليوم بلاء حسنًا وثخنت جراحاته وله اليد البيضاء في قتال التتار‏.‏
    وتولى نيابة السلطنة بديار مصر فاستقل فيها بتدبير الدولة الناصرية نحو عشر سنين‏.‏
    ومن جملة صدقاته أنه بعث إلى مكة في سنة اثنتين وسبعمائة في البحر المالح عشرة آلاف إردب قمح ففرقت في أهل مكة وكذا فعل بالمدينة‏.‏
    وكان فارسًا كان إذا لعب بالكرة لا يرى في ثيابه عرق وكذا في لعب الرمح مع الإتقان فيهما‏.‏
    وأما ماخلفه من الأموال فقد ذكرنا منه شيئًا ونذكر منه أيضًا ما نقله بعض المؤرخين‏.‏
    قال الجزري‏:‏ وجد ل سلار بعد موته ثمانمائة ألف ألف دينار وذلك غير الجوهر والحلي والخيل والسلاح‏.‏
    قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي‏:‏ هذا كالمستحيل وحسب زنة الدينار وجمله بالقنطار فقال‏:‏ يكون ذلك حمل خمسة آلاف بغل وما سمعناه عن أحد من كبار السلاطين أنه ملك هذا القدر ولا سيما ذلك خارج عن الجوهر وغيره‏.‏
    انتهى كلام الذهبي‏.‏
    قلت‏:‏ وهو معذور في الجزري فإنه جازف وأمعن‏.‏
    وقالى ابن دقماق في تاريخه‏:‏ وكان يدخل إلى سلار في كل يوم من أجرة أملاكه ألف دينار‏.‏
    وحكى الشيخ محمد بن شاكر الكتبي فيما رآه بخط الإمام العالم العلامة علم الدين البرزالي قال‏:‏ رفع إلي المولى جمال الدين بن الفويرة ورقة فيها قبض أموال سلار وقت الحوطة عليه في أيام متفرقة أولها يوم الأحد‏:‏ ياقوت أحمر وبهرمان رطلان‏.‏
    بلخش رطلان ونصف‏.‏
    زمرد ريحاني وذباب تسعة عشر رطلًا‏.‏
    صناديق ضمنها فصوص ستة‏.‏
    ما بين زمرد وعين الهر ثلاثمائة قطعة كبار‏.‏
    لؤلؤ مدور من مثقال إلى درهم ألف ومائة وخمسون حبة‏.‏
    ذهب عين مائتا يوم الاثنين‏:‏ فصوص مختلفة رطلان ذهب عين خمسة وخمسون ألف دينار دراهم ألف ألف درهم‏.‏
    مصاغ وعقود ذهب مصري أربع قناطير‏.‏
    فضيات طاسات وأطباق وطشوت ست قناطير‏.‏
    يوم الثلاثاء‏:‏ ذهب عين خمسة وأربعون ألف دينار دراهم ثلاثمائة ألف درهم وثلاثون ألف درهم‏.‏
    قطزيات وأهله وطلعات صناجق فضة ثلاثة قناطير‏.‏
    يوم الأربعاء‏:‏ ذهب عين ألف ألف دينار دراهم ثلاثمائة ألف درهم‏.‏
    أقبية بفرو قاقم ثلاثمائة قباء‏.‏
    أقبية حرير عمل الدار ملونة بفرو سنجاب أربعمائة قباء سروج ذهب مائة سرج‏.‏
    ووجد له عند صهره أمير موسى ثمانية صناديق لم يعلم ما فيها حملت إلى الدور السلطانية وحمل أيضًا من عند سلار إلى الخزانة تفاصيل طرد وحش وعمل الدار ألف تفصيلة‏.‏
    ووجد له خام السفر ست عشرة نوبه كاملة‏.‏
    ووصل له مما كان أخذه صحبته لما توجه إلى الشوبك ذهب مصري خمسون ألف دينار ودراهم أربعمائة ألف درهم وسبعون ألف درهم وخلع ملونة ثلاثمائة خلعة وخركاه كسوتها أطلس أحمر معدني مبطن بأزرق مروزي أوستر بابها زركش ووجد له خيل ثلاثمائة فرس ومائة وعشرون قطار بغال ومائة وعشرون قطار جمال‏.‏
    هذا خارج عما وجد له من الأغنام والأبقار والجواميس والأملاك والمماليك والجواري والعبيد‏.‏
    ودل مملوكه على مكان مبني في داره فوجدوا حائطين مبنيين بينهما أكياس ما علم عدتها وفتح مكان آخر فيه فسقية ملآنة ذهبًا منسبكًا بغيرأكياس‏.‏
    قلت‏:‏ ومما زاد سلار من العظمة أنه لما ولي النيابة في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وصار إليه وإلى بيبرس الجاشنكير تدبير المملكة حضر إلى الديار المصرية الملك العادل زين الدين كتبغا الذي كان سلطان الديار المصرية وعزل بحسام الدين لاجين ثم استقر نائب حماة فقدم كتبغا إلى القاهرة وقبل الأرض بين يدي الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم خرج من عنده وأتى سلار هذا ليسلم عليه فوجد سلار راكبًا وهو يسير في حوش داره فنزل كتبغا عن فرسه وسلم على سلار و سلار على فرسه لم ينزل عنه وتحادثا حتى انتهى كلام كتبغا وعاد إلى حيث نزل بالقاهرة فهذا شيء لم يسمع بمثله انتهى‏.‏
    وبعد موت سلار قدم على السلطان البريد بموت الأمير قبجق المنصوري نائب حلب وكان الملك الناصر عزل أسندمر كرجي عن نيابة حماة وولى نيابة حماة للملك المؤيد عماد الدين إسماعيل فسار إليه المؤيد من دمشق فمنعه أسندمر فأقام المؤيد بين حماة ومصر ينتظر مرسوم السلطان فاتفق موت قبجق نائب حلب فسار أسندمر من حماة إلى حلب وكتب يسأل السلطان في نيابة حلب فأعطاها ثم عزل السلطان بكتمر الحسامي الحاجب عن نيابة غزة وأحضره إلى القاهرة وولى عوضه على نيابة غزة الأمير قطلقتمر وخلع على بكتمر الحاجب بالوزارة بالديار المصرية عوضًا عن فخر اللدين عمر بن الخليلي‏.‏
    ثم قدم البريد بعد مدة لكن في السنة بموت الأمير الحاج بهادر الحلبي نائب طرابلس فكتب السلطان بنقل الأمير جمال الدين آقوش الأفرم من نيابة صرخد إلى نيابة طرابلس عوضًا عن الحاج بهادر المذكور فسار إليها وفرح بموت الحاج بهادر فرحًا عظيمًا فإنه كان يخافه ويخشى شره‏.‏
    ثم التفت السلطان بعد موت قبجق والحاج بهادر المذكور إلى أسندمر كرجي وأخرج تجريدة من الديار المصرية وفيها من الأمراء كراي المنصوري وهو مقدم العسكر وسنقر الكمالي حاجب الحجاب وأيبك الرومي وبينجار وكجكن وبهادر آص في عدة من مضافيهم من أمراء الطبلخاناه والعشرات ومقدمي الحلقة وأظهر أنهم توجهوا لغزو سيس وكتب لأسندمر كرجي بتجهيز آلات الحصار على العادة والاهتمام في هذا الأمر حتى يصل إليه العسكر من مصر‏.‏
    وكتب الملك الناصر إلى المؤيد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة بالمسير مع العسكر المصري‏.‏
