ابو دلامه مضحك الخلفاء والامراء
مضحك الخليفة ابو العباس عبدالله السفاح و اخية الخليفة ابو جعفر المنصور
مضحك الخليفة ابو العباس عبدالله السفاح و اخية الخليفة ابو جعفر المنصور
هو (زَنْدُ بن الجَوْن) شاعر عباسي، نشأ في الكوفة إبّان الحكم الأموي، وكان يُعرف بأبي دلامة، ـ و(دلامة) هو جبل بأعلى مكّة المكرّمة، كانت قريش تئد فيه البنات في الجاهليةـ ولكنّ زنداً هذا لم يُعرف شاعراً إلا زمن العباسيين، وقد لازم الخلفاءَ الثلاثة الأوائل:
أبا العباس السفّاح، وأبا جعفر المنصور، وابنه المهديّ، وعاش مقرَّباً منهم، لظَرْفه، ونوادره، وقُدْرته على إشاعة المرح والسُّرور في مجالسهم، فكانوا يصطحبونه معهم في نزهاتهم، ويحتملون منه مُلَحَه ونِكاتهِ اللاذعة، مع ما كان معروفاً عنهم من شدّة وصرامة وبأس، حتى إنه كان يتعرض لبعض الشخصيات الكبيرة في البلاط تحت غطاء النكتة والنادرة، فيكتم هؤلاء غيظهم وغضبهم حين يرون الخليفة منشرحاً، غارقاً في الضّحك.
ولو عدنا إلى ما رواه المؤرّخون عن هذا الشاعر، لعرفنا أنه مهيّأ لهذه المهمّة دون سواها، فمع أنه شاعر مبدع، متمكّنٌ من لغته، قادرٌ على ابتكار المعاني، وتوليد الأفكار الجديدة، إلاّ أنه كان يختار الصياغات الطريفة المبتكرة، والعبارات اللاذعة التي تثير السخرية، وتبعث على الضّحك، فهو يشبه إلى حدٍ كبير (مهرِّجَ الملك) لدى ملوك أوروبا وأباطرتها في العصور المتأخرة، وكان طوله الفارع، وعوده الهزيل، الذي يشبه جذع نخلة محترقة، ولونه الأسود الفاحم، شفيعاً له بهذا المسلك، وهذا النهج الذي نهجه، وكان الناس في زمنه يتناقلون طرائفه ومُلَحه، ويروونها في بيوتهم ومجالسهم الخاصة، ويعجبون لهذا الشاعر الذي يحتال على الخلفاء والأمراء، ويأخذ منهم ما يريد من دون أن يثير غضبهم وغيظهم، بل على العكس من ذلك، فقد كانوا يدفعون له بلا حساب، وهم سعداء راضون، ينعمون بظرفه، ويضحكون لحيله وألاعيبه المكشوفة.. .
ونحبّ أن نقدّمه من خلال تلك النوادر والنِّكات التي تلقي أضواء على شخصيّته، وعلى شخصيات الخلفاء والأمراء الذين عايشهم وعاشرهم.
******
أريد كلباً:
دخل مرّة على أبي العباس السفّاح في أول حكمه، وكان غارقاً في متابعة أمور دولته الفتيّة، فأراد الخليفة أن يصرفه، لانشغاله بأمورٍ أكبر من اللهو، وأهمَّ من العبث، فقال له:
- سلْني حاجتك.
فتململ (أبو دلامة) قليلاً، وكأن الأمر ليس سهلاً، فصاح به الخليفة ـ والقوّاد ينظرون إلى أبي دلامة بقسوة:
-قل حاجتك.
فتنحنح أبو دلامة وقال:
-أريد كلباً لأصطاد به.
صاح الخليفة:
-ألهذا جئتني في هذه الساعة؟.
وصاح الخليفة في الغلام الذي يقف وراءه وكأنه يريد أن ينهي المقابلة بسرعة:
- أعطوه كلباً.
ولكنّ (أبا دلامة) لم يغادر المكان، بل تقدَّم خطوةً أخرى من الخليفة وقال:
- وهل أخرج في البيداء الواسعة، فأطارد صيدي على قدميَّ هاتين؟!.
فصرخ الخليفة:
ـ أعطوه فرساً يركبها.
قال أبو دلامة:
- ومن يعتني بهذه الفرس، ويمسك لي الصيد، ويحمله معي؟.
قال الخليفة:
- أعطوه غلاماً يساعده في صيده.
قال أبو دلامة:
- وحين أعود إلى البيت محمّلاً بصيدي، فمن ينظّفه ويطبخه لي؟.
قال الخليفة:
- أعطوه جارية تُعينه في البيت.
سأل أبو دلامة:
- وهل سأترك هذين البائسين يبيتان في العراء؟!.
قال الخليفة:
- أعطوه داراً تجمعهم.
سأل أبو دلامة:
- وكيف سيعيشون بعد ذلك إن لازمني النكد وسوء الطالع، ولم أوفَّق بالصيد شهراً أو شهرين؟.
قال الخليفة:
- أعطوه مئة جريب عامرة ومئة جريب غامرة.
سأل أبو دلامة:
- وما هي الغامرة يا أمير المؤمنين؟.
أجاب الخليفة:
- الأرض المالحة التي لا نبت فيها.
في هذه اللحظة هزَّ (أبو دلامة) يده ساخراً وقال:
- إذن أنا أعطيك مئة ألف جريب غامرة، في صحراء العرب.
فصاح الخليفة بمن في المجلس، وهو يضحك، وقد خرج عن جدِّه وصرامته:
- اجعلوها كلَّها عامرة، قبل أن يطلب هذا الكرسيَّ الذي أجلس عليه