    ثم خرج الأمير كراي من القاهرة بالعساكر في مستهل ذي القعدة سنة عشر وسبعمائة وأسر إليه السلطان ما يعتمده في أمر كرجي‏.‏
    وبعد خروج هذا العسكر من مصر توحش خاطر الأمير بكتمر الخوكندار نائب السلطنة من الملك الناصر وخاف على نفسه واتفق مع الأمير بتخاص المنصوري على إقامة الأمير مظفر الدين موسى ابن الملك الصالح علي بن قلاوون في السلطنة والاستعانة بالمماليك المظفرية وبعث إليهم في ذلك فوافقوه‏.‏
    ثم شرع النائب بكتمر الجوكندار في استمالة الأمراء ومواعدة المماليك المظفرية الذين بخدمة الأمراء على أن كل طائفة تقبض على الأمير الذي هي في خدمته في يوم عينه لهم ثم يسوق الجميع إلى قبة النصر خارج القاهرة ويكون الأمير موسى المذكور قد سبقهم هناك‏.‏
    فدبروا ذلك حتى انتظم الأمر ولم يبق إلا وقوعه فنم عليهم إلى الملك الناصر بيبرس الجمدار أحد المماليك المظفرية‏.‏
    وهو ممن اتفق معهم بكتمر الجوكندار أراد بذلك أن يتخذ يدًا عند السلطان الملك الناصر بهذا الخبر فعرف خشداشه قراتمر الخاصكي بما عزم عليه فوافقه‏.‏
    وكان بكتمر الجوكندار قد سير يعرف الأمير كراي المنصوري بذلك لأنه كان خشداشه وأرسل كذلك إلى قطلوبك المنصوري نائب صفد ثم إلى قطلقتمر نائب غزه فأما قطلوبك وقطلقتمر فوافقاه وأما كراي فأرسل نهاه وحذره من ذلك فلم يلتفت بكتمر وتم على ما هو عليه‏.‏
    فلما بلغ السلطان هذا الخبر وكان في الليل لم يتمهل وطلب الأمير موسى إلى عنده وكان يسكن بالقاهرة فلما نزل إليه الطلب هرب‏.‏
    ثم استدعى السلطان الأمير بكتمر الجوكندار النائب وبعث أيضًا في طلب بتخاص وكانوا إذ ذاك يسكنون بالقلعة فلما دخل إليه بكتمر أجلسه وأخذ يحادثه حتى أتاه المماليك بالأمير بتخاص فلما رآه بكتمر علم أنه قد هلك فقيد بتخاص وسجن وأقام السلطان ينتظر الأمير موسى فعاد إليه الجاولي ونائب الكرك وأخبراه بفراره فاشتد غضبه عليهما‏.‏
    وماطلع النهار حتى أحضر السلطان الأمراء وعرفهم بما قد وقع ولم يذكر اسم بكتمر النائب‏.‏
    وألزم السلطان الأمير كشدغدي البهادري والي القاهرة بالنداء على الأمير موسى ومن أحضره من الجند فله إمرته وإن كان من العامة فله ألف دينار‏.‏
    فنزل كشدغدي ومعه الأمير فخر الدين إياز شاذ الدواوين وأيدغل شقير وسودي وعدة من المماليك وألزم السلطان سائر الأمراء بالإقامة بالقاعة الأشرفية من القلعة حتى يظهر خبر الأمير موسى‏.‏
    ثم قبض السلطان على حواشي الأمير موسى وجماعته وعاقب كثيرًا منهم‏.‏
    فلم يزل الأمر على ذاك من ليلة الأربعاء إلى يوم الجمعة ثم قبض على الأمير موسى المذكور من بيت أستادار الفارقاني من حارة الوزيرية بالقاهرة وحمل إلى القلعة فسجن بها‏.‏
    ونزل الأمراء إلى دورهم وخلي عن الأمير بكتمر النائب أيضًا ونزل إلى داره ورسم السلطان بتسمير أستادار الفارقاني ثم عفا عنه وسار إلى داره‏.‏
    وتتبع السلطان المماليك المظفرية وفيهم بيبرس الجمدار الذي نم عليهم وعملوا في الحديد وأنزلوا ليسمروا تحت القلعة وقد حضر نساؤهم وأولادهم وجاء الناس من كل موضع وكثر البكاء والصراخ عليهم رحمة لهم والسلطان ينظر فأخذته الرحمة عليهم فعفا عنهم فتركوا ولم يقتل أحد منهم فكثر الدعاء للسلطان والثناء عليه‏.‏
    وأما أمر أسندمر كرجي فإن الأمير كراي لما وصل بالعساكر المصرية إلى حمص وأقام بها على ما قرره السلطان معه وصل إليه الأمير منكوتمر الطباخي وكان السلطان كتب معه ملطفات إلى أمراء حلب بقبض نائبها أسندمر كرجي في الباطن وكتب في الظاهر لكراي وأسندمر كرجي بما أراده من عمل المصالح فقضى كراي شغله من حمص وركب وتهيأ من حمص وجد في السير جريمة حتى وصل إلى حلب في يوم ونصف فوقف بمن معه تحت قلعة حلب عند ثلث الليل الآخر وصاح‏:‏ يا لعلي وهي الإشارة التي رتبها السلطان بينه وبين نائب قلعة حلب‏.‏
    فنزل نائب القلعة عند ذلك بجميع رجالها وقد استعدوا للحرب وزحف الأمير كراي على دار النيابة ولحق به أمراء حلب وعسكرها فسلم الأمير أسندمر كرجي نفسه بغير قتال فأخذ وقيد وسجن بقلعتها وأحيط على موجوده‏.‏
    وسار منكوتمر الطباخي على البريد بذلك إلى السلطان‏.‏
    ثم حمل أسندمر كرجي إلى السلطان صحبة الأمير بينجار وأيبك الرومي فخاف عند ذلك الأمير قرا سنقر نائب الشام على نفسه وسأل أن ينتقل من نيابة دمشق إلى نيابة حلب ليبعد عن الشر فأجيب إلى ذلك وكتب بتقليده وجهز إليه في آخر ذي الحجة من سنة عشر وسبعمائة على يد الأمير أرغون الدوادار الناصري وأسر له السلطان بالقبض عليه إن أمكنه ذلك‏.‏
    وقدم أسندمر كرجي إلى القاهرة واعتقل بالقلعة وبعث يسأل السلطان عن ذنبه فأعاد جوابه‏:‏ ما لك ذنب إلا أنك قلت لي لما ودعتك عند سفرك‏:‏ أوصيك ياخوند‏:‏ لاتبق في دولتك كبشًا كبيرًا وأنشىء مماليكك ولم يبق عندي كبش كبير غيرك ‏"‏‏.‏
    ثم قبض السلطان على طوغان نائب البيرة وحمل إلى السلطان فحبس أيامًا ثم أطلقه وولاه شد الدواوين بدمشق‏.‏
    وفي مستهل سنة إحدى عشرة وسبعمائة وصل الأمير أرغون الدوادار إلى الشام لتسفير قراسنقر المنصوري منها إلى نيابة حلب فاحترس منه الأمير قراسنقر على نفسه وبعث إليه عدة من مماليكه يتلقونه ويمنعون أحدًا ممن جاء معه أن ينفرد مخافة أن يكون معه ملطفات إلى أمراء دمشق‏.‏
    ثم ركب قراسنقر إليه ولقيه بميدان الحصى خارج دمشق وأنزله عنده بدار السعادة ووكل بخدمته من ثقاته جماعة‏.‏
    فلما كان من الغد أخرج له أرغون تقليده فقبله وقبل الأرض على العادة وأخد في التجهيز ولم يدع قراسنقر أرغون أن ينفرد عنه بحيث إنه أراد زيارة أماكن بدمشق فركب معه قراسنقر بنفسه حتى قضى أرغون أربه وعاد وتم كذلك إلى أن سافر‏.‏
    فلما أراد قراسنقر السفر بعث إلى الأمراء ألا يركب أحد منهم لوداعه وألا يخرج من بيته واستعد وقدم أثقاله أولًا في الليل فلما أصبح ركب يوم الرابع من المحرم بمماليكه وعدتهم ستمائة فارس أرغون الموادار بجانبه وبهادر آص في جماعة قليلة وسار معه أرغون حتى أوصله إلى حلب‏.‏
    ثم عاد أرغون إلى دمشق وقلد الأمير كراي المنصوري نيابة الشام عوضًا عن قراسنقر وأنعم كراي على أرغون الدوادار بألف دينار سوى الخيل والخلع وغير ذلك‏.‏
    ثم إن الملك الناصر عزل الأمير بكتمر الحسامي عن الوزارة وولاه حجوبية الحجاب بالديار المصرية عوضًا عن سنقر الكمالي‏.‏
    ولا زال السلطان يتربص في أمر بكتمر الجوكندار النائب حتى قبض عليه بحيلة دبرها عليه في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى من سنة إحدى عشرة وسبعمائة وقبض معه على عدة من الأمراء منهم‏:‏ صهر الجوكندار الكتمر الجمدار وأيدغدي العثماني ومنكوتمر الطباخي وبدر الدين بكمش الساقي وأيدمر الشمسي وأيدمر الشيخي وسجنوا الجميع إلا الطباخي فإنه قتل من وقته‏.‏
    والحيلة التي دبرها السلطان على قبض بكتمر الجوكندار أنه نزل السلطان إلى المطعم وبكتمر بإزائه فخرج السلطان من البرج ومال إلى بكتمر وقال‏:‏ ياعمي ما بقي في قلبي من أحد إلا فلان وفلان وذكر له أميرين فقال له بكتمر‏:‏ يا خوند ما تطلع من المطعم إلا وتجدني قد أمسكتهما وكان ذلك يوم الثلاثاء فقال له السلطان‏:‏ لا يا عمي إلا دعهما إلى يوم الجمعة تمسكهما في الصلاة فقال له‏:‏ السمع والطاعة‏.‏
    ثم إن السلطان جهز لبكتمر تشريفًا هائلًا ومركوبًا معظمًا فلما كان يوم الجمعة قال له في الصلاة‏:‏ والله يا عمي ما لي وجه أراهما وأستحي منهما ولكن أمسكهما إذا دخلت أنا إلى الدار وتوجه بهما إلى المكان الفلاني تجد هناك منكلي بغا وقجماس فسلمهما إليهما ورح أنت فأمسكهما بكتمر الجوكندار وتوجه بهما إلى المكان المذكور له فوجد الأميرين‏:‏ قجماس ومنكلي بغا هناك فقاما إليه وقالا له‏:‏ عليك السمع والطاعة لمولانا السلطان وأخذا سيفه فقال لهما‏:‏ يا خشداشيتي ما هو هكذا الساعة كما فارقت السلطان وقال لي‏:‏ أمسك هؤلاء فقالا‏:‏ ما القصد إلا أنت فأمسكاه وأطلقا الأميرين وكان ذلك آخر العهد ببكتمر الجوكندار كما يأتي ذكره‏.‏
    انتهى‏.‏
    ئم أرسل السلطان استدعى الأمير بيبرس الدوادار المنصوري المؤزخ وولاه نيابة السلطنة بديار مصر عوضًا عن بكتمر الجوكندار‏.‏
    ثم أرسل السلطان قبض أيضًا على الأمير كراي المنصوري نائب الشام بدار السعادة في يوم الخميس ثاني عشرين جماس الأولى وحمل مقيدًا إلى الكرك فحبس بها وسبب القبض عليه كونه كان خشداش بكتمر الجوكندار ورفيقه‏.‏
    ثم قبض السلطان على الأمير قطلوبك نائب صفد بها وكان أيضًا ممن وافق بكتمر على الوثوب مع الأمير السلطان على الأمير قطلوبك نائب صفد بها وكان أيضًا ممن وافق بكتمر على الوثوب مع الأمير موسى حسب ما تقدم ذكره‏.‏
    ثم خلع السلطان على الأمير آقوش الأشرفي نائب الكرك باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن كراي المنصوري واستقر بالأمير بهادر آص في نيابة صفد عوضًا عن قطلوبك‏.‏
    ثم نقل السلطان بكتمر الجوكندار النائب وأسندمر كرجي من سجن الإسكندرية إلى سجن الكرك فبقي بسجن الكرك جماعة من أكابر الأمراء مثل‏:‏ بكتمر الجوكندار وكراي المنصوري وأسندمر كرجي وقطلوبك المنصوري نائب صفد وبيبرس العلائي في آخرين‏.‏
    ثم عزل السلطان مملوكه أيتمش المحمدي عن نيابة الكرك واستقر في نيابتها تيبغا الأشرفي وكان السلطان قد استناب أيتمش هذا على الكرك لما خرج منها إلى دمشق‏.‏
    وأما قراسنقر فإنه أخذ في التدبير لنفسه خوفًا من القبض عليه كما قبض على غيره واصطنع العربان وهاداهم وصحب سليمان بن مهنا وآخاه وأنعم عليه وعلى أخيه موسى حتى صار الجميع من أنصاره‏.‏
    وقدم عليه الأمير مهنا إلى وأقام عنده أيامًا وأفضى إليه قراسنقر بسره وأوقفه على كتاب السلطان بالقبض على مهنا وأنه لم يوافق على ذلك‏.‏
    ثم بعث قراسنقر يسأل السلطان في الإذن له في الحج فجهز قراسنقر حاله وخرج من حلب في نصف شوال ومعه أربعمائة مملوك واستناب بحلب الأمير قرطاي وترك عنده عدة من مماليكه لحفظ حواصله فكتب السلطان لقرطاي بالاحتراس وألا يمكن قراسنقر من حلب إذا عاد ويحتج عليه بإحضار مرسوم السلطان بتمكينه من ذلك‏.‏
    ثم كتب إلى نائب غزة ونائب الشام ونائب الكرك وإلى بني عقبة بأخذ الطريق على قراسنقر فقدم البريد أنه سلك البرية إلى صرخد وإلى زيزاء ثم كثر خوفه من السلطان فعاد من غير الطربق التي سلكها ففات أهل الكرك القبض عليه فكتبوا بالخبر إلى السلطان فشق عليهم وصل قراسنقر إلى ظاهر حلب فبلغه ماكتب السلطان إلى قرطاي فعظم خوفه وكتب إلى مهنا فكتب مهنا إلى قرطاي أن يخرج حواصل قراسنقر وإلا هجم مدينة حلب وأخذ ماله قهرًا فخاف قرطاي من ذلك وجهز كتابه إلى السلطان في طي كتابه وبعث بشيء من حواصل قراسنقر إلى السلطان مع ابن قراسنقر الأمير عز الدين فرج فأنعم عليه الملك الناصر بإمرة عشرة وأقام بالقاهرة مع أخيه أمير علي بن قراسنقر‏.‏
    ثم إن سليمان بن مهنا قدم على قراسنقر فأخذه ومضى وأنزله في بيت أمه فاستجار قراسنقر بها فأجارته ثم أتاه مهنا وقام له بما يليق به‏.‏
    ثم بعث مهنا يعرف السلطان بما وقع لقراسنقر وأنه استجار بأم سليمان فأجارته وطلب من السلطان العفو عنه فأجاب السلطان سؤاله وبعث إليه أن يخير قراسنقر في بلد من البلاد حتى يوليه إياها فلما سافر قاصد مهنا وهو ابن مهنا لكنه غير سليمان جهز السلطان تجريدة هائلة فيها عدة كثيرة من الأمراء وغيرهم إلى جهة مهنا فاستعد مهنا‏.‏
    وكتب قراسنقر إلى الآفرم نائب طرابلس يستدعيه إليه فأجابه ووعده بالحضور إليه‏.‏
    ثم بعث قراسنقر ومهنا إلى السلطان وخدعاه وطلب قراسنقر صرخد فانخدع السلطان وكتب له تقليدًا بصرخد وتوجه إليه بالتقليد أيتمش المحمدي فقبل قراسنقر الأرض واحتج حتى يصل إليه ماله بحلب ثم يتوجه إلى صرخد فقدمت أموال قراسنقر من حلب فما هو إلا أن وصل إليه ماله وإذا بالأفرم قد قدم عليه من الغد ومعه خمسة أمراء من أمراء طبلخاناه وست عشراوات في جماعة من التركمان فسر قراسنقر بهم ثم استدعوا أيتمش وعددوا عليه من قتله السلطان من الأمراء وأنهم خافوا على أنفسهم وعزموا على الدخول في بلاد التتار وركبوا بأجمعهم وعاد أيتمش إلى الأمراء المجردين بحمص وعرفهم الخبر فرجعوا عائدين إلى مصر بغير طائل‏.‏
    وقدم الخبر على السلطان بخروج قراسنقر والأفرم إلى بلاد التتار في أول سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وقيل إن الأفرم لما خرج هو وقراسنقر إلى بلاد التتار بكى الأفرم وأنشد‏:‏ الطويل سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر فقال له قراسنقر‏:‏ امش بلا فشار تبكي عليهم ولا يبكون عليك فقال الأفرم‏:‏ والله ما بي إلا فراق ابني موسى فقال قراسنقر‏:‏ أي بغاية بصقت في رحمها جاء منه موسى وإبراهيم وعدد أسماء كثيرة وتوجها‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم إن السلطان أفرج عن الأمير أيدمر الخطيري وأنعم عليه بخبز الأمير علم الدين سنجر الجاولي‏.‏
    وفي أول سنة اثنتي عشرة وسبعمائة كملت عمارة الجامع الجديد الناصري بمصر القديمة على النيل ووقف عليه عدة أوقاف كثيرة‏.‏
    وأما قراسنقر والأفرم فإنهما سارا بمن معهما إلى بلاد التتار فخرج خربندا ملك التتار وتلقاهم وترجل لهم وترجلوا له وبالغ في إكرامهم وسار بهم إلى مخيمه وأجلسهم معه على التخت وضرب لكل منهم خركاه ورتب لهم الرواتب السنية ثم استدعاهم بعد يومين واختلى بقراسنقر فحسن له قراسنقر عبور الشام وضمن له تسليم البلاد بغير قتال‏.‏
    ثم اختلى بالأفرم فحن له أيضًا أخذ الشام إلا أنه خيله من قوة السلطان وكثرة عساكره‏.‏
    ثم إن خربندا أقطع قراسنقر مراغة وأقطع الأفرم همذان واستمروا هناك إلى ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏
    ولما حضر من تجرد من الأمراء إلى الديار المصرية حضر معهم الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك الذي ولي نيابة الشام بعد كراي المنصوري فقبض السلطان عليه وعلى الأمير بيبرس الدوادار نائب السلطان صاحب التاريخ وعلى سنفر الكمالي ولاجين الجاشنكير وبينجار وألدكز الأشرفي ومغلطاي المسعودي وسجنوا بالقلعة في شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وذلك لميلهم إلى قراسنقر والأفرم‏.‏
    ثم خلع السلطان على تنكز الحسامي الناصري بنيابة دمشق دفعة واحدة عوضًا عن آقوش نائب الكرك وتنكز هذا هو أول من رقاه من مماليكه إلى الرتب السنية‏.‏
    ثم استقر بسودي الجمدار في نيابة حلب واستقر تمر الساقي المنصوري في نيابة طرابلس‏.‏
    Alhazeen Palestine
    Alhazeen Palestine
    المدير العام
    المدير العام


    الدولة : فلسطين
    ذكر
    عدد المساهمات : 8345
    نقاط : 24162
    تاريخ التسجيل : 27/02/2010

    السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون Empty رد: السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

    مُساهمة من طرف Alhazeen Palestine السبت أكتوبر 30, 2010 9:04 pm

    يتـبـــــــــع

    ثم إن السلطان عزل مهنا بأخيه فضل ورسم بأن مهنا لايقيم بالبلاد‏.‏
    ثم قبض السلطان على الأمير بيبرس المجنون وبيبرس العلمي وسنجر البرواني وطوغان المنصوري وبيبرس التاجي وقيدوا وحملوا من دمشق إلى الكرك في سادس ربيع الآخر من السنة‏.‏
    ثم أمر السلطان في يوم واحد ستة وأربعين أميرًا منهم طبلخاناه تسعة وعشرون وعشروات سبعة عشر وشقوا القاهرة بالشرابيش والخلع‏.‏
    ثم في يوم الاثنين أول جمادى الأولى خلع السلطان على مملوكه أرغون الدوادار بنيابة السلطنة بالديار المصرية عوضًا عن بيبرس الدوادار بحكم القبض عليه‏.‏
    ثم خلع السلطان على بلبان طرنا أمير جاندار بنيابة صفد عوضًا عن بهادر آص وأن يرجع بهادر آص إلى دمشق أميرًا على عادته أولًا‏.‏
    ثم ركب السلطان إلى الصيد ببر الجيزة وأمر جماعة من مماليكه وهم‏:‏ طقتمر الدمشقي وقطلوبغا الفخري المعروف بالفول المقشر وطشتمر البدري المعروف بحمص أخضر‏.‏
    ثم ورد على السلطان الخبر بحركة خربندا ملك التتار فكتب السلطان إلى الشام بتجهيز الإقامات وعرض السلطان العساكر وأنفق فيهم الأموال وابتدأ بالعرض في خامس عشر شهر ربيع الآخر وكمل في أول جمادى الأولى فكان يعرض في كل يوم أميرين من مقدمي الألوف وكان يتولى العرض هو بنفسه ويخرج الأميران بمن أضيف إليهما من الأمراء ومقدمي الحلقة والأجناد ويرحلون شيئًا بعد شيء من أول شهر رمضان إلى ثامن عشرينه حتى لم يبق بمصر أحد من العسكر‏.‏
    ثم خرج السلطان في ثاني شوال ونزل مسجد التبن خارج القاهرة ورحل منه في يوم الثلاثاء ثالث من شوال ورتب بالقلعة نائب الغيبة الأمير سيف الدين أيتمش المحمدي الناصري‏.‏
    فلما كان ثامن شوال قدم البريد برحيل التتار ليلة سادس عشرين رمضان من الرحبة وعودهم إلى بلادهم بعد ما أقاموا عليها من أول شهر رمضان‏.‏
    فلما بلغ السلطان ذلك فرق العساكر في قاقون وعسقلان وعزم السلطان على الحج ودخل دمشق في تاسع عشر شوال وخرج منها في ثاني ذي القعدة إلى الكرك وكان قد أقام بدمشق أرغون النائب للنفقة على العساكر وغير ذلك من الأعمال وكلف الوزير أمين الملك ابن الغنام بجمع المال اللازم وتوجه السلطان من الكرك إلى الحجاز في أربعين أميرًا فحج وعاد إلى دمشق في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وكان لدخوله دمشق يوم مشهود وعبر دمشق على ناقة وعليه بشت من ملابس العرب بلثام وبيده حربة فأقام بدمشق خمسة عشر يومًا وعاد إلى مصر فدخلها يوم ثاني عشر صفر‏.‏
    ثم عمل السلطان في هذه السنة أعني سنه ثلاث عشرة وسبعمائة الروك بدمشق وندب إليه الأمير علم الدين سنجر الجاولي نائب غزة‏.‏
    ثم إن السلطان تجهز إلى بلاد الصعيد ونزل من قلعة الجبل في ثاني عشرين شهر رجب من السنة ونزل تحت الأهرام بالجيزة وأظهر أنه يريد الصيد والقصد السفر للصعيد وأخذ العربان لكثرة فسادهم‏.‏
    وبعث عدة من الأمراء حتى أمسكوا طريق السويس وطريق الواحات فضبط البرين على العربان ثم رحل من منزلة الأهرام إلى جهة الصعيد وفعل بالعربان أفعالًا عظيمة من القتل والأسر ثم عاد إلى الديار المصرية فدخلها في يوم السبت عاشر شهر رمضان‏.‏
    وكان ممن قبض عليه السلطان مقداد بن شماس وكان قد عظم ماله حتى كان عدة جواريه أربعمائة جارية وعدة أولاده ثمانين‏.‏
    وكان السلطان قد ابتدأ في أول هذه السنة بعمارة القصر الأبلق على الإسطبل السلطاني ففرغ في سابع عشر شهر رجب‏.‏
    وقصد السلطان أن يحاكي قصر الملك الظاهر بيبرس البندقداري الذي بظاهر دمشق واستدعى له صناع دمشق وصناع مصر حتى كمل وأنشأ بجانبه جنينة وقد ذهبت تلك الجنينة كما ذهب غيرها من المحاسن‏.‏
    ثم إن السلطان رسم بهدم مناظر اللوق بالميدان الظاهري وعمله بستانًا وأحضر إليه سائر أصناف الزراعات واستدعى خولة الشام والمطعمين فباشروه حتى صار من أعظم البساتين وعرف أهل جزيرة الفيل من ذلك اليوم صناعة التطعيم للشجر واغتنوا بها‏.‏
    ثم في

    سنة أربع عشرة وسبعمائة
    كتب السلطان لنائب حلب وحماة وحمص وطرابلس وصفد بأن أحدًا منهم لا يكاتب السلطان وإنما يكاتب الأمير تنكز نائب الشام ويكون تنكز هو المكاتب للسلطان في أمرهم فشق ذلك على النواب وأخذ الأمير سيف الدين بلبان طرنا نائب صفد ينكر ذلك فكاتب فيه تنكز السلطان حتى عزل واستقر عوضه الأمير بلبان البدري وحمل بلبان طرنا مقيدًا إلى مصر وسجن بالقلعة‏.‏
    ثم إن السلطان اهتم بعمارة الجسور بأرض مصر وترعها وندب الأمير عز الدين أيدمر الخطيري إلى الشرقية والأمير علاء الدين أيدغدي شقير إلى البهنساوية والأمير حسين بن جندر إلى أسيوط ومنفلوط والأمير سيف الدين آقول الحاجب إلى الغربية والأمير سيف الدين قلي أمير سلاح إلى الطحاوية وبلاد الأشمونين والأمير جنكلي بن البابا إلى القليوبية والأمير بهادر المعزي ثم إن السلطان قبض على الأمير أيدغدي شقير وعلى الأمير بكتمر الحسامي الحاجب صاحب الدار خارج باب النصر في أول شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة وسبعمائة فقتل أيدغدي شقير من يومه لأنه اتهم أنه يريد الفتك بالسلطان وأخذ من بكتمر الحاجب مائة ألف دينار وسجن‏.‏
    ثم قبض السلطان على الأمير طغاي وعلى الأمير تمر الساقي نائب طرابلس وحمل إلى قلعة الجبل وقبض على الأمير بهادر آص وحمل إلى الكرك من دمشق‏.‏
    واستقر الأمير كستاي الناصري نائب طرابلس عوضًا عن تمر الساقي‏.‏
    ثم أفرج السلطان عن الأمير قجماس المنصوري أحد البرجية من الحبس وأخرج الأمير بدر الدين محمد بن الوزيري إلى دمشق منفيًا‏.‏
    ثم في ثامن عشر شر رجب أفرج السلطان عن الأمير آقوش الأشرفي نائب الكرك وخلع عليه وأنعم عليه بإقطاع الأمير حسام الدين لاجين الأستادار بعد موته‏.‏
    وفي العشر الأخير من شعبان من سنة خمس عشرة وسبعمائة وقع الشروع في عمل الروك بأرض مصر وسبب ذلك أن أصحاب بيبرس الجاشنكير وسلار وجماعة من البرجية كان خبز الواحد منهم مابين ألف مثقال في السنة إلى ثلاثمائة مثقال فأخذ السلطان أخبازهم وخشي الفتنة فقرر مع فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش روك البلاد وأخرج الأمراء إلى الأعمال‏:‏ فتعين الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا إلى الغربية ومعه آقول الحاجب والكاتب مكين الدين إبراهيم بن قروينة وتعين للشرقية الأمير أيدمر الخطيري ومعه أيتمش المحمدي والكاتب أمين الدين قرموط وتعين للمنوفية والبحيرة الأمير بلبان الصرخدي وطرنطاي القلنجقي ومحمد بن طرنطاي وبيبرس الجمدار‏.‏
    وتعين جماعة أخر للصعيد‏.‏
    وتوجه كل أمير إلى عمله فلما نزلوا بالبلاد استدعى كل أمير مشايخ البلاد ودلاتها وقياسيها وعدولها وسجلات كل بلد وعرف متحصلها ومقدار فدنها ومبلغ عبرتها وما يتحصل منه للجندي من العين والغلة والدجاج والإوز والخراف والكشك والعدس والكعك‏.‏
    ثم قاس الأمير تلك الناحية وكتب بذلك عدة نسخ ولازال يعمل ذلك في كل بلد حتى انتهى أمر عمله‏.‏
    وعادوا بعد خمسة وسبعين يومًا بالأوراق فتسلمها فخر الدين ناظر الجيش‏.‏
    ثم طلب السلطان الفخر ناظر الجيش والتقي الأسعد بن أمين الملك المعروف ب كاتب برلغي وسائر مستوفي الدولة ليفردوا لخاص السلطان بلادًا ويضيفوا الجوالي إلى البلاد وكانت الجوالي قبل ذلك إلى وقت الروك لها ديوان مفرد يختص بالسلطان فأضيف جوالي كل بلد إلى متحصل خراجها‏.‏
    وأبطلت جهات المكوس التي كانت أرزاق الجند عليها‏.‏
    منها ساحل الغلة وكانت هذه الجهة مقطعة لأربعمائة جندي من أجناد الحلقه سوى الأمراء وكان متحصلها في السنة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف درهم‏.‏
    وكان إقطاع الجندي منها من عشرة آلاف درهم إلى ثلاثة الاف درهم وللأمراء من أربعين ألفًا إلى عشرة الاف درهم فاقتنى المباشرون منها أموالًا عظيمة فإنها كانت أعظم الجهات الديوانية وأجل معاملات مصر‏.‏
    وكان الناس منها في أنواع من الشدائد لكثرة المغارم والعسف والظلم فإن أمرها كان يدور على نواتية المراكب والكيالين والمشدين والكتاب وكان المقرر على كل إردب درهمين للسلطان ويلحقه نصف درهم آخر سوى ما كان ينهب‏.‏
    وكان له ديوان في بولاق خارج المقس وقبله كان له خص يعرف بخص الكيالة‏.‏
    وكان في هذه الجهة نحو ستين رجلًا ما بين نظار ومستوفين وكتاب وثلاثين جنديًا للشد وكانت غلال الأقاليم لا تباع إلا فيه فأزال الملك الناصر هذا الظلم جميعه عن الرعية ورخص سعر القمح من ذلك اليوم وانتعش الفقير وزالت هذه الظلامة عن أهل مصر بعد أن راجعته أقباط مصر في ذلك غير مرة فلم يلتفت إلى قول قائل رحمه الله تعالى ما كان أعلى همته وأحسن تدبيره‏.‏
    وأبطل الملك الناصر أيضًا نصف السمسرة الذي كان أحدثه ابن الشيخي فى وزارته عامله الله تعالى بعدله وهو أنه من باع شيئًا فإن دلالة كل مائة درهم درهمان يؤخذ منها درهم للسلطان فصار الدلال يحسب حسابه ويخلص درهمه قبل درهم السلطان فأبطل الملك الناصر ذلك أيضًا وكان يتحصل منه جملة كثيرة وعليها جند مستقطعة‏.‏
    وأبطل السلطان الملك الناصر أيضًا رسوم الولايات والمقدمين والنواب والشرطية وهي أنها كانت تجبى من عرفاء الأسواق وبيوت الفواحش وكان عليها أيضًا جنذ مستقطعة وأمراء وكان فيها من الظلم والعسف وهتك الحرم وهجم البيوت وإظهار الفواحش ما لا يوصف فأبطل ذلك كله سامحه الله تعالى وعفا عنه‏.‏
    وأبطل ماكان مقررًا للحوائص والبغال وكان يجبى من المدينة ومن الوجهين‏:‏ القبلي والبحري ويحمل في كل قسط من أقساط السنة إلى بيت المال عن ثمن الحياصة ثلاثمائة درهم وعن ثمن البغل خمسمائة درهم وكان على هذه الجهة أيضًا عدة مقطعين سوى ماكان يحمل إلى الخزانة فكان فيها من الظلم بلاء عظيم فأبطل الملك الناصر ذلك كله رحمه الله‏.‏
    وأبطل أيضًا ما كان مقررًا على السجون وهوعلى كل من سجن ولو لحظة واحدة مائة درهم سوى ما يغرمه‏.‏
    وكان أيضًا على هذه الجهة عدة مقطعين ولها ضامن يجبي ذلك من سائر السجون فأبطل ذلك كله رحمه الله‏.‏
    وأبطل ما كان مقررًا من طرح الفراريج وكان لها ضمان في سائر الأقاليم‏.‏
    كانت تطرح على الناس بالنواحي الفراريج وكان فيها أيضًا من الظلم والعسف وأخذ الأموال من الأرامل والفقراء والأيتام ما لا يمكن شرحه وكان عليها عدة مقطعين ومرتبات ولكل إقليم ضامن مقرر ولا يقدر أحد أن يشتري فروجًا إلا من الضامن فأبطل الناصر ذلك ولله الحمد‏.‏
    وأبطل ما كان مقررًا للفرسان وهوشيء تستهديه الولاة والمقدمون من سائر الأقاليم فيجبى من ذلك مال عظيم ويؤخذ فيه الدرهم ثلاثة دراهم من كثرة الظلم فأبطل الملك الناصر ذلك رحمه الله تعالى‏.‏
    وأبطل ما كان مقررًا على الأقصاب والمعاصر كان يجبى من مزارعي الأقصاب وأرباب المعاصر ورجال المعصرة فيحصل من ذلك شيء كثير‏.‏
    وأبطل ماكان يؤخذ من رسوم الأفراح كانت تجبى من سائر البلاد وهي جهة لايعرف لها أصل فبطل ذلك ونسي و لله الحمد‏.‏
    وأبطل جباية المراكب كانت تجبى من سائر المراكب التي في بحر النيل بتقرير معين على كل مركب يقال له مقرر الحماية‏.‏
    كان يجبى ذلك من مسافري المراكب سواء أكانوا أغنياء أم فقراء فبطل ذلك أيضًا‏.‏
    وأبطل ما كان يأخذه مهتار طشتخاناه السلطان من البغايا والمنكرات والفواحش وكانت جملة مستكثرة‏.‏
    وأبطل ضمان تجيب بمصر وشد الزعماء وحقوق السودان وكشف مراكب النوبة فكان يؤخذ عن كل عبد وجارية مبلغ مقرر عند نزولهم في الخانات وكانت جهة قبيحة شنيعة إلى الغاية فأراح الله المسلمين منها على يد الملك الناصر رحمه الله‏.‏
    وأبطل أيضًا متوفر الجراريف بالأقاليم وكان عليها عدة كثيرة من المقطعين‏.‏
    وأبطل ماكان مقررًا على المشاعلية من تنظيف أسربة البيوت والحمامات والمسامط وغيرها فكان إذا امتلأ سراب بيت أو مدرسة من الأوساخ لا يمكن شيله حتى يحضر الضامن ويقرر أجرته بما يختار ومتى لم يوافقه صاحب البيت تركه ومضى حتى يحتاج إليه ويبذل له ما يطلب‏.‏
    وأبطل ما كان مقررًا من الجبي برسم ثمن العبي وثمن ركوة السواس‏.‏
    وأبطل أيضًا وظيفتي النظر والاستيفاء من سائر الأعمال وكان في كل بلد ناظر ومستوف ومباشرون فرسم السلطان ألا يستخدم أحد في إقليم لا يكون للسلطان فيه مال وما كان للسلطان فيه مال يكون في كل إقليم ناظر وأمين حكم لا غير ورفع يد سائر المباشرين من البلاد‏.‏
    قلت‏:‏ وكل ما فعله الملك الناصر من إبطال هذه المظالم والمكوس دليل على حسن اعتقاده وغزير عقله وجودة تدبيره وتصرفه حيث أبطل هذه الجهات القبيحة التي كانت من أقبح الأمور وأشنعها وعوضها من جهات لا يظلم فيها الرجل الواحد‏.‏
    ومثله في ذلك كمثل الرجل الشجاع الذي لا يبالي بالقوم كثروا أو قلوا فهو يكر فيهم فإن أوغل فيهم خلص وإن كر راجعًا لايبالي بمن هو في أثره لما يعلم ما في يده من نفسه فأبطل لذلك ماقبح وأحدث ما صلح من غير تكلف وعدم تخوف فلله دره من ملك عمر البلاد وعمر بالإحسان العباد‏.‏
    وهذا بخلاف من ولي بعده من السلاطين فإنهم لقصر باعهم عن إدراك المصلحة مهما رأوه ولو كان فيه هلاك الرعية وعذاب البرية يقولون‏:‏ بهذا جرت العادة من قبلنا فلا سبيل إلى تغيير ذلك ولو هلك العالم فلعمري هل تلك العادة حدثت من الكتاب والسنة أم أحدثها ملك مثلهم وما أرى هذا وأمثاله إلا من جميل صنع الله تعالى كي يتميز العالم من الجاهل‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم رسم السلطان الملك الناصر بالمسامحة بالبواقي الديوانية والإقطاعية من سائر النواحي إلى آخر سنة أربع عشرة وسبعمائة‏.‏
    وجعل الروك الهلالي لاستقبال صفر سنة ست عشرة وسبعمائة والروك الخراجي لاستقبال ثلث مغل سنة خمس عشرة وسبعمائة‏.‏
    وأفرد السلطان لخاصه الجيزية وأعمالها‏.‏
    وأخرجت الجوالي من الخاص وفرقت في البلاد وأفردت الجهات التي بقيص من المكس كلها وأضيفت إلى الوزير وأفردت للحاشية بلاد ولجوامك المباشرين بلاد ولأرباب الرواتب جهات‏.‏
    وارتجعت عدة بلاد كانت اشتريت من بيت المال وحبست فأدخلت في الإقطاعات‏.‏
    قلت‏:‏ وشراء الإقطاعات من بيت المال شراء لا يعبأ الله به قديمًا وحديثًا فإنه متى احتاج بيت مال المسلمين إلى بيع قرية من القرى وإنفاق ثمنها في مصالح المسلمين‏.‏
    فهذا شيء لم يقع في عصر من الأعصار وإنما تشترى القرية من بيت المال ثم إن السلطان يهب للشاري ثمن تلك القرية فهذا البيع وإن جاز في الظاهر لا يستحله الورع ولا فعله السلف حتى إن الملك لا تجوز له النفقة من بيت المال إلا بالمعروف فمتى جاز له أن يهب الألوف المؤلفة من أثمان القرى لمن لايستحق أن يكون له النزر اليسير من بيت المال‏.‏
    وهذا أمر ظاهر معروف يطول الشرح في ذكره‏.‏
    وفي قصة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما فرضه لنفسه من بيت المال كفاية عن الإكثار في هذا المعنى‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم إن السلطان رسم بأن يعتد في سائر البلاد بما كان يهديه الفلاحين وحسب من جملة المبالغ‏.‏
    فلما فرغ من العمل في ذلك نودي في الناس بالقاهرة ومصر وسائر الأعمال بإبطال ما أبطل من جهات المكس وغيره وكتبت المراسيم بذلك إلى سائر النواحي بهذا الإحسان العظيم فسر الناس بذلك قاطبة سرورًا عظيمًا وضج العالم بالدعاء للسلطان بسائر الأقطار حتى شكر ووقع ذلك لملوك التتار وأرسلوا في طلب الصلح حسب ما يأتي ذكره‏.‏
    ثم جلس السلطان الملك الناصر بالإيوان الذي أنشأه بقلعة الجبل في يوم الخميس ثاني عشرين في الحجة سنة خمس عشرة وسبعمائة لتفرقة المثالات‏.‏
    وهذا الروك يعرف بالروك الناصري المعمول به إلى يومنا هذا‏.‏
    وحضروا الناس ورسم السلطان أن يفرق في كل يوم على أميرين من المقدمين بمضافيهما فكان المقدم يقف بمضافيه ويستدعى كل واحد باسمه فإذا تقدم المطلوب سأله السلطان من أنت ومملوك من أنت حتى لايخفى عليه شيء من أمره ثم يعطيه مثالًا يلائمه فأظهر السلطان في هذا العرض عن معرفة تامة بأحوال رعيته وأمور جيوشه وعساكره وكان كبار الأمراء تحضر التفرقة فكانوا إذا أخفوا في شكر جندي عاكسهم السلطان وأعطاه دون ما كان في أملهم له وأراد بذلك ألا يتكلم أحدهم في المجلس فلما علموا بذلك أمسكوا عن الكلام والشكر بحيث إنه لايتكلم أحد منهم إلا رد جواب له يسأل عنه فمشى الحال بذلك على أحسن وجه من غير غرض ولا عصبية وأعطي لكل واحد ما يستحقه‏.‏
    قلت‏:‏ وأين هذه الفعلة من فعل الملك الظاهر برقوق رحمه الله وقد أظهر من قلة المعرفة وإظهار الغرض التام حيث أنعم على قريبه الأمير قجماس بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وهو إذ ذاك لا يحسن يتلفظ بالشهادتين فكان مباشرو إقطاعه يدخلون إليه مع أرباب وظائفه فيجدون الفقيه يعلمه الشهادة وقراءة الفاتحة وهو كالتيس بين يدي الفقيه فكان ذلك من جملة ذنوب الملك الظاهر برقوق التي عددوها له عند خروج الناصري ومنطاش عليه ونفرت القلوب منه حتى خلع وحبس حسب مايأتي ذكره‏.‏
    ولم أرد بذلك الحط على الملك الظاهر المذكور غير أن الشيء بالشيء يذكر‏.‏
    انتهى‏.‏
    ثم فعل السلطان الملك الناصر ذلك مع مماليكه وعساكره فكان يسأل المملوك عن اسمه واسم تاجره وعن أصله وعن قومه إلى الديار المصرية وكم حضر مصاف وكم لعب بالرمح عن سنه ومن كان خصمه في لعب الرمح وكم أقام سنة بالطبقة فإن أجابه بصدق أنصفه وإلا تركه ورسم له بجامكية هينة حتى يصل إلى رتبة من يقطع بباب السلطان فأعجب الناس هذا غاية العجب‏.‏
    وكان الملك الناصر أيضًا يخير الشيخ المسن بين الإقطاع والراتب فيعطيه ما يختاره ولم يقطع في هذا العرض العاجز عن الحركة بل كان يرتب له ما يقوم به عوضًا عن إقطاعه‏.‏
    واتفق للسلطان أشياء في هذا العرض منها‏:‏ أنه تقدم إليه شاب تام الخلقة في وجهه أثر يشبه ضربة السيف فأعجبه وناوله مثالًا بإقطاع جيد وقال له‏:‏ في أي مصاف وقع في وجهك هذا السيف فقال‏:‏ لا يا خوند هذا ما هو أثر سيف وإنما وقعت من سلم فصار في وجهي هذا الأثر فتبسم السلطان وتركه فقال له الفخر ناظر الجيش‏:‏ ما بقي يصلح له هذا الخبز فقال الملك الناصر‏:‏ قد صدقني وقال الحق وقد أخذ رزقه فلو قال‏:‏ أصبت في المصاف الفلاني من كان يكذبه فدعت الأمراء له وانصرف الشاب بالإقطاع‏.‏
    ومنها‏:‏ أنه تقدم إليه رجل دميم الخلق وله إقطاع ثقيل عبرته ثمانمائة دينار فأعطاه مثالًا وانصرف به عبرته نصف ماكان في يده فعاد وقتل الأرض فسأله السلطان عن حاجته فقال‏:‏ الله يحفظ السلطان فإنه غلط في حقي فإن إقطاعي كانت عبرته ثمانمائة دينار وهذا عبرته أربعمائة دينار فقال السلطان‏:‏ بل الغلط كان في إقطاعك الأولى فامض بما قسم الله لك وأشياء من هذا النوع إلى أن انتهت تفرقة المثالات في آخر المحرم سنة ست عشرة وسبعمائة فوفر منها نحو مائتي مثال‏.‏
    ثم أخذ السلطان في عرض مماليك الطباق ووفر جوامك عدة منهم ثم أفرد جهة قطيا للعاجزين من الأجناد وقرر لكل منهم ثلاثة آلاف أدرهم في السنة‏.‏
    ثم إن السلطان ارتجع ما كانت المماليك البرجية اشترته من أراضي الجيزة وغيرها‏.‏
    وارتجع السلطان أيضًا ما كان لبيبرس و سلار وبرلغي والجوكندار وغيرهم من الرزق وغيرها وأضاف ذلك كله لخاص السلطان وبالغ السلطان في إقامة الحرمة في أيام العرض وعرف الأمير أرغون النائب وأكابر الأمراء أنه من رد مثالًا أوتضرر أوشكا ضرب وحبس وقطع خبزه وأن أحدًا من الأمراء لايتكلم مع السلطان في أمر جندي ولا مملوك فلم يتجاسر أحد يخالف مارسم به وغبن في هذا الروك أكثر الأجناد فإنهم أخذوا إقطاعًا دون الإقطاع الذي كان معهم وقصد الأمراء التحدث في ذلك مع السلطان فنهاهم أرغون النائب عن ذلك فقدر الله تعالى أن الملك الناصر نزل إلى بركة الحجيج لصيد الكركي على العادة وجلس في البستان المنصوري الذي كان هناك ليستريح فدخل بعض المرقدارية يقال له عزيز وكان من عادته أن يهزل قدام السلطان ليضحكه فأخذ المرقدار يهزل ويمزح ويتمسخر قدام السلطان والأمراء جلوس وهناك ساقية والسلطان ينظر إليها فتمادى في الهزل لشؤم بخته إلى أن قال‏:‏ وجدت جنديًا من جند الروك الناصري وهو راكب إكديشًا وخرخه ومخلاته ورمحه على كتفه وأراد أن يتم الكلام فاشتد غضب السلطان فصاح في المماليك‏:‏ عروه ثيابه ففي الحال خلعت عنه الثياب وربط مع قواديس الساقية وضربت الأبقار حتى أسرعت في الدوران فصار عزيز المذكور تارة ينغمس في الماء وتارة يظهر وهو يستغيث وقد عاين الموت والسلطان يزداد غضبًا‏.‏
    ولم يجسر أحد من الأمراء أن يشفع فيه حتى مضى نحو ساعتين وانقطع حسه فتقدم الأمير طغاي الناصري والأمير قطلوبغا الفخري الناصري وقالا‏:‏ يا خوند هذا المسكين لم يرد إلا أن يضحك السلطان ويطيب خاطره ولم يرد غير ذلك فما زالا به حتى أخرج الرجل وقد أشفى على الموت ورسم بنفيه من الديار المصرية فعند ذلك حمد الله تعالى الأمراء على سكوتهم وتركهم الشفاعة في تغيير مثالات الأجناد‏.‏
    انتهى أمر الروك وما يتعلق به‏.‏
    وفي محرم سنة ست عشرة وسبعمائة ورد الخبر على السلطان بموت خربندا ملك التتار و جلوس ولده بوسعيد في الملك بعده‏.‏
    ثم أفرج الملك الناصر عن الأمير بكتمر الحسامي الحاجب وخلع عليه يوم الخميس ثالث عشر شوال من السنة المذكورة بنيابة صفد وأنعم عليه بمائتي ألف درهم‏.‏
    ثم نقل السلطان في السنة أيضًا الأمير كراي المنصوري وسنقر الكمالي الحاجب من سجن الكرك إلى البرج بقلعة الجبل فسجنا بها‏.‏
    ثم بدا له زيارة القدس الشريف ونزل السلطان بعد أيام في يوم الخميس رابع جمادى الأولى من سنة سبع عشرة وسبعمائة وسار ومعه خمسون أميرًا وكريم الدين الكبير ناظر الخواص وفخر الدين ناظر الجيش وعلاء الدين علي بن أحمد بن سعيد بن الأثير كاتب السر بعدما فرق في كل واحد فرسًا مسرجًا وهجينًا وبعضهم ثلاث هجن وكتب إلى الأمير تنكز نائب الشام أن يلقاه بالإقامات لزيارة القدس فتوجه إلى القدس وزاره ثم توجه إلى الكرك ودخله وأفرج عن جماعة ثم عاد إلى الديار المصرية فدخلها في رابع عشر جمادى الآخرة فكانت غيبته عن مصر أربعين يومًا‏.‏
    ثم بعد مجيء السلطان وصل إلى القاهرة الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي والأمير بهادر آص والأمير بيبرس الدوادار وهؤلاء الذين أفرج عنهم من حبس الكرك وخلع السلطان عليهم وأنعم على بهادر بإمرة في دمشق ولزم بيبرس داره ثم أنعم عليه بإمرة وتقدمة ألف على عادته أولًا‏.‏
    ثم عزل السلطان الأمير بكتمر الحسامي الحاجب عن نيابة صفد في أول سنة ثماني عشرة وسبعمائة وقدم القاهرة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر‏.‏
    وفي هذه السنة تجهز السلطان لركوب الميدان وفرق الخيل على جميع الأمراء واستجد ركوب الأوجاقية بكوافي زركش على صفة الطاسات وهم الجفتاوات‏.‏
    وفيها ابتدأ السلطان بهدم المطبخ وهدم الحوائج خاناه والطشتخاناه وجامع القلعة القديم وأخلط الجميع وبناه الجامع الناصري الذي هو بالقلعة الآن فجاء من أحسن المباني‏.‏
    وتجدد أيضًا في هذه السنة بدمشق ثلاثة جوامع‏:‏ جامع الأمير تنكز المشهور به وجامع كريم الدين وجامع شمس الدين غبريال‏.‏
    ثم حج بالركب المصري في هذه السنة أمير الحاج الأمير مغلطاي الجمالي وقبض بمكة على الشريف رميثة وفر حميضة وقدم مغلطاي المذكور برميثة

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء سبتمبر 24, 2024 12:24 